في الوقت الذي تعمل فيه الجهات المختصة على تشجيع المنتجات الوطنية بكل الطرق والوسائل التي تمكّن هذه المنتجات من الولوج إلى الأسواق الداخلية والخارجية من خلال المعارض والترويج لها على كل المستويات، تواجه هذه المنتجات إشكالات كبيرة في محلات الهايبر ماركت من خلال ما تفرضه هذه الأخيرة من إجراءات تحدّ من انتشار منتجاتنا الوطنية في أوساط المستهلكين، وتزيد من كلفتها وتقلل من جدواها الاقتصادية وترفع كلفتها التشغيلية، فينعكس كل ذلك سلباً على المستهلك بزيادة الأسعار، وتخسر منتجاتنا تنافسيتها أمام السلع والبضائع المستوردة من الخارج.
إن معالجة هذا الواقع المؤلم الذي تعيشه منتجاتنا الوطنية في محلات الهايبر تتطلب تدخلا حكوميا منصفا حتى تحظى بالأولوية في خيارات المستهلك، وبأفضلية العرض في محلات الهايبر بحكم مسؤوليتها الاجتماعية تجاه المجتمع وقطاعاته الاقتصادية.
وما لم يتغير الحال، فإنه من الأهمية إيجاد منافسة وطنية لهذه المحلات من خلال تشجيع قيام شركات التجزئة الوطنية والجمعيات التعاونية في الولايات بهدف إيجاد توازن في الأسواق.
ولا شك أن تعزيز تنافسية المنتجات الوطنية في الأسواق المحلية يجب أن يحظى بأولوية كبيرة من كافة الجهات المعنية، ومن بينها محلات الهايبر، التي أصبحت تهيمن على الأسواق، وتنتشر في الولايات كالحيتان، تلتهم صغار المحلات، وتقضي على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وللأسف تضيق الخناق على المنتجات الوطنية، وتفرض عليها شروطا مجحفة، حيث تفرض على الشركات الوطنية مساهمات في بناء محلات الهايبر بمبالغ تصل إلى 12 ألف ريال، ورسوم تسجيل تصل إلى خمسة آلاف ريال، ورسوم تسجيل للمنتج تصل إلى ٥٠٠ ريال، ورسوم استئجار أرفف تصل إلى ٥٠٠ ريال شهريا، بل تخصم ١٧ بالمائة من قيمة فاتورة المبيعات لصالح الهايبر ماركت، وفوق ذلك لا تحصل الشركات عوائدها من هذه المحلات إلا بعد انقضاء ١٢٠ يوما، ناهيك عن تكليف الشركات والمصانع بمهمة ترتيب البضاعة وعرضها وتنظيفها.. أضف إلى ذلك فإن صاحب المنتج يفرض عليه خصم للشركة العارضة يقدر بـ 20 بالمائة من إجمالي مبيعات المواد الصالحة، أي أن قيمة ما تخصمه هذه المحلات أكثر من 37 في المائة من مبيعات المنتجات الوطنية!، فهل في تقديركم يمكن أن يحظى المنتج الوطني بفائدة بعد كل هذه الرسوم المفروضة على مصانعنا وشركاتنا؟، وهل بمثل هذه الإجراءات والشروط والرسوم نشجع المنتج الوطني على التواجد والمنافسة بقوة في السوق المحلية فضلا عن الخارج؟، وهل بعد هذه التكاليف الباهظة يمكن للمنتجات المحلية جذب المستهلكين ومنافسة السلع والبضائع المستوردة؟.. تساؤلات تطرح نفسها للجهات الحكومية والخاصة لمعالجة هذه المشكلة التي لا تؤثر على أصحاب المصانع فحسب، وإنما على الصناعة العمانية بالكامل، وتحد من تطورها ومساهمتها في دخل البلاد.
إن تأجير الرفوف في محلات الهايبر وفق شروط مجحفة يشكل خطورة على الصناعات والمنتجات الوطنية وكل ما يمت للاقتصاد المحلي بصلة، ففي تصوري، لا يراد من ذلك سوى التهميش والاستبعاد للمنتج الوطني، في حين بدأت محلات الهايبر بصناعة منتجات بماركاتها الخاصة، وتعطيها أفضليات العرض والترويج لإغراق السوق، وكان يفترض بهذه المحلات أن تراعي البلد الذي تعمل فيه، فتمنح الصناعات المحلية فرصة للترويج وهامشا مناسبا للتنفس والعرض اللائق ضمن مسؤولياتها الاجتماعية، بالتوازي مع تسويق السلع الخارجية التي تملأ أرففها. بل على هذه الأسواق أن لا تبالغ في رسومها على الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تتلمس خطواتها الأولى لدخول الأسواق، فتكتفي بإيجارات رمزية تستطيع كل الشركات الصغيرة تحملها إلى أن تتكيف مع طبيعة المنافسة في السوق. إن من أهم جوانب تشجيع المنتجات المحلية إتاحة المجال لها للنفاذ للأسواق المحلية بسهولة ويسر لتأسيس قواعدها في أوساط المستهلكين، وتوفير الحماية لها من خلال النظم والقوانين التي تمنحها الميزات التفضيلية بحيث يتاح تأجير الأرفف دون رسوم وإيجارات، وإنما من خلال تخصيص نسبة من المبيعات لمحلات الهايبر على أقصى تقدير، أو إيجاد صيغ توفيقية مشجعة للمنتجات الوطنية كالتزام مفروض على مراكز التسوق الكبيرة المنتشرة في البلاد، وهناك العديد من الدول تفرض مثل هذه الالتزامات لتحقيق نوع من التوازن بين المصالح الوطنية ومصالح المستثمرين.
لا ننكر أن محلات الهايبر أضافت أبعادا جديدة للتسوق في السلطنة، وأوجدت بيئات مريحة تتوفر فيها السلع من كل الأصناف تحت سقف واحد، وأثرت الاقتصاد، ووظفت إلى حد ما الأيدي الوطنية، لكن تمكين المنتجات الوطنية مسألة مهمة للغاية يجب أن تحظى باهتمام كل الجهات، فالمتطلبات التعجيزية من الطبيعي أن تبعد كل الشركات الوطنية عن العرض في أرفف مراكز الهايبر، والنسب العالية المفروضة على المبيعات تدمر الصناعات الوطنية ولا تنمّيها.
بالطبع هذا ليس معناه أن على الشركات الوطنية أن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الصلف من جانب محلات الهايبر ماركت، وإنما من الأهمية تحويل هذه التحديات إلى فرص للمنافسة، سواء بإيجاد شركات وطنية للتجزئة منافسة لهذه المحلات، وتعيد التوازن للأسواق المحلية، وتتكامل مع الصناعات الوطنية، بحيث تكون أشبه بالمعارض الدائمة للصناعات الوطنية، أو الإسراع في تأسيس الجمعيات التعاونية على شكل شركات مساهمة تدعم من الحكومة لوجستيا بتوفير الأراضي والمساهمة في مبانيها ومرافقها، بحيث تكون متكاملة من كافة الجوانب، حتى يتحقق التوازن النوعي والكمي في الأسواق لأمور أكثر من تجارية ولغايات أكبر في المستقبل.
نأمل تسوية هذا الملف بتفاصيله، لأنه يمهّد الطريق للاستثمارات الوطنية في تجارة التجزئة التي استحوذت عليها استثمارات أجنبية، حتى وإن كانت تحت غطاءات وطنية مستترة، وإيجاد الأطر والتشريعات لتشجيع المنتجات الوطنية، وإطلاق الجمعيات التعاونية في الولايات لتعميم الفائدة على كافة المواطنين، مساهمين ومستهلكين.