لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com
من الكتب القليلة التي يمكن أن تساعدنا على فهم ما يجري لنا اليوم هو كتاب د. زيمباردو «The Lucifer Effect» أي «تأثير الشيطان» وهو كتاب يحاول أن يشرح كيف يمكن أن يتحول الأخيار لأشرار وكيف يمكن لأي شخص، وكل شخص، أن يتحول لشخص عنيف سادي لو تأتت الظروف لذلك. أنطلق د. زيمباردو في كتابة من تجربة قام بها في العام 1971 في واحدة من أهم جامعات العالم وهي التجربة التي عُرفت باسم «تجربة سجن ستانفورد» حيث جمع عشوائيا جماعة من 23 طالباً وبنى سجنا وهميا في الجامعة وقسمهم إلى مجموعتين الأولى سجانون والثانية مساجين، في اليوم الأول سار كل شيء بسلاسة إلا أن السجناء تمردوا في اليوم الثاني على الأوامر الفجّة فما كان من «السجانين» إلا أن بدؤوا في قمعهم ورصدت الكاميرات تضخم العنف ساعة بساعة حتى وصل الأمر لحرمان الطلبة «السجانين» لزملائهم «المساجين» من الماء والطعام وإجبارهم على استخدام بطانيات رُميت في المراحيض، وتجريدهم من ملابسهم وجرهم عراة. وأوقفت التجربة، التي كان من المفترض أن تستمر لأسبوعين، بعد 6 أيام فقط بعد أن وصلت السادية لمستويات خشيت الجامعة معها على حياة الطلبة.
واصل العالم تجاربه وربطها بأحداث مختلفة في العالم. كيف تمكنت امرأة إبان الحرب الأهلية في رواندا من قتل جارتها التي عاشت معها طوال عمرها -هي وأطفالها- بدم بارد! وكيف تحول شرطي احتياط خجول ومؤدب من ولاية تنيسي الأمريكية لقاتل وهاتك للأعراض في سجن أبو غريب؟! وكيف استخدم قس أمريكي سيكولوجية الطاعة ليدفع أتباعه لقتل زوجاتهم وأبنائهم «قربة لله»؟
ولو قدر له دراسة ما تفعله «داعش» من نوائب لوجد ما يكفي لملء مجلدات لا كتاب واحد.
وعلى ذكر داعش أكدت تقارير صدرت قبل أيام أن منفذي «مذبحة بنجلادش» ينحدرون من عائلات ثرية، وأغلبهم يدرس في مــــدارس خاصـــة بالنخـــــبة فــي هـــــذا البلد الفقير!
لقد حاولنا فيما مضى تبسيط معضلتنا مع المتطرفين والإرهابيين وبنينا نظريتنا على أساس أنهم جماعة من السوقة الجهلة المختلين عقليا. لكن الوقائع تدك نظرتنا تلك كل يوم، فهناك أطباء ومهندسون من أكثر دول العالم تحضرا يتخلون عن كل شيء لينضموا لتنظيمات معادية للإنسانية بعد أن يتم تجنيدها باسم «الله» وصنع «أهداف عليا» لهم «وكثير منهم يبحث عن معنى لوجوده فينساق لهم»، ولا ننسى هنا دعاوى البطولة التي تسبغ عليهم فتستميلهم لأفعال تأباها الفطرة السليمة. ويبدو أن السلطة، والصلاحيات المطلقة تعــزز جنــون الأفراد أيضـــا وتشوش نظرتهم للبديهيات.
يقول د. زيمباردو في كتابه: «السلوك البشري يتأثر بأشياء مستقلة عنا أكثر من تأثره بأشياء نابعة من داخلنا ومن موروثنا الثقافي» لذا لا قيمة لما نسوقه عن ماضي «الإرهابي» أو أسرته. بل علينا أن نمحص في البيئة المحبطة المدمرة التي عززت سادية هــــؤلاء الأفـــراد الـــذي يخططون كل يوم لتفجير المســـاجد والمجمعات واغتيال الأبرياء!
لا أعرف مدى دقه ما توصل له الكتاب: وهو أن كل إنسان فينا يمكنه أن يتحول لمتوحش سادي في ظروف معينة. ولكن ما أعرفه هو أننا أمام ظاهرة كبيرة جدا، تتغول ولا تنكمش، وما زلنا نعجز عن فهم ماهيتها بدقة.