خير صداقات عمان يفيض على الجميع

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٩/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٠٣ م
خير صداقات عمان يفيض على الجميع

فريد أحمد حسن

قول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إثر لقائه أخيرا بالوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي " خلال لقائي مع نظيري العُماني عبرت عن تقديرنا لجهود سلطنة عُمان في دعم استقرار المنطقة" قول مستحق وإن أثار البعض ودفعه إلى توجيه انتقادات مباشرة وغير مباشرة لسياسة السلطنة إلى حد اتهامها بأنها تغرد خارج السرب ، فما قامت وتقوم به عمان من جهود كبيرة من أجل دعم استقرار المنطقة تستحق عليه الشكر والتقدير ، ويكفي أنها تعبر بذلك عن المبادئ التي تؤمن بها وتتخذها أساسات لسياستها التي لم تتغير منذ تسلم صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم مقاليد الحكم في البلاد ، فليس ما تقوم به وزارة الخارجية العمانية اليوم سوى تطبيق لما أعلن عنه جلالته في يوم النهضة التاريخي ، وتعبيرا عن الشعب العماني الساعي دائما إلى نشر الإحساس بالأمان من خلال العمل على استقرار المنطقة ، حيث الاستقرار يعني توفر فرص البناء بسخاء ، ويعني النمو والرقي والسلام ، ويعني التحضر ، ولولا هذا لانتبذت عنه صفة التسامح التي اشتهر بها وتميز .
في السياق نفسه يأتي تصريح صاحب السمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشئون مجلس الوزراء وملخصه "نقول بصوت عال . عمان ليس لها أعداء بل أصدقاء في كل العالم" ، وهو قول مهم يؤكد حقيقة في غاية الأهمية ملخصها أن يد السلطنة ممدودة دائما إلى الجميع وأنها لا تعادي أحدا لسبب بسيط هو أنه لا أعداء لها وتحرص على ألا يكون لها أعداء ، فكل دول العالم أصدقاء لعمان ، ولعمان في عيونهم مكانة كبيرة وخاصة ، دون أن يعني هذا أنها لا تختلف مع الآخرين في وجهات النظر والمواقف ، فالاختلاف أمر مختلف عن الخلاف ، حيث الأول صفة حميدة ومطلوبة ومن خلالها يرتقي الإنسان وترتقي الدول ويحدث التطور ، وحيث الثاني يجلب العداوات ويؤسس للحروب التي تقف منها السلطنة دائما موقفا سالبا وناقدا ، فالسلطنة ضد الحروب دائما وأبدا إلا في حالة واحدة هو الاعتداء عليها ونفاد كل سبل التفاهم مع العدو ، وهذا أمر افتراضي ليس إلا .
لأن عمان تدفع دائما ب"التي هي أحسن" لذا فإنه لا أعداء لها والكل لها "ولي حميم" ، وهي لا تسمح للعواطف بأن تتحكم في سياستها ومواقفها ، ولولا هذا لما اعتبرها البعض "مغردة خارج السرب" ولما تعرضت للنقد بسبب اتخاذها موقفا سالبا من مجموعة من القرارات التي أجمع عليها الأعضاء الآخرون في منظومة مجلس التعاون التي هي أحد مؤسسيها ، وخصوصا تلك المتعلقة بالحرب في اليمن وفي العلاقة مع إيران .
بالتأكيد لا يمكن لأحد أن يأخذ على سلطنة عمان بعض مواقفها المختلفة عن بقية أعضاء مجلس التعاون ، فلا يوجد في النظام الأساسي للمجلس ما يفرض على الأعضاء الالتزام بقراراته بشكل جماعي ، فهذا المجلس ليس اتحادا فيدراليا ولا كونفيدراليا وأهدافه تتحقق بتحقق الأمن لدوله ، وهذا أساس وجوده وسبب استمراره ، وعليه فإنه لا يوجد ما يوجب على الأعضاء التقيد بمواقف معينة أو بقرارات تصدر عنه ، أي أنه يكفي الموازنة بين مصلحة الدولة ومصلحة المنظومة لتسير الأمور بشكل طبيعي ، وهذا بالضبط هو ما تفعله سلطنة عمان التي لا تزال رغم كل شيء عضوا في المجلس ، ولا تزال فاعلة فيه ، وليس صحيحا أبدا ما يشاع بين الحين والحين ويردده البعض عن رغبة السلطنة في الخروج من منظومة مجلس التعاون ، فمثل هذا الأمر لا يتم اعتباطا ولا يكون كردة فعل على تصريح أو موقف معين تتضايق منه ، فليس هذا ديدن السلطنة المعروفة بتريثها وبحرصها على دراسة كل أمر من مختلف جوانبه وإن تأخرت في اتخاذ القرار .
مهم في هذا السياق أيضا التأكيد على أن الصداقة في نظر سلطنة عمان لا تقتصر على المصالح بينها وبين الدول الأخرى ، فتحقق المصالح أمر طبيعي وهي أساس كل صداقة بين أي دولتين ، وإنما الصداقة في نظر السلطنة يجب أن يفيض خيرها على المنطقة التي هي جزء منها ، وعلى العالم ، فالمسألة ليست مسألة ضمان عدم عداء هذه الدولة أو تلك للسلطنة فقط ، وليست مسألة استفادة السلطنة من صداقتها مع هذه الدولة أو تلك وتحقق المصالح ، وإنما تمتد إلى أن ترمي تلك الصداقة بظلالها على المنطقة فتكون سببا في استقرارها ، وهذا أمر للأسف يغفل عنه الكثيرون ، فسلطنة عمان لا تسعى إلى نفسها فقط ولكن يهمها في الدرجة الأولى أن تستفيد المنطقة من كل علاقة تربطها بالدول الأخرى فتكون سببا في تحقيق الاستقرار المنشود الذي من دونه تتخلف المنطقة وتزداد تعقيدا ، وهذا هو الدور الحضاري الذي ينبغي تبيينه خصوصا لأولئك الذين تعجبهم العبارات الرنانة من قبيل "عمان تغرد خارج السرب" ، فالصداقة بين عمان وأي دولة من دول العالم لا بد أن يتجاوز نفعها السلطنة ويفيض خيرها على كامل المنطقة .
أمر آخر ينبغي وضعه في الحسبان أيضا ، فالوضع الذي اختارته السلطنة لنفسها يوفر لدول مجلس التعاون ولدول المنطقة الوسيط المحايد الذي يمكنها الاستفادة منه عند حدوث أي مشكلة أو عند تعقد الأمور ، وهو ما تقوم به سلطنة عمان حاليا في الخفاء ، سواء فيما يتعلق بالحرب الدائرة في اليمن أو في تطورات الأحداث في المنطقة .

· كاتب بحريني