الأمــن الإلكتروني.. أداة تجفيف منابع الإرهاب

الحدث الثلاثاء ٠٩/أغسطس/٢٠١٦ ٢٢:٥٥ م
الأمــن الإلكتروني.. أداة تجفيف منابع الإرهاب

عواصم –

قضية الأمن الإلكتروني تحظى باهتمام كبير من كافة دول العالم وباتت أولوية بالنسبة إليها، وتحول الأمن الإلكتروني والمعلوماتي إلى الشغل الشاغل لأجهزة الأمن في العديد من دول العالم التي اضطرت مؤخراً لتأسيس وكالة خاصة لهذا الملف، وكان آخر هذه الدول أستراليا التي قالت حكومتها أمس الثلاثاء إنها أسست وحدة مخابرات إلكترونية لكشف تمويل الإرهاب وعمليات غسيل الأموال والاحتيال المالي على الإنترنت بسبب التهديدات «غير المسبوقة» للأمن القومي.

ويوسع هذا من أحد أهداف رئيس الوزراء المحافظ مالكولم ترنبـــول الذي أعيد انتخابه بفارق ضئيل في الشهر الفائت بعد تعهده بتحسين الأمن الإلكتروني واستناد الاقتصاد إلى التكنولوجيا المتطورة.

وتتبع الوحدة الجديدة المركز الأسترالي للتقارير والتحليلات وهو مركز يتعقب مسار الأموال والتمويلات. وقال وزير العدل مايكل كينان إنها ستحقق في مجالات السداد عبر الإنترنت والجرائم الإلكترونية المالية لمكافحة غسيل الأموال والشبكات الإجرامية.
وقال كينان في بيان «نعلم أن استخدام هويات زائفة ما زال وسيلة رئيسية تفتح المجال أمام الجرائم الخطيرة والمنظمة والإرهاب». وأشار البيان إلى أن الوحدة الجديدة ستتعاون مع خدمات تابعة لحكومتي أستراليا ونيوزيلندا معنية ببطاقات الهوية وذلك لرصد عمليات التوظيف الوهمية التي تستخدمها العصابات الإجرامية لتجنيد أبرياء بغرض تحويل الأموال بين المناطق المختلفة. وقال كينان إن الوحدة الجديدة ستتعاون أيضا مع الشبكة الأسترالية للإبلاغ عن الجرائم الإلكترونية بهدف صد الأنماط والاتجاهات التي قد تدل على جرائم احتيال مالي واسعة النطاق أو أساليبها.
وذكرت رويترز في وقت سابق أن قرار البنوك الأسترالية الكبرى وقف تقديم خدمة الحوالات المالية إلى الخارج دفع كثيرين للجوء لتحويل الأموال عبر قنوات سرية وهو ما يجعل من الأصعب على السلطات رصده. وفي فبراير حاول قراصنة إلكترونيون مجهولون سرقة نحو بليون دولار من حساب مصرف بنجلاديش المركزي في مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) في نيويورك ونجحوا في تحويل 81 مليون دولار إلى أربعة حسابات في مؤسسة ريزال للخدمات المصرفية التجارية في مانيلا.

مواجهة الإرهاب

وتحول الأمن الإلكتروني والمعلوماتي إلى الشغل الشاغل لأجهزة الأمن الأمريكية التي اضطرت في فبراير من العام الفائت لتأسيس وكالة خاصة لهذا الملف، بخاصة في أعقاب الاختراق الكبير والتاريخي الذي تعرضت له واحدة من الشركات الأمريكية الكبرى وكبّدها خسائر فادحة، وهو الاختراق الذي سارعت واشنطن إلى اتهام كوريا الشمالية بارتكابه.

وكانت شركة «سوني بيكتشرز» قد تعرّضت لاختراق انتهى بتسريب واحد من أهم أعمالها الفنية حيث تم عرضه على الإنترنت قبل موعده، وتكبّدت الشركة تبعاً لذلك خسائر بمئات الملايين من الدولارات.
وأعلنت مسؤولة كبيرة في البيت الأبيض عن تأسيس وحدة استخبارات جديدة لتنسيق تحليل التهديدات الإلكترونية على غرار جهود الحكومة الأمريكية المماثلة لمكافحة الإرهاب.
وأوضحت ليزا موناكو، مستشارة الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب لدى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أن الوكالة الجديدة ستجمع وتنشر بيانات الثغرات الإلكترونية، التي قالت إنها تتضخم في الحجم والتطور، بسرعة إلى الوكالات الأمريكية.
وقالت موناكو عبر تصريحات في مركز ويلسون للأبحاث بواشنطن: «حاليا، لا توجد جهة حكومية واحدة هي المسؤولة عن إنتاج تقييمات منسقة للتهديد الإلكترونية وتبادل المعلومات بسرعة». وأضافت موناكو أن الوكالة الجديدة، التي ستحمل اسم «مركز تكامل تحليل التهديد الإلكتروني» تهدف إلى سد هذه الفجوات.
وكان أوباما قد نقل الأمن الإلكتروني إلى أعلى أجندته لعام 2015 بعد هجمات القرصنة الأخيرة ضد «سوني»، و«هوم ديبوت»، و«أنثيم»، و«تارجت»، وكذلك الحكومة الاتحادية نفسها.
ووصف مسؤولون أمريكيون الهجوم على سوني بأنه يثير القلق بخاصة أن القراصنة سرقوا بيانات وأضعفوا أجهزة الحاسوب وضغطوا على شركة الإنتاج الفني لوقف إصدار فيلم ساخر عن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون. كما أن مكتب التحقيقات الاتحادي «FBI» اتخذ خطوة غير معتادة متهما علنا كوريا الشمالية بالوقوف وراء الهجمات الإلكترونية.

واستضاف أوباما «القمة الإلكترونية» مع قادة الصناعة والحكومة في جامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا، كما أن تنفيذيي الصناعة أشادوا بزيادة أوباما التركيز على مجال الأمن الإلكتروني، لكن البعض شكك بأن تكون الوكالة الجديدة هي الحل، وبما إذا كان ينبغي أن تكون جزءاً من المجتمع السري للمخابرات الأمريكية. وتتوزع المسؤولية عن الأمن الإلكتروني في الولايات المتحدة على الحكومة، بما في ذلك وكالة الأمن القومي، ووزارة الأمن الداخلي، ومكتب التحقيقات الاتحادي، والقيادة الإلكترونية التابعة للجيش الأمريكي.

هاجس

كشفت قمة أمن المعلومات الإلكترونية التي عقدت في دولة الإمارات العربية المتحدة في أواخر العام الفائت عن عجز واضح لحكومات العالم عن حفظ البيانات الحساسة السرية، في وقت تشتد فيه المنافسة لقرصنة المعلومات التي قد تستخدم في الحروب غير التقليدية وربما في الإرهاب. وشدد أميت يوران رئيس مؤتمر أمن المعلومات (آر آس آي) الذي عقد في العاصمة الإماراتية أبوظبي على ضرورة إيجاد حلول واستراتيجيات مبتكرة وفعّالة لمواجهة قراصنة المعلومات في الإنترنت.

وقال يوران إن “على دول العالم دراسة وفهم طبيعة التهديدات الإلكترونية قبل وضع أسس لمكافحتها”، مشيرا إلى أن التهديدات تمس جميع الدول دون استثناء.
من جانبها، أشارت المديرة العامة للمؤتمر، ليندا جاري، إلى أنه مع استمرارية تطور قطاع أمن المعلومات، يتحتم على الهيئات الحكومية والشركات مواكبة التهديدات الإلكترونية الناشئة والاتجاهات الجديدة التي تنتج عن ذلك. جاء ذلك في اختتام فعاليات القمة، وذلك لوضع تصورات عملية للحد من الاختراقات الإلكترونية التي تسببت في مشاكل لعدة دول. المؤتمر انعقد في إطار السعي لتبادل المعرفة والخبرات بين دول المنطقة العربية والتأكيد على “المسؤولية المشتركة” من خلال تسليط الضوء على الدور الشخصي الذي يلعبه الأفراد في تعزيز ودفع جهود التحول نحو بيئة رقمية آمنة. لكن يبدو أن المشكلة ستستمر في ظل تصاعد الهجمات الإلكترونية التي تسببت في إحراج للحكومة الأمريكية على سبيل المثال بعد أن تمكن قراصنة صينيون من الحصول على بيانات أكثر من 22 مليون موظف أمريكي قبل أشهر.
وطرح المئات من الخبراء في الأمن الإلكتروني وحماية البيانات على الصعيدين المحلي والإقليمي المشاركين في القمة على مدار يومين، أهم التطورات المتعلقة بالأمن الإلكتروني وتقديم حلول عملية متكاملة تسهم في حماية الشبكات والبنى الأساسية وقواعد البيانات الرقمية التي تشكل عنصرا مهما بالنسبة إلى مؤسسات القطاعين العام والخاص على حد سواء.
وخلال مناقشته موضوع الحروب الأمنية في الشرق الأوسط ودور الشركات والحكومات لمواجهتها، قال الخـــــبير الدولي في أمن المعلومات ريتشارد كلارك إن الحكومات في حاجة إلى استراتيجيات متطورة لمواجهة القرصنة الإلكترونية.
لكن شقاً من الخبراء الذين حضروا المناقشات لفتوا إلى أن شركات الحماية الإلكترونية ليست فعّالة على النحو المطلوب. فالقراصنة المدعومون من بعض الدول لديهم طرق لفك أكثر الشفرات تعقيدا. ويعتبر الحدث منصة مثالية لخبراء أمن المعلومات لمتابعة آخر المستجدات في هذا القطاع بخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تشهد الكثير من التطورات التكنولوجية بشكل يفوق حجم البنية الأساسية الأمنية ويشكل فيها مجرمو الإنترنت خطراً على الأمن الاجتماعي والاقتصادي والوطني.
وتشمل المسارات التي سلّط عليها الخبراء الضوء في هذه القمة البنية الأساسية الحساسة والجرائم والتهديدات الإلكترونية والسياسات والاستراتيجيات وأمن المدن الذكية والعمليات الأمنية وغيرها من القضايا المتعلقة بالموضوع التي بقى حلها شائكاً لسنوات طويلة. وكانت المؤتمرات السابقة من هذا النوع تعقد، على مدار عشرين عاماً، في ولاية سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة.