جنيف – دمشق – ش – وكالات
تنعكس العمليات القتالية في حلب بين مختلف الأطراف سلباً على الوضع الصحي في المدينة الذي يشهدُ تراجعا وانتشارا للأمراض بسبب تدمير البنية التحتية للمراكز والمؤسسات الطبية، والمرافق الصحية، علاوة على هروب العاملين في هذا المجال من المدينة.
وشهدت الأسابيع الفائتة، وبسبب الصراع والقتال المتصاعد، تدميراً أو إضراراً بشبكات المياه، والمستشفيات، والمخازن، ومراكز الإسعاف والمباني العامة ومنازل المدنيين على جميع جوانب خطوط المواجهة. وتعرض المرضى والعاملون في المجال الطبي للقتل أو الإصابة. ويعمل الأطباء والطواقم الطبية دون هوادة لمواجهة تدفقات المصابين، بينما توقف العمل في العديد من المستشفيات التي لحقها الضرر. ولا يستطيع الكثير من المصابين أو أصحاب الأمراض المزمنة الوصول إلى المراكز الصحية، بينما تعاني مناطق مدنية بأكملها من إنقطاع وصول السلع والخدمات الأساسية لبقائهم.
وارتفع عدد المصابين بالصدمات في حالات الطوارئ ارتفاعاً هائلاً في المستشفيات خلال الأيام القليلة الفائتة. ويعاني المدنيون الأمرّين على جميع الجوانب للعثور على المأوى والغذاء والرعاية الطبية. وتعمل اللجنة الدولية مع الهلال الأحمر العربي السوري دون كلل أو ملل لتقديم خدمات الإغاثة وإعادة تشغيل الخدمات الحيوية أو الحفاظ عليها، لكن يتعذر عليهما الوصول إلى العديد من المناطق بسبب العنف.
رئيسة بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) في سوريا ماريان غاسر: "لا ينبغي لطفل، فضلاً عن بالغ، أن يضطر إلى مواجهة هذا الوضع. يحاول سكان حلب أن يبقوا على قيد الحياة في تلك الظروف العصيبة. وعلى كل أطراف النزاع وعلى كل من لهم تأثير عليهم أن يتوقفوا عن تجاهل قوانين الحرب. يجب توفير الحماية للمدنيين والبنى التحتية المدنية."
وبحسب تقرير نشره موقع "نيتشر ميدل إيست" العلمي لـ "صوفي كَزِنز"، فإن 95% من العاملين في الشؤون الصحية في القسم الشرقي من مدينة حلب السورية الخاضع لسيطرة المعارضة إما هربوا أو قُتلوا، وفقًا لمنظمة "أطباء بلا حدود"، حيث قُسّمت حلب بين شرقية وغربية، ما بين القوات الحكومية، والمجموعات المسلحة، منذ اندلاع القتال عام 2012.
وينقل موقع "نيتشر ميدل إيست" في تقريره عن الرئيس السابق للجمعية السورية الأمريكية الطبية زاهر سحلول (SAMS): إن الوضع "يفوق الوصف". وفي الوقت الحالي، يتخذ سحلول من الولايات المتحدة مقرًّا له، لكنه كثيرًا ما يزور سوريا ومنطقة الحدود السورية التركية.
وهو يقول إنه لم يكن هناك سوى نحو 60 طبيبًا في حلب التي يسيطر عليها المعارضون؛ لخدمة 250,000 شخص. ويضيف قائلًا: "هناك عدد أكبر من الأطباء وطواقم العمل في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، ولكن عددهم آخذ بالتناقص؛ نظرًا للتهجير القسري وتدهور الأحوال الأمنية والاقتصادية".
يقول سحلول: إن الاستهداف العشوائي للمرافق الطبية يعني إرغام المستشفيات المدمّرة على إعادة التأسيس تحت الأرض. وتدّعي تقارير أخرى أن المرضى يُعالَجون من قِبل الأطباء البيطريين المحليين في بيوتهم.
يعتمد أحد المستشفيات -وفق قوله- على الدعم الطبي عن بُعد من قِبل المتخصصين في العناية الحرجة بالحالات والإجراءات الحرجة ممن يقيمون في الولايات المتحدة. كما يعتمد المدنيون أيضًا على طلاب كلية الطب السابقين والممرضين المدرَّبين حديثًا لتوفير الرعاية.
وتدعم الجمعية السورية الأمريكية الطبية مدرسة تمريض تحت الأرض، تدرّب خريجي المدارس الثانوية وطلاب الجامعات السابقين من أجل توفير الرعاية الطبية. وفي كل عام، يتخرج عدد يتراوح بين 50 و70 ممرضًا/ ممرضة في واحدة من مدرستي التمريض العاملتين تحت أرض حلب، وفقًا لقول سحلول.
وفي ظل ما تشهده المرافق الصحية في حلب من تدمير، فإن مناطق سيطرة المعارضة السورية شهدت في الآونة الأخيرة انتشارًا كبيرًا لظاهرة الصيدليات غير المرخصة أو كما يسميها السكان المحليون بـ"الصيدليات العشوائية"، ما شكّل تهديدًا جديًا على صحة المواطنين. ولا تملك مئات الصيدليات في تلك المناطق أي ترخيص ويشرف عليها أشخاص لا يحملون شهادات الصيدلة، وليس لديهم سوى معرفة بسيطة بالأدوية وخبرة قليلة في التعامل فيها لا تتجاوز أشهر، ونتيجة ذلك، كثير من الحالات تصل للمشافي بشكل متواصل نتيجة تناولهم الدواء الخاطئ.
وأسهم في انتشار الظاهرة، الحاجة المتزايدة للدواء، وغياب الرقابة، وعدم قدرة الجهات المسؤولة عن القطاع الصحي في المعارضة مثل مديريات الصحة، على ضبط الأمر، لعدم امتلاكها القدرة الكافية على فرض القرارات التي أصدرتها في هذا الصدد. وأصدرت مديرية الصحة بإدلب (شمال) التابعة للحكومة السورية المؤقتة، قرارًا نهاية العام الفائت، يقضي بإغلاق الصيدليات المخالفة في المحافظة، وإعطاء مهلة للصيدليات القديمة، لتأكيد ترخيصها، والجديدة للتقدم للمديرية للحصول على رخصة، إلا أن القرار بقي حبرًا على ورق و لم يحد من تفشي الظاهرة.