من يحمي شبكة الانترنت؟

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٧/أغسطس/٢٠١٦ ٠٠:٢٧ ص

ديفيد ايجناتيوس

مع تصعيد وكالات الاستخبارات الروسية استخدامها لشبكة الإنترنت التي أنشأتها الولايات المتحدة وتحويلها إياها لتصبح أداة من أدوات التخريب السياسي، ربما نتذكر القول الشيوعي الشهير "الرأسماليون يبيعون لنا الحبل الذي سنعلقهم فيه على المشانق".
وعلى هذه الخلفية المؤرقة يأخذ موضوع إدارة الإنترنت – وهو نقاش مثار منذ وقت طويل بين خبراء التقنية – أهمية سياسية بالغة. فمن الذي يتولى حماية سلامة البنية الأساسية من أسماء النطاقات والعناوين التي تعمل على شبكة الإنترنت؟ وما الذي يحمي العالم من محاولات مستقبلية من قبل روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة لتخريب شبكة إنترنت حرة ومفتوحة؟
بطل هذه القصة مجموعة رقابة شبه خاصة معروفة باسم ايكان "ICANN" المسؤولة عن توزيع وإدارة عناوين الإنترنت، تأسست في عام 1998 لتتولي ادارة نظام غير رسمي كان يتولاه في السابق خبير الانترنت جون بوستل أستاذ علوم الحاسوب في جامعة جنوب كاليفورنيا. حيث قام بوستل وأصدقاؤه بوضع هيكل للاستخدام العام لشبكة الاتصالات التي تم إنشاؤها في أواخر الستينيات من قبل وزارة الدفاع الأمريكية. فأنشأ المهندسون نظام أسماء النطاقات الذي يضم النهايات المعروفة لعنواين الانترنت: “.mil,” “.gov,” “.edu,” “.org,” “.net” and “.com.”
ولمساعدة المستخدم في العثور على طريقه الكترونيا الى الحاسوب الصحيح قاموا ببناء نظام تسمية بحد أدنى من الإدارة المركزية وتحكم ذاتي كبير من قبل المستخدم. وكانت عبقرية النظام الأولي تكمن في كونه غير خاضع لقبضة حاكمة في الأساس. فالانترنت لا يوجد به سيطرة مركزية بينما الابتكار عند الأطراف كما يوضح ستيف كروكر الرئيس الحالي لإيكان. وبدلا من القواعد والحدود البيروقراطية، توجد بروتوكولات هندسية.
وقد توفي بوستيل في عام 1998، قبل وقت قليل من إطلاق إدارة كلينتون خطتها للتعاقد مع ايكان لتولي العمليات التي كانت تدار من بطاقات فهرسة بوستيل في جامعة جنوب كاليفورنيا. ووقعت الشركة الجديدة عقدا مع وزارة التجارة للحفاظ على النظام، وبهذا المعنى أصبح للولايات المتحدة رقابة يقول المسؤولون في ايكان عنها أنها نادرا ما تمارسها. كما تشرف ايكان أيضا على نظام بوستيل للواحق الوطنية مثل ".uk" أو ".ru"التي ساعدت البلدان الأخرى للانضمام إلى الشبكة. وسرعان ما انتشر هذا الإنترنت الموحد الى كل ركن من أركان الحياة والتجارة العالمية.
إلا أن هذه المنظومة التكنولوجية أثارت شكاوى من البلدان التي استاءت من وجود ايكان في الولايات المتحدة، واقترح المنتقدون تولي إدارتها من قبل الاتحاد الدولي للاتصالات، وهي وكالة أممية بيروقراطية كان يرأسها في ذلك الوقت مهندس مالي تلقى تعليمه في روسيا وخلفه العام الفائت نائب الامين العام الصيني.

إلا أن دعاة شبكة الإنترنت الحرة والمفتوحة قادوا حملة بقيادة فادي شحادة، وهو أميركي من أصل مصري كان آنذاك رئيسا لايكان لابقاء الانترنت بعيدا عن أيدي الحكومات والبيروقراطيين والرقابة المحتملة. وأدرك كل من شحادة وإدارة أوباما أنه بعد ما تم الكشف عنه من قبل إدوارد سنودن في عام 2013، فإن كلفة استمرار سيطرة ايكان ستكون قطع علاقاتها مع حكومة الولايات المتحدة. وقدم شحادة العرض إلى البرازيل والصين والهند – وهي ثلاث دول كانت حريصة على السيطرة على الاتحاد، ونجح بصورة مثيرة للدهشة.
ومن المقرر أن ينتهي عقد ايكان مع وزارة التجارة الأمريكية في 30 سبتمبر. ويحاول عدد من الجمهوريين بقيادة السناتور تيد كروز منع عملية الانتقال بحجة أنها ستعطي السيطرة على الانترنت لروسيا والصين وجهات أخرى من المحتمل أن تسئ الاستخدام. إلا أن كروكر وشحادة يقولان بأن استمرار هذا الكيان التقني المستقل هو الطريقة الوحيدة للحفاظ على نظام انترنت مفتوح ونزيه.
ويوضح كروكر الحماية التي توفرها ايكان للنظام أنه إذا حاولت أي دولة أو قراصنة إدخال معلومات سيئة الى النظام الهيكلي سيتم اكتشاف ذلك على الفور، ما يعني أن تخريب أسماء النطاقات سيكون من المستحيل لأن توزيع المعلومات يتم على نطاق واسع. وستقوم لجنة من المهندسين من الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا بالاشراف على نظام "الجذر" الذي وضعه بوستل. كما سيتولى فريق مهندسين عالمي حراسة أمن النظام.
وتكمن عبقرية الإنترنت في عدم امتلاك أحد لها. وربما جاءت عملية القرصنة الروسية الأخيرة للمعلومات الخاصة باللجنة الوطنية الديمقراطية الأمريكية لتبين ضعف المعلومات التي تقبع أعلى تلك المنصة. إلا أن النظام الأساسي يبدو أكثر أمنا، وربما تكون الحماية التي يوفرها اتحاد الخبراء العالمي في ايكان أفضل مما يمكن أن تقوم به أي حكومة أو وكالة.

كاتب مقال رأي بصحيفة واشنطن بوست