د. فيصل القاسم
ليس هناك شك بأن السوريين، مؤيدين ومعارضين، باتوا مجرد توابع لمشاريع خارجية ليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل. والمضحك في الأمر أن الطرفين يعتقدان أن من يدعمهما من الخارج سيحقق لهما الانتصار على الطرف الآخر، وسيسلمهما مقاليد الحكم في البلاد كي يستخدماها ضد شركائهما في الوطن سحقاً وقتلاً وتهميشاً وإقصاءاً وتهجيراً وحتى اجتثاثاً. وينطبق الكلام نفسه على بعض قوى المعارضة المغفلة التي تعتقد أن الذين يساعدونها من الخارج يريدون أن يبنوا لها نظام العدل والرخاء في سوريا. ومن يستمع إلى مؤيدي النظام السوري وهم يستقوون بذراع بوتين ضد بقية السوريين يلاحظ ذلك بجلاء لا تخطئه عين. ويقول الكاتب السوري صلاح قير طة ساخراً من السوريين الذين يستقوون بروسيا: "في أحد أفلام ( اسماعيل ياسين ) وفي فحص المقابلة،سأله الضابط هل تتحدث لغات غير العربية، فأجابه بخفة دم، "إن ابن خالتي يتحدث الفرنسية".يذكرني هذا بالسوريين وهم يتحدثون عن بطولات الروسي وما يفعله بالسوري، لابل هم يتمنون ضربا ً أعنف من المقاتلات الروسية لكل من حلب وإدلب...ويبقى سؤالي هل هم مقتنعون أن الروسي يقاتل من أجلهم كسوريين، أم إن مصلحته هي من يحركه ولو اقتضى الأمر ضربهم هم في لحظة من لحظات المعارك التي تحتاج الى تسويات في وقت من الاوقات ...
ليعلم الجميع ان الحرب لادين لها ولا اخلاق كما السياسة".بعبارة أخرى، ما أسخف أولئك الذين يعتقدون أن الروس قادمون لنجدة النظام السوري ومؤيديه وتمكينهم من رقبة سوريا والسوريين.
لا يمكن طبعاً أن نلوم جمهور المؤيدين المغفلين الذين يصفقون لإيران وحزب اهن ، لأن النظام نفسه وأبواقه الإعلامية الرخيصة تقوم بتصوير الغزاة من روس وغيرهم على أنهم سيخلصون سوريا من كارثتها وسيعيدون أمجادها القديمة. ما أحقر هذه النوع من الأنظمة التافهة التي تذكرنا بحكومة فيشي في فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية، فمن المعروف أن الغزاة الألمان بقيادة هتلر وقتها استطاعوا أن يستميلوا عدداً من العملاء الصغار، وقاموا بتعينهم على رأس حكومة فرنسية تابعة من رأسها حتى أخمص قدميها للغزاة الألمان الذين اجتاحوا فرنسا واستباحوها. وموقف حكومة فيشي في فرنسا يذكرنا بموقف النظام السوري الآن بطريقة ملفتة، فكما أن رئيس حكومة فيشي العميلة للألمان برر التحالف مع الغزاة الألمان وإلحاق فرنسا بالرايخ الألماني بحجة حماية المصالح الوطنية الفرنسية، نرى النظام السوري الآن يكرر مواقف حكومة فيشي وتصريحاتها بنفس الطريقة وأسوأ، فكما أن حكومة فيشي كانت تعلم علم اليقين أن هتلر لم يغز فرنسا من أجل مصلحة الفرنسيين، بل من أجل توسيع رقعة الاحتلال الألماني لأوروبا، فإن نظام الأسد يعلم جيداً أن الروس الذين يجتاحون سوريا لم يأتوا من أجل إنقاذ رقبته ولا رقبة نظامه، بل من أجل الاستيلاء على سوريا وثرواتها. وأبسط أبجديات السياسة التي يعرفها النظام قبل غيره أن الدول ليست جمعيات خيرية، ومن يساعدة باليسار يأخذ منك أضعافاً مضاعفة باليمين. فلا يمكن لمغفل أن يصدق أن بوتين يضحي بأرواح الجنود الروس، ويستخدم ترسانته العسكرية الحديثة من أجل عيون السوريون
هناك أربعة أسباب تجعل لعاب روسيا يسيل من أجل الاستيلاء على سوريا، أولها الإطلالة العظيمة على المياه الدافئة في العالم التي لطالما حلم بها القياصرة الروس منذ مئات السنين. وحدث ولا حرج عن موقع سوريا الاستراتيجي الرهيب الذي يعتبر نقطة ارتكاز دولية. والأهم من ذلك المخزون الهائل من النفط والغاز في الأراضي والمياه السورية. ولا ننسى أن النظام السوري رهن ثروات سوريا الغازية والبترولية للروس لربع قرن من الزمان مقابل توفير الحماية الروسية لنظامه. لقد كانت الثورة السورية فرصة عظيمة لروسيا كي تنقض على سوريا بحجة محاربة الإرهاب، بينما الهدف الأساسي هدف استعماري استغلالي مفضوح. وقد نزلت ورطة النظام على روسيا برداً وسلاماً، فهو مستعد أن يبيع سوريا وثرواتها كي يبقى في السلطة، وروسيا مستعدة ان تحميه لتحقيق أحلامها التاريخية في المنطقة ونهب ثرواتها حتى ولو على حطام سوريا وأشلاء شعبها.
لهذا أيها السوريون المراهنون على الروس للنهوض بسوريا وإعادة إعمارها فإنكم تراهنون على وهم، فهم قادمون ليس لنجدتكم ولا لإعادة إعمار بلدكم، بل فقط لنهب سوريا مقابل حماية نظام لا يهمه أصلاً من سوريا سوى كرسي الحكم، ولتذهب سوريا وشعبها في ستين ألف داهية. انظروا ماذا فعل على مدى خمس سنوات بسوريا والسوريين كي يحافظ على نظامه. ولا تنسوا أيها السوريون أن روسيا معروفة تاريخياً انها تقبض ولا تدفع. والأهم من كل ذلك، ان العالم لا يستثمر في روسيا نفسها، فما بالك أن يستثمر لإعادة إعمار سوريا وهي تحت الاحتلال الروسي.
أخيراً نقول للمراهنين على الدعم الروسي لإعادة إعمار سوريا: يا طالب الدبس من ذنب النمس.
إعلامي في قناة الجزيرة