أمريكا تتفرج على الفوضى العالمية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٧/أغسطس/٢٠١٦ ٠٠:٢٧ ص
أمريكا تتفرج على الفوضى العالمية

فريد هيات

النتائج الوخيمة من تجربة الرئيس أوباما في تقليص الدور القيادي للولايات المتحدة واضحة في الخارج، إلا أن هناك نتيجة مدمرة في الداخل لم تحظ بالكثير من الاهتمام وأعني بها تراكم الأخطاء بدلا من التصحيح الذاتي. ومع انسحاب الولايات المتحدة من المسرح العالمي، وبعبارة أخرى، أن العالم قد أصبح أكثر فوضوية وقبحا، يتأكد للعديد من الأمريكيين أن أي تدخل خارجي غير مجد بل انه ضرب من الحماقة.
ومثل هذه الملاحظات تذكي ذلك النوع من الانعزالية الذي رأيناه هذا العام من دونالد ترامب وبيرني ساندرز، كما أنه يساعد في تفسير تقلص الحديث عن السياسة الخارجية في مقابل ذلك التباهي في المؤتمرات الحزبية بالحاق الهزيمة بتنظيم داعش. وربما يجعل ذلك مهمة هيلاري كلينتون أصعب بكثير في حالة انتخابها، كما أنه سيتطلب كسب الدعم العام ومن الكونجرس للمحافظة على الدور القيادي التقليدي للولايات المتحدة.
وفي مؤتمرات الديمقراطيين الأخيرة تعالت الأصوات لتتباهى بقوة أكبر في الخارج وأمن أكثر في الداخل بفضل قيادة أوباما الرشيدة. وللتدليل على ذلك استشهد أوباما بإعادة القوات الامريكية الى الوطن وقتل أسامة بن لادن والاتفاق النووي مع إيران والانفتاح على كوبا وتوقيع المعاهدة العالمية بشأن تغير المناخ.
وهي إنجازات حقيقية، حتى وإن كان بعضها محتملا أكثر منه واقعا، بيد أنه سيكون من الصعب على أي مراقب منصف أن يقول العالم اليوم في حال أفضل مما كان عليه قبل ثماني سنوات. فالعراق الذي كان موحدا وآمنا الى حد كبير في عام 2009 تشتعل فيه الاضطرابات مرة أخرى، والأزمة سوريا تتطور الى الأسوأ، وتنظيم داعش استطاع أن يحقق ما لم يحققه تنظيم القاعدة وأصبح يسيطر على أراضي يتخذها قاعدة لشن هجمات لزعزعة الاستقرار في فرنسا وبلجيكا وغيرها، بل إن داعش تبني قواعد لها في أفغانستان وشمال أفريقيا وغيرها.
ودفعت حالة الفوضى في الشرق الأوسط ملايين اللاجئين الى أوروبا ليصبحوا تهديدا حقيقيا لأكبر إنجاز حققته القارة خلال النصف القرن الفائت متمثلا في الاتحاد السياسي. وفي انتهاك مذهل لمعايير ما بعد الحرب العالمية الثانية قامت دولة أوروبية بغزو واحتلال جزء من دولة أخرى، ولا يتوقع أحد عودة القرم أو شرق أوكرانيا في أي وقت قريب.
وفي الوقت نفسه تسجل الديمقراطية حالة تراجع، فصور القمع داخل روسيا والصين في تزايد، وكلا البلدان ينشران نموذجهما من الاستبداد والتعصب، كما أن ثمة ميل من حلفاء ديمقراطيين سابقين مثل تركيا وتايلاند إلى معسكر الديكتاتوريات. ولم يثمر التدخل الأمريكي في الحد من دعم إيران للإرهاب أو إسكات كوبا للمعارضة. وهناك برنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية آخذ في التقدم.
ربما لا يكون أوباما نفسه انعزاليا، وبالطبع فإنه لا يتحمل خطأ ذلك بمفرده، فقد ساهمت سياسة الانكماش التي اتبعها في ذلك من خلال إنهاء الوجود الأمريكي في العراق وأخذ موقف جانبي بينما تتفكك سوريا بعد أن فشل في فرض الخط الأحمر الذي قال به، والتخلي عن ليبيا بعد الإطاحة بالدكتاتور، ناهيك عن تقويض الدعم الأمريكي للديمقراطية وحقوق الإنسان في أجزاء كثيرة من العالم.
وبدلا من عرض القضية على الشعب الأميركي أن القيادة الأمريكية تعمل من أجل مصالحهم الراسخة منذ فترة طويلة، راح يطمأنهم أن التحول الى بناء الأمة من الداخل كان الهدف الآمن. ومع انحدار سوريا الى كارثة انسانية لم يشهدها العالم منذ كارثة رواندا، يبرر أوباما التقاعس عن العمل من خلال الإصرار، مع رفع نبرة الصوت، على عدم قدرة أمريكا على التأثير على الأحداث في الخارج الى الأفضل.
ومن المفارقات أنه ومع الانتقاص من قدرة الولايات المتحدة فإن أوباما فيما يقترب من نهاية رئاسته يغير دفة مساره، إلى حد ما، على خطى جيمي كارتر في نهاية ولايته بعد أن قام الاتحاد السوفيتي بغزو أفغانستان. فأوباما أعاد ارسال الآلاف من القوات الأمريكية إلى العراق وتخلى عن خطته لسحب جميع القوات من أفغانستان، إلا أنه يصر على أن القوات في العراق ليست للمشاركة في القتال، كما أنه لا يقدم استراتيجية تشرح للشعب الأميركي هذا التحول.
إلا أن تأمل ذلك التفاخر الأحمق من ترامب وتخليه عن الحلفاء واعجابه بالحكام المستبدين، يجعل التركيز على أوباما غير ذي أهمية. وأباما مثل كلينتون، ومثل مايك بنس ، يظل داخل اطار التوافق في السياسة الخارجية والذي كان دائما يستوعب النقاش حول المستوى المناسب من نشاط الولايات المتحدة في الخارج والتوازن السليم بين المثالية والواقعية. أما ترامب فهو خارج حدود ذلك التوافق.
وحتى إذا هزم ترامب، ما يزال من غير الواضح تماما ما إذا كانت كلينتون قادرة على استعادة قيادة الولايات المتحدة، لأن العالم سيكون في وضع أسوأ مما كان عليه الى جانب تقلص التوافق في الآراء حول القيادة. وقد يكشف التاريخ أن تقليص الانتشار الأمريكي في عهد أوباما كان تراجعا آخر في دورة الحرب الباردة التقليدية ما بين تأكيد الذات والتراجع - أو بداية انغلاق أطول على الذات من الممكن أن ينتهي بجعل العالم مكانا أكثر خطورة.

محرر صفحة الآراء بصحيفة واشنطن بوست