انهيار أسعار النفط ينذر بكارثة اقتصادية دولية: السـلـطـنـة بـادرت.. وحـان الـوقـت لـيـتـجـاوب الـعـالـم

مؤشر السبت ٢٣/يناير/٢٠١٦ ٠٢:٣٨ ص
انهيار أسعار النفط ينذر بكارثة اقتصادية دولية:

السـلـطـنـة بـادرت.. وحـان الـوقـت لـيـتـجـاوب الـعـالـم

مسقط -
لم تكن المبادرة التي أطلقها معالي د.محمد الرمحي وزير النفط والغاز عن عبث، عندما قال إن السلطنة مستعدة لخفض إنتاجها النفطي بين خمسة وعشرة في المئة، بل أرادها رسالة إلى الدول المنتجة للنفط كافة، داعياً فيها إلى أن تقوم بالأمر نفسه من أجل تحقيق الاستقرار في الأسواق.

لطالما كانت السلطنة المبادرة إلى حل الأزمات على اختلافها، فعندما يجن العالم، تمثل هي صوت التعقل، وعندما يبحث عن الأزمات، تتولى البحث عن الحلول.

قيل سابقاً إن الاقتصاد يحرّك العالم، لكن الحق يقال إنه يستطيع تجميده كذلك، وليس خفياً على أحد أننا نقف على عتبة أزمة اقتصادية لم نشهد مثيلاً لها منذ سنوات. لم ندخل في الأزمة بعد، لكن أبوابها مشرعة وغياب الحلول الجذرية يدفعنا إليها يوماً بعد يوم.

مشكلة انخفاض الأسعار

فمشكلة انخفاض أسعار النفط لم تعد متعلقة فقط بالدول المنتجة له بل باتت مشكلة تهدد الاقتصاد العالمي، مع تزايد العجز في الدول التي كانت شريكة في استقرار النظام الاقتصادي في العالم، وإن ما يحدث الآن يهدد بانهيار كامل لم تعرفه البشرية منذ الكساد الكبير في العام 1929، التي بدأت رسمياً بما يعرف بالثلثاء الأسود وانهيار البورصة الأمريكية، غير أن بدايتها فعلياً كانت بسبب تباطؤ النمو في اقتصادات الدول المؤثرة حينها، وتكدّس البضائع بسبب العجز عن تصريفها مع ضعف القوة الشرائية للشعوب. وفي تقارير للمنظمة الدولية للطاقة نجد أن إنتاج النفط زاد في العام الفائت رغم انخفاض الطلب، ما يعني أن بعض الدول بدأت تيأس من إمكانية وضع حد للإنتاج فزادت إنتاجها لتزيد حصتها من السوق فتعوض عن خسائرها، بل أن دولاً مثل المكسيك التي تملك مخزوناً كبيراً من النفط الذي يحوي كميات كبيرة من الكبريت، وهو يعاني من ضعف قوته التنافسية، بدأت تسلّم النفط بأسعار تقل عن 20 دولاراً خوفاً من يؤدي هبوط الأسعار إلى عجز في تصدير، حتى إن إحدى الشركات المكسيكية سلمت بعض المشترين الآسيويين برميل خام المايا بنحو 12 دولارا للبرميل فقط.

نمو الاقتصاد مخيبا للآمال

وهذا يعكس ما صرحت به مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد في مقال نشرته صحيفة هاندسبلات الألمانية في نهاية ديسمبر الفائت عن أن نمو الاقتصاد العالمي سيكون مخيبا للآمال في العام 2016، إذ استندت لاغارد على موضوع رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية وتباطؤ الاقتصادي للصين، بالإضافة إلى التباطؤ الكبير في نمو التجارة العالمية والمخاطر التي تهدد أسواق الدول الناشئة وما نشهده الآن من انهيار كبير للأسواق المالية حول العالم، يمكن أن يؤدي إلى النتائج ذاتها ما لم تتدخل الدول فوراً وتعالج مسألة فائض إنتاج النفط الذي يعتبر من أهم أسباب انهيار أسعار النفط عالمياً. والذي بدأ يرخي بثقله على دول ذات حجم اقتصادي وازن كالولايات المتحدة التي شهدت انطلاقة مالية لا تحسد عليها، والبرازيل التي تمر بانكماش اقتصادي ينذر بكارثة.

تسونامي النفط

وعندما قال معالي د.محمد الرمحي إن على الدول كافة أن تخفض إنتاجها، واصفاً ما يحدث بالتسونامي، فإنه يحذر من الاسوأ ويدعو دول للعالم إلى أن تضع خلافاتها جانباً وأن تنظر إلى المشكلة الاساسية المقبلة بتعقل، لا سيما أن الكارثة إن وقعت فلن توفر أحداً، بل إن شعوب بكاملها باتت مهددة.

ومما لا يمكن نسيانه أن الكساد الكبير الذي حصل قبل 87 عاماً، أدى إلى نتائج لم تكن متوقعة، أهمها أنه مهد إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، بعد أن دفعت الأوضاع الاقتصادية السيئة بعض الدول إلى انتهاج القوة بحثاً عن أسواق جديدة تشغّل مصانعها وتصرف إنتاجها وتساهم في وضع حد للبطالة، فيما اتخذت دولاً أخرى الحرب حجة لتتخلص من الديون التي أثقلت اقتصادها. وقيل حينها، عندما يفشل الاقتصاديون في إدارة حياة الناس، فإن الجنرالات مستعدون لذلك. لا يعني هذا بالضرورة أن تؤدي الأزمة الاقتصادية الى نتائج الكساد الكبير ذاتها، لكن بالتأكيد من شأنها أن تولد أزمات ومشكلات لا تحصى، فحينها ستكون الشعوب مضطرة لأن تسلم قرارها لمن يحسّن الأوضاع الاقتصادية، ولو كان ذلك على حساب تطلعاتها ومبادئها.

صفارة إنذار

إن كلمات معالي د.محمد الرمحي، هي بمثابة صافرة إنذار إلى كل العالم، فإذا لم يوضع حد لهذا الانهيار في أسعار النفط، والذي من المرشح أن يستمر عاماً كاملاً على الأقل بحسب الوكالة الدولية للطاقة، فإن العجز سيزيد وستضطر الحكومات إلى انتهاج سياسات تقشف صارمة وتوقف كافة أشكال الدعم مما سيؤدي إلى مزيد من الفقر وضعف التعليم والصحة والغذاء وهي القطاعات الأساسية التي تستفيد من الدعم عادة، وإذا كان البعض يعتبر أن الدول النفطية هي الدول الثرية فحسب، فعليه أن يعيد حساباته لأن دولاً في أفريقيا وآسيا تعتمد على إنتاجها من النفط لتؤمن لشعوبها المقومات الدنيا للحياة، فضلاً عن رواتب الموظفين الحكوميين والقطاعات الأمنية، ما يعني المزيد من الفقر، والمزيد من الهجرة، والمزيد من الأزمات.

معالي الوزير أعلن أن السلطنة مستعدة لفعل أي شيء لتحقيق الاستقرار في الاسواق، مطلقاً مبادرة لوقف النزيف الاقتصادي العالمي، بانتظار أن يتحلى الجميع بحس المسؤولية نفسه ويتدخلون لوقف كارثة مقبلة قد تبدأ في البورصة الصينية أو الأوروبية، لكنها قد لا تنتهي قبل أن تسجل عصراً جديداً من الكوارث والفقر. السلطنة بادرت، وحان الوقت ليتجاوب العالم.