رائدات أعمال سوريات في زمن الحرب

الحدث السبت ٠٦/أغسطس/٢٠١٦ ٠٢:٥٨ ص
رائدات أعمال سوريات في زمن الحرب

لوحات فسيفسائية، صابون الغار، تطريز وخياطة، أشهى الأطباق السورية... هذه بعض من النشاطات التي جعلت الكثير من النساء السوريات يتحوّلن من ربات منزل إلى معيلات العائلة أو أجبرت العديد منهنّ من استغلال هواياتهنّ لتأمين لقمة العيش في زمن الحرب والأزمات.
وبالفعل، قد مرّت خمس سنوات على الحرب في سوريا وتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والإنسانية في أزمة تعتبرها منظمة الأمم المتحدة أكثر الأزمات الإنسانية تعقيداً في العالم اليوم. وبحسب أرقام المنظمة، وصل عدد اللاجئين السوريين إلى ما يقارب خمسة ملايين شخص أجبروا على مغادرة البلاد في حين أن نحو 6،5 مليون منهم اضطروا على النزوح داخلياً بين المناطق السورية.
لا يختلف أحد على أن أزمة اللاجئين السوريين هي الأسوأ والأكبر على الإطلاق في العالم اليوم. وفي حين تحاول دول العالم بذل جهود للتخفيف من معاناة السوريين وايجاد حلّ للأزمة، سعت بعض السيدات السوريات إلى إيجاد الحلول الفورية من أجل تخفيف وطأة الحياة اليومية وتوفير أبسط حاجيات العديد من العائلات السورية، أكانت داخل أرض الوطن أو خارجه.
كثيرة هي الجمعيات التي تقدم العون للسوريين ومتعددة هي المبادرات التي تأسست من أجل تغيير الوضع القائم، إلا أننا قررنا تسليط الضوء على اثنين منها، "غار" و"زيت زيتون" من توقيع سيدات سوريات أردن استغلال مواهب أخريات لقضية وجيهة ونجحن في السنوات الماضية في مهمتهن.

"غار" تنقل عبق سوريا إلى العالم
طالما عملت جيهان تلاوي، هذه السورية المتزوجة وأم لأربعة أطفال في العمل الخيري. وتخبرنا أنها تطوعت عام 2008 في جمعية أمل الغد للشلل الدماغي لمساعدة الأطفال. واظبت جيهان مساعدة الناس عبر الجمعيات والأفراد إلا أنها ظلت تتساءل "كيف نساعدهم بطريقة أفضل من المساعدات؟ فاقترحت على سيدات عدّة بأن نفتح مشروع صغير بمردود ولو بسيط".

وتحوّلت جيهان إلى رائدة أعمال حيث عملت هي والسيدات بداية على السجاد اليدوي إلا أن "كل سجادة تستغرق من الوقت 50 يوماً وكان بيعها صعباً. وتزامن الأمر مع الأزمة السورية حينما أصبحت الأمور أصعب بالنسبة للمساعدات. ففكرت أن أقوم بشيء بسيط له مردود جيد لكي يكفي هذه العائلات".
فأطلقت من سوريا مجموعة صغيرة "غار" لتصنيع صابون برائحة جميلة من الغار وزيت الزيتون مع غلاف من الكروشيه. وتخبرنا "جلبت أولاً صابون الغار من أسواق الشام القديمة واخترعنا له غلاف من الكروشيه. وكما تعرفون أن الغار معروف بالعالم بجودته ورائحته الذكية. وذهبت إلى بيروت لكي أروج المصنوعات اليدوية، فكانت المفاجأة كبيرة بإقبال الناس الممتاز".
إقبال كبير إلا أن المهمة ليست بسهلة. فتشرح لنا جيهان "صابون الغار من حلب. وعندما اشتدت الحرب هناك، زادت الأمور سوءاً. كنّا ننتظر بفارغ الصبر الشحنة لاسيما أنني كنت أستلم الصابون على طريق حرستا السريع حيث القناصين والرصاص. حتى أن أحد السائقين تقنص على هذه الطريق وهو يجلب لنا الصابون".
إضافة إلى صعوبة الحصول على صابون الغار، تواجه النساء انقطاع التيار الكهربائي مما يحملهن إلى الانتقال من حارة إلى أخرى لإنهاء الطلبية، على حد قول جيهان.
شركتها الصغيرة تضم خمسين امرأة تحوّلن إلى رائدات أعمال من مختلف المناطق السورية، حلب وحمص وحماه ودير عطية وجوبر ودوما ودريا ودمشق. لكل منهن مهمة حيث أن بعضهن يعملن بالصابون والبعض الآخر بالكروشيه في حين أن أخريات يقمن بالتطريز أو الخياطة أو حتى إعداد المونة المنزلية (أي دبس الرمان والملوخية والبامية ودبس البندورة...).
تتقاسم النساء الأرباح من أجل مساعدة عائلاتهن؛ أرباح ازدادت بعد أن حصلت جيهان على مساعدة الصحفية هالة دروبي في تطوير العمل ونشر الأخبار عن هذه "الشركة الصغيرة" الى جانب مؤسسة كرم التي تبيع هذه المنتجات على موقعها في الولايات المتحدة.
لا تتوقف جيهان عن مساعدة السيدات اللواتي ما زلن داخل سوريا أو خارجها لا بل تخبرنا "بدأت مشروع صغير في تركيا للتطريز اليدوي والكروشيه مع 5 سيدات إلا أن الأمور ما زالت بطيئة ونتمنى تطويرها".

"زيت وزيتون" وطعم الذكريات
تمارا الرفاعي ليست أيضاً غريبة عن مجال المساعدات الإنسانية وحقوق الانسان إذ أنها عملت لأكثر من 15 عاماً في منظمات دولية في بلاد مختلفة كالسودان ونيبال وسوريا ومصر ونيويورك قبل أن تستقر في القاهرة عام 2013.
إلا أن زيارتها إلى مركز اجتماعي تقصده نساء سوريات في إحدى ضواحي القاهرة كانت مصدر إلهام لها لإنشاء "زيت زيتون". وتخبرنا تمارا "خلال زيارتي، تحدثت مع عدد من النساء عن سوريا وعائلاتنا والصعوبات التي تواجهها النساء في حياتهن الجديدة. وكما في كل حالة لجوء، جزء كبير من المشكلة هو مادي وعدم توفر الدخل الكافي للعائلة بالإضافة إلى الشعور بعدم الاستقرار عموماً بسبب كل التغييرات في حياة من اضطر أن يرحل من بلده بسبب الحرب".
وتتابع "طبعاً من الصعب أن تلتقي نساء سوريات بدون التطرق إلى موضوع المطبخ والوصفات. لحظتها، قررت مساعدة السيدات ببدء مشروع للطبخ لاسيما أن المطبخ السوري مرغوب جداً في مصر. وكانت الفكرة أن يقدم "زيت زيتون" نوعية عالية الجودة وعالية المواصفات الصحية من حيث التعقيم والنظافة والتغليف الصحي والمنتجات الطازجة".
وتشرح لنا تمارا أن المبادرة تعتمد على مبدأ "الريادة الاجتماعية" ولها هدفان: دعم النساء مادياً وتمكينهنّ نفسياً. وتتابع "المطبخ مؤلف من 7 سيدات سوريات من مناطق مختلفة تعتمد على وصفات تم اختيارها بدقة. عملت أنا أولاً على جمع التبرعات الخاصة من الأصدقاء من أجل تجهيز مكان في بيت حتى يشبه أي مطبخ تجاري من حيث الأدوات الكهربائية والمساحة. تطوعت والدتي وصديقتها لتدريب السيدات على وصفات محددة لضمان ثباتنا على نفس الطعم ونفس الجودة. يعني أي سيدة تطبخ على طريقتها. لذلك، كنا نعيد الطبخة لمدة عدة أيام حتى نرى أن الطعم نفسه كل يوم. نطبخ ونأكل نفس الطعام جميعاً، وهذا أعطانا شعور بالألفة والتآلف".
أما الوصفات فهي سورية بامتياز، من الكبة المقلية وكبة لبنية إلى شيش البرك والفريكة والفتة والأوزي التي تخبرنا تمارا أنها ملكة الطبخات بالنسبة لكثيرين (رز بالبازيلاء مطبوخ على مرقة اللحم ومغلف بعجينة بعد أن ينطبخ ثم يدخل في الفرن). وتشير إلى أن الأسعار مدروسة جداً حتى تكون تنافسية بدون المساومة على الجودة والطعم. ويغطي هامش الربح المصاريف والتوصيل ومرتبات السيدات الـ 7 فقط. وتضيف "أنا ووالدتي وصديقتها نعمل متطوعات بدون أجر والربح كله للسيدات- وهنا عامل التمكين: أن تشعر السيدة أنها تدخل مصروف البيت، أنها مستقلة مادياً وأصبح بإمكانها أن تصرف على العائلة".
أكثر ما يميز مطبخ "زيت زيتون" هو الجو العائلي الجميل. فتنقل لنا تمارا هذه الأجواء قائلة "نعرف عدد أولاد بعضنا، نضحك ونبكي معاً، نساند بعضنا عاطفياً". أجواء عائلية وإنما تحديات كبيرة تحدثت عنها تمارا "أول تحدي كان العمل على حرفية المطبخ. نحن نطبخ كأننا في بيت إحدانا لكن يجب أن يكون المنتج بجودة معينة وأن يكون كل مرة بنفس الطريقة. بصراحة، وضع 8-9 سيدات في مطبخ هو بحد ذاته تحدي! لكل سيدة طريقتها وكل سيدة ملكة في بيتها. لكن هذا ليس بيتها".
نجحت "زيت زيتون" في التصدي لكل التحديات وتعمل على المدى القريب والمتوسط على مراجعة لائحة الطعام باستمرار وإدخال أنواع جديدة وسيدات إضافيات بسبب زيادة الطلبات. وتقول تمارا "الاعتماد الأكبر في سوق كبير مثل القاهرة هو السمعة والعلاقات مع الزبون. حين تتصل زبونة وتطلب "أحسن فطاير سبانخ في البلد"، فهذا بالنسبة لنا أكبر تقدير".
مبادرات كثيرة حتى لو أنها لا تنجح إلا في تغيير بعض من حياة اللاجئين السوريين والتخفيف ولو قليلاً من معاناتهم. إلا أن الأكيد، كما قالت تمارا، جميعها مشاريع تجارية ضاربة مثالاً بـ "زيت زيتون" " التي ليست مجرد مشروع للاجئات ولاستدراج عطف الناس ليشتروا الطعام بهدف دعمهن؛ المشروع يعتمد على الجودة والسمعة".
مبادرات تسعى إلى جانب المساهمة في توفير لقمة العيش وتمكين السيدات في الحفاظ على الهوية والعادات السورية على الرغم من كل الصعاب. فتشاركنا تمارا مخاوفها قائلة "أخاف أن يطول الشتات ونبدأ بتغيير أشياء كانت أساسية في البيت السوري. لكن صدقاً عندما تمر بجانب خيمة للاجئين سوريين غالباً ما نسمع "تفضلي نضيفك قهوة"؛ هذا ما حدث لي في مخيم الزعيتري، حيث سحبت سيدة كرسي صغير ووضعته أمام منزلها وحلفت أنني لن أمشي قبل أن تغلي لي القهوة".