السلام باليمن .. يصنعه الداخل ام الخارج ؟!

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٣/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٣٣ م
السلام باليمن .. يصنعه الداخل ام الخارج ؟!

علي ناجي الرعوي

يزداد مشهد الازمة اليمنية غموضا وارتباكا وأكثر من ذلك انجرارا نحو المجهول حيث لازالت خيارات التفاوض والحوارات المرهقة في قصر بيان بالكويت عاجزة عن حلحلة تركيبة الازمة الراهنة واستشراف ابعادها سواء ما يتعلق منها بالبعد الداخلي في ظل الواقع الجديد الذي افرزته الحرب او في ما يتصل بالبعد الخارجي الذي تتشابك فيه مصالح وأجندات اللاعبين الاقليميين والدوليين الذين تستند مواقفهم حيال هذا الملف او غيره من الملفات الملتهبة في المنطقة من منظور تلك المصالح التي تتفق احيانا وتتقاطع احيانا اخرى لكن اللعبة في نهاية المطاف تبقى بيد الممسكين بالخيوط العريضة لهذه اللعبة التي تمارس بكل فصولها في اكثر من ساحة عربية.
وفي حين يبقى من الصعب تحديد الوجهة التي سيمضي نحوها الصراع في اليمن فان الخوف على هذه الدولة التاريخية بحضارتها وثقافتها ان تنزلق الى مهاوي الفوضى والتفتت والتشظي او ان تصبح في احسن الحالات ساحة لتجاذب صراع اقليمي او دولي جديد بين القوى التي تتنافس على النفوذ في باب المندب وخليج عدن او الهيمنة على الجزر اليمنية التي تحتل موقعا استراتيجيا في اتجاه المحيط الهادي اذ ان كلا الامرين ستكون له انعكاساته الامنية والجغرافية والاقتصادية ليس على اليمن فحسب وإنما على منطقة الخليج وممرات التجارة الدولية في هذا الجزء الحساس من العالم فسقوط اليمن كدولة وكيان من شأنه ان يوفر البيئة المثالية للتنظيمات الارهابية للسيطرة على اجزاء واسعة من جغرافيته وتحويلها الى قاعدة لكل الجماعات المتشددة والمتطرفة وبما قد يؤدي الى استنساخ التجربة الافغانية بتشكيلاتها المقاتلة على ارض جزيرة العرب.
الواضح حد الان ان نجاح ادارة الازمة اليمنية وعدم السماح لها بالخروج عن نطاق التحكم سيبقى متوقفا على توفر مجموعة من العناصر ، فعلاوة على ضرورة وجود ارضية متينة لتدابير الحلول التي تطرحها الامم المتحدة والدول الـ 18 الراعية لمسارات التسوية في هذا البلد ينبغي ايضا الادراك بوعي ان الحلول السياسية لابد وان تأتي وفقا لمصفوفة متوازنة تتجاوب مع متطلبات وتحديات الداخل اليمني وألا تكون موجهاتها مكرسة في الاساس لما يخدم العامل الخارجي كقوة قاهرة تخضع الجميع لمنطقها وأدواتها الاكراهية.
وباعتقادي ان ما يعيق السلام في اليمن هي تلك القراءة السطحية التي تسود لدى بعض المتابعين والمتدخلين في المشهد السياسي اليمني الذين يعتمدون في تحركاتهم على قراءة احادية كشفت تماما في مشاورات الكويت ففي حين اوشك اليمنيون في هذه المشاورات بعد سبعين يوما من النقاشات على التوافق والوصول الى نقطة التقاء حول الحل المنشود لأزمتهم كان هناك في المقابل من الاطراف الاقليمية والدولية تعمل في الكواليس لإعداد خطة للحل بعيدا عن مشاورات الافرقاء المحليين الامر الذي اعاد كل ما جرى التفاهم حوله الى المربع الاول بمجرد الاعلان عن تلك التسوية التي تمخضت عن تفاهمات امريكية بريطانية وسعودية اماراتية.
اتفق تماما مع ما قاله عميد الدبلوماسية العمانية والعربية معالي يوسف بن علوي بان الازمة اليمنية ليست في مستوى تعقيدات الصراع في سورية او حتى في ليبيا وليس هناك من قد يختلف مع معاليه بان الحل باليمن لا تعترضه عوائق كبيرة او اشكاليات صعبة وعصية مع ذلك فان ما نلاحظه عند كل جولة من جولات التفاوض ان الوصول الى ذلك الحل لم يعد بيد الاطراف الداخلية وإنما أصبح بيد القوى الاقليمية والدولية التي ترتهن قراراتها لقواعد الاشتباك والتنافس على مناطق النفوذ داخل هذه المنطقة وخارجها وهو ما اسهم بشكل صارخ في تحويل اليمن او ما تبقى منه الى جسد يعمل نصفه ضد نصفه الاخر.
فقد انتقلت الازمة اليمنية في تطور لافت ومفاجئ من تناحر عسكري وخلاف سياسي الى تنازع اخطر يرتبط بشرعية الحكم في البلاد ككل فالسلطة التي تحظى بالاعتراف الدولي هي من لازالت تتمسك بهذه الشرعية وترفض التنازل عنها فيما السلطة الاخرى التي تسيطر على اجزاء واسعة من الارض لا تعترف بتلك الشرعية وتضفي الشرعية على نفسها وتسحبها من الاخر الذي فشل ان يحسم النزاع عسكريا بالكامل ما دفع المجتمع الدولي الى الضغط على الطرفين للجلوس على طاولة التفاوض لكنه الذي لم يؤكد لهما ان المفاوضات تعني فشل الحل العسكري وأنها التي تستدعي من كلا الطرفين تقديم التنازلات للوصول الى حل وسط ليس فيه اقصاء لأحد ولان المجتمع الدولي لم يشأ ان يقدم مثل هذه النصيحة فقد استمر الخلاف حول شكل الحل بين الاطراف اليمنية المتصارعة هو سيد الموقف في مشاورات الجولة الثانية بالكويت والتي مدد لها اسبوعا ينتهي في 7 اغسطس الجاري.
قلت في بعض مقالاتي التي ناقشت تطورات الاحداث المتسارعة في اليمن ان كلفة العمليات العسكرية التي يقوم بها التحالف العربي في اليمن منذ مارس 2015م هي من قد تفوق اثمانها اضعاف ما كان يحتاجه اليمن لإخراجه من حالة الضعف المحيق وتحصينه من أي اختراق او اعتوار يسهل من خلاله ابتلاعه او التلاعب به من أي طرف كان يحاول ان يجعل منه خنجرا في خاصرة الدول الخليجية ونبهت وقتها الى ان التدخل العسكري لن يؤدي الى نتيجة فعالة بالقدر الذي سيسهم في توسيع الهوة المصطنعة بين اليمن وجواره الخليجي ومع مرور الايام فقد وجدت ان هناك من يرى ان أي مبادرة او جهد سياسي واقتصادي لاحتواء اليمن أي كانت لن تكون فعالة ما لم تسبقها عملية جراحية لتعديل موازين القوى على الارض وقد تكون لهذه المعادلة حساباتها لكن ما هو معلوم انها من ابقت الخيارات مفتوحة وجعلت من الحل معلقا بل ودفعت الى ظهور تحالف علني بين المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحركة انصار الله الحوثية ومثل هذا التحالف لاشك وانه من سيتجه الى فرض منهجه وربما ينجح في حكم اليمن على اعتبار ان اليمنيين يريدون من يخرجهم من ازمتهم بعد ان تدهور الوضع الى درجة لا تحتمل.
ووسط كل هذه التفاعلات سيبقى التوجه الاقليمي والدولي يسير في اتجاه والداخل اليمني يسير في اتجاه اخر طالما ظل دور المجتمع الدولي من موضوع السلام في اليمن غامضا او متقلبا او عاجزا او مشغولا بأماكن اخرى تسبق في اولوياتها مشروع السلام في هذا البلد الذي اصبح معلقا بين مراكز قوى في الداخل والخارج.

كاتب يمني