تعد نهاية العام مناسبة جيدة للنظر المخاطر التي تنتظرنا. وهناك بالطبع مخاطر اقتصادية مهمة، بما في ذلك إساءة تسعير الأصول التي سببها عقد سادت فيه أسعار فائدة شديدة الانخفاض، فضلا عن التغييرات في الطلب الناجمة عن البنية المتغيرة للاقتصاد الصيني والضعف المستمر للاقتصاديافي ت الأوروبية. بيد أن المخاطر الرئيسية الأبعد مدى هي المخاطر الجيوسياسية، النابعة من أربعة مصادر: روسيا والصين والشرق الأوسط والفضاء الإلكتروني.
وبرغم أن الاتحاد السوفيتي لم يعد له وجود، تظل روسيا قوة نووية مرعبة، مع قدرتها على استعراض القوة في أي مكان في العالم. ولكن روسيا ضعيفة اقتصاديا أيضا بسبب اعتمادها على عائدات النفط في وقت تنخفض فيه الأسعار بشكل مأساوي. ولقد حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الروس بالفعل من أنهم يواجهون خطر التقشف، لأن الحكومة لم تعد قادرة على تحمل تقديم الدعم الذي كانت تقدمه في السنوات الأخيرة. أما الصين فلا تزال بلدا فقيرا، حيث يصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقرب من ربع مستوى نظيره في الولايات المتحدة (على أساس تعادل القوة الشرائية). ولكن، لأن تعداد سكانها أكبر أربع مرات، يتساوى الناتج المحلي الإجمالي للصين مع نظيره الأمريكي (وفقا لتعادل القوة الشرائية). والناتج المحلي الإجمالي هو الذي يحدد قدرة البلد على الإنفاق العسكري، وعلى توفير سوق كبير استراتيجيا لصادرات البلدان الأخرى، وعلى تقديم المساعدات لأجزاء أخرى من العالم. وتقوم الصين بكل هذا على نطاق يتناسب مع الناتج المحلي الإجمالي لها. وبنظرة للمستقبل، بوسعنا القول، حتى مع معدلات نمو أكثر اعتدالا في المستقبل، إن الناتج المحلي الإجمالي للصين سوف ينمو بسرعة أكبر من نظيره في الولايات المتحدة وأوروبا. وتعمل الصين الآن على توسيع نطاقها الاستراتيجي. وهي تؤكد على مطالبها في بحري الصين الشرقي والجنوبي، الأمر الذي يتعارض مع مطالب دول أخرى في المنطقة (بما في ذلك اليابان والفلبين وفيتنام). وتعتمد الصين بشكل خاص على ما يسمى «الخط ذي النقاط التسع» (الذي رسمته في الأصل تايوان العام 1947) لتبرير مطالبها في معظم بحر الصين الجنوبي، حيث أقامت جزرا صناعية وأكدت سيادتها على المياه المحيطة بهذه الجزر. وتصف الولايات المتحدة سياسة الصين هذه بالسعي لإبعاد البحرية الأمريكية عن البر الصيني وبالتالي عن سواحل الدول الحليفة لأمريكا في المنطقة وقد يكون المصدر الأخير للخطر، أي الفضاء الالكتروني، هو الأشد خطرا بين كل المخاطر الأخرى، إذا أنه لا الجيوش ولا الحدود بوسعها تقليص نطاق تأثيره. ويتضمن التهديد الذي يمثله: هجمات منع الخدمة عن البنوك والمؤسسات الأخرى، والوصول غير القانوني للسجلات الشخصية من البنوك وشركات التأمين والوكالات الحكومية فضلا عن التجسس الصناعي. وبالفعل، أفضت السرقة واسعة النطاق للتكنولوجيا من الشركات الأمريكية إلى التوقيع مؤخرا على اتفاقية بين الصين والولايات المتحدة تقضي بامتناع الحكومتين عن تقديم أي مساعدة في عمليات سرقة التكنولوجيا لصالح شركات أي من الدولتين. وتلك جميعها قضايا مهمة، ولكنها لا تتسم بنفس خطورة التهديد الذي تمثله البرمجيات الخبيثة على البنى التحتية الدقيقة ـ كشبكات الكهرباء وأنظمة الحركة الجوية وخطوط أنابيب النفط وإمدادات المياه والمنصات المالية وغير ذلك. وقد نُسِبَت حالات أخيرة لاستخدام البرمجيات الخبيثة إلى الصين وإيران وروسيا وكوريا الشمالية.
أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد
والرئيس الفخري للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية