نعمة عُمان «المخفية»

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٢/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٤٨ م

لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com

كنا في طريقنا للعشاء عندما عرجنا على شاطئ القرم مع ضيوفنا العرب، فأشرت لبعض المنازل وسميت أصحابها دونما غاية إلا تزجية الوقت وكسر الصمت: هذا منزل وزير «....» – قلت - وذاك منزل وزير «.....» وهذا منزل المستشار «.....» عندما قاطعني أحد الضيوف مستنكرا «أهذه منازل وزراء ومتنفذين حقا!!»

خمنت أن نبرة الاستنكار تلك مردها عدم الاقتناع بمساحة البنيان ومعماره، فهممت أن أعلق وقبل أن أفعل أردف هو منفعلا: «أين طاقم الحراسة؟ أين الحواجز!!»
فأجبته مشككة «أظن أني لمحت حارساً على باب أحدهم».
وليوضح دهشته تلك طفق يشرح: «حارس!! في بلادنا لا تصل لبيت الوزير ولا حتى للضاحية التي يقطنها.. إنهم يعيشون في قلاع خاصة بهم، والتي - ورغم نأيها عن الناس - تبقى محاطة دوما بطاقم حراسة. ولا يحتك المسؤول بالعامة لا في غدوه ولا ترحاله فهو محاط بالحراسة الشخصية التي تختلف عن حراسة المنزل».
فعلقت عفوياً «هؤلاء قادة عصابات ربما لا مسؤولون عابرون» – قلت بتهكم – «فأكثر من يحتاج «البودي قارد» كما يسمون هم تجار المخدرات أو وكلاء الرهونات وغيرهم من أرباب الأعمال المشبوهة، أما المسؤول الطبيعي – وإن علا منصبه - ففي حلّ من الخوف إن لم يتعسف أو يرتكب أفعالا جسيمة، ثم شرحت له – إمعاناً في إبهاره - كيف أن كبار المسؤولين في عُمان أناس متواضعون خارج مكاتبهم الفارهة، يشاركون الناس في الأفراح والأتراح وينسجون شبكة علاقات اجتماعية ممتدة، وقد تراهم في الأماكن العامة مع عائلاتهم. ورغم أن انتقادات تلوح أداء بعضهم فإن العنجهية ليست من ضمنها.
تكرر هذا الموقف عندما اصطحبت جماعة من الزائرين من دولة خليجية شقيقة لتخوم قصر العلم العامر ورأيت كيف انبهروا، لا بجمالها فحسب، بل بحقيقة أنها مفتوحة للعامة.
هذه الأريحية، وهذه العلاقة الودية بين الحاكم والمحكوم، أوجدت تناغماً وانسجاماً سحرياً بين طبقات المجتمع العـــماني. ليـــس من الغريب أن تجلـــس في قطار دولة أوروبيــة فتجـــد نفســك قرب وزير أو رئيس وزراء، أو أن ترى عضواً في مجلس اللوردات يتبضع لنفسه بنفسه، فلا حاجة لهؤلاء القوم بالتخفي، فهم لا يخشون شعوباً انتخبتهم لينفذوا إرادتها ويطبقوا مبادئ توافقوا عليها. إنما يحتاج لأولئك من جثموا على صدور شــعوبهم ويستشعرون منهــم البغضــاء وإن أحــاطــوهم بقصـــائد المــدح ومعلقــات الثناء.
قيل للخليفة عمر «عدلت فأمنت فنمت» لما وجدوه نائماً تحت شجرة. وعلى تلك القاعدة نقيس العلاقة بين الشعوب وحاكـــمــيها ونثمن العـــدل في هــذه البقعة أو تلك.
أدام الله عليكم تلك النعمة الخفية التي لا يقدر قيمتها إلا من حُــرم منها أو لم يعرفها أصلا.