"طلعت سالفة الضرابة إشاعة"

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٢/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٠٥ م
"طلعت سالفة الضرابة إشاعة"

فريد أحمد حسن

الأساسات التي يقوم عليها المجتمع العماني باتت واضحة للعالم أجمع ، لذا صار الجميع متفقا على أن السلطنة هي أرض المحبة والتسامح والسلام وهي الأرض التي يجد فيها المرء نفسه على مسافة واحدة من الجميع ومن كل شيء . أهل هذه الأرض يرون أن "الحوار هو السبيل الوحيد الناجح لمعالجة كل الخلافات ؛ العربية وغير العربية ، وما عدا ذلك طريق مجهول العواقب" كما قال الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي أخيرا في مقابلة تلفزيونية مع إحدى الفضائيات العالمية وأكد فيها أيضا أنه " لا يوجد في العقيدة الإسلامية ولا في القانون الدولي ما يجعلك تدخل في صراعات إذا لم تُرِدْ أنت ذلك" . وهكذا فإن النموذج العماني كما يؤكده المسئولون ويؤكده كذلك "التويتريون" العمانيون يتضمن عبارات من نوع أنه لا يوجد في ديننا ما يدعو إلى العنف وإنما يتوفر فيه الكثير مما يدعو إلى السلام ، وأن من يريد التعايش مع الآخرين يستطيع فهناك دائما مساحة مشتركة يمكن الاستفادة منها واستغلالها بل وحتى العمل على توسعتها ، وأن من يريد العنف لن تعوزه الأسباب .
لهذا فإن أحدا لم يصدق الإشاعة التي انتشرت قبل أيام عن "اعتداء عماني على خليجي في صلالة" فالكل كان على ثقة بأنها إشاعة وأن الخبر ضعيف ولا يمكن أن يكون صحيحا ، فلا يوجد عماني يمكن أن يعتدي ، ولا يوجد عماني يمكن أن يتجاوز إرثه الحضاري والديني والأساسات الأخلاقية التي ينبني عليها مجتمعه ويدخل حتى في مجرد مناقشة حادة مع أحد ضيوف السلطنة ، فضيف السلطنة – أيا كان - ضيف شخصي لكل عماني (كل من سألتهم من العمانيين عن الموضوع نفوه جملة وتفصيلا وأكدوا أنه كان إشاعة ، وبلهجتهم قال لي أحدهم "طلعت سالفة لضرابة إشاعة" بينما أجزموا جميعا أنهم حتى لو شاهدوا فيلما لهذا الذي قيل لما صدقوه فهذا ليس ديدن أهل عمان) ، وهذا هو قولي أيضا وقول كل من يعرف العمانيين عن قرب أو ابتسم له الحظ ذات مرة وزار السلطنة ولو لساعات .
من يختار السلطنة كوجهة سياحية يتوقع أن العمانيين سيحملونه على كفوف الراحة ، وهكذا يجد على أرض الواقع ، ومن يختارها يتوقع أنه سيقضي أياما جميلة ممتعة يصنفها لاحقا في قائمة الذكريات الجميلة ، وهكذا يجد على أرض الواقع ، ومن يختارها يعتقد أن أحدا لا يمكن أن يضايقه ولو بكلمة ، وهكذا يجد على أرض الواقع ، ففي سلطنة عمان لا يجد الزائر من يتجاوز عليه بفعل أو قول ، ولا يجد إلا ما يرضيه ويسره وما يدهشه .
ليست هذه فقرة إعلانية للترويج للسياحة في السلطنة ولكنها كلمة حق للتأكيد على أن السياحة في هذه البلاد أمرها مختلف وأن السائح يجد فيها كل ما يشعره بالأمان وبأنه ضيف عزيز وأنه مهم ، وفيها يجد دائما ما يعزز كل الجوانب الإيجابية في شخصيته فيشعر أن عليه أن يحب الآخرين كما يحبونه ويقرر أنه جزء من كل وأنه لا يمكن أبدا أن يكون وحده الكل ، ويشعر أن التسامح والسلام ونبذ العنف يجب أن تكون من صفاته الشخصية وأن عليه واجب أن يدعو إليها ويبرزها أمام الآخرين كمثال .
لهذا فإن أحدا لم يصدق تلك الإشاعة التي لم يعرف مصدرها وسارع الشباب الخليجي إلى المشاركة في وسم خاص على التويتر للحديث في هذه الإشاعة وتأكيد أنها إشاعة وأن مثل هذا الأمر لا يمكن أن يحدث في عمان ، ولا يمكن أن ينسب إلى مقيم في عمان ، فكيف بالعماني الذي يحرص دائما على أن يكون مثالا ونموذجا وممثلا لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم الذي حرص منذ اليوم الأول لإعادة تأسيس السلطنة على تأكيد التزام الشعب العماني بكل القيم المجتمعية والدينية .
في سلطنة عمان لا يجد السائح أيا كانت جنسيته أو جنسه أو لونه أو شكله وأيا كانت لغته من يضايقه أو يقلل من شأنه ولو بكلمة . هذا ما قاله ويقوله كل من زار هذه البلاد الطيبة ، وهو ما يؤكده عشاق صلالة الذين يحرصون في كل عام على أن يكونوا جزءا من هذا الحدث الجميل . ولولا هذا لما زادت نسبة الذين اختاروا صلالة كوجهة سياحية في الشهر الفائت حيث أظهرت المقارنة بين أعداد من زارها في يوليو هذا العام والعام الفائت زيادة نسبتهم بما قدر بنحو ثلاثين في المائة إن لم يكن أكثر ، والأكيد أن شهر أغسطس سيشهد فارقا موجبا في الإقبال على صلالة ومختلف مناطق ومدن السلطنة .
بناء على كل هذا لا يمكن لأي إشاعة مهما كانت قوية أن تجد من يصدقها خصوصا إن كان موضوعها متعلقا بالثوابت العمانية ، فالقول إن عمانيا اعتدى على خليجي أو أجنبي قول لا يمكن لعاقل أن يصدقه ، فلا يوجد عماني يتخذ العنف سبيلا ، ولا يوجد عماني يمكن أن يرفع صوته على ضيف من ضيوف السلطنة ، ولا يوجد عماني يتجاوز الصفات التي يمتاز بها الشعب العماني ويحرص عليها .
إن أمورا كهذه يمكن أن تحدث بين البشر في أي مكان وخاصة في الدول التي تختار كوجهات سياحية ، لكن حدوثها في سلطنة عمان يعتبره الكثيرون من المستحيلات ، فهذه أمور لا يحكمها القانون بقدر ما يحكمها الأساسات التي تربى عليها الشعب العماني وظل متمسكا بها وحريصا عليها .

· كاتب بحريني