احذروا الإعلانات التجارية !

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٢/أغسطس/٢٠١٦ ٢٢:٢٨ م
احذروا الإعلانات التجارية !

علي بن حمد الفارسي
اعلامي وكاتب

الإعلان عندنا نحن العرب المشارقة أو الإشهار كما يسمى في بلاد المغرب العربي، نصٌّ قصيرٌ مجازيٌّ مكثفٌ مثيرٌ يراد به ترويج السلعة وتسويقها بأي شكل كان وبالقيمة التي يحددها البائع أو الشركة سلفًا.

لهذه الإعلانات التجارية دور تضليليٌّ خطيرٌ، من هنا قام على صناعته خبراء متخصصون يُدفع لهم مبالغ ضخمة بل شركات قائمة بذاتها على صناعة الإعلان، فالعادة أن تخصص كل شركة ما نسبته 2% من قيمة الأرباح السنوية للإعلان وذلك لتعظيم الفائدة وتسويق المنتج تسويقًا تجاريًّا ناجحًا، فإذا كانت أرباح الشركة تصل إلى 100 مليون ريال سنويًّا –على سبيل المثال- فإنّ مليونين يخصّصان للإعلان فقط.

ونحن –يا أصدقائي- لا نريد أن نقف في هذه المقالة من هذه الإعلانات موقفا سلبيًّا معارضًا لها، لا بل العكس، فإذا كان السوق عبارة عن لعبة-بمفهومها الفلسفي عند الفيلسوف الألماني غادامير- فنحن لا بد أن نكون واعين مدركين بشروط اللعبة وقواعدها، ومن هذه الشروط أن الإعلان في حقيقته يرسم صورةً مثاليّةً برّاقةً عن المنتج والغرض منه أولاً البيع السريع.

فالإعلان التجاري ليس نصًّا إرشاديًّا يراد به توجيه المستهلك إلى الاستعمال الصحيح بل هو خطاب موجه (ضد) المستهلك لأجل أموال المستهلك وليس للمستهلك نفسه وأنا أتحمل مسؤولية العبارة السابقة كاملةً، فالإعلان ليس خدمة للمجتمع بل أداة لترويج منتج.

وقد ارتبط الإعلان في نشوئه بالإعلام بأشكاله المختلفة: المقروء والمسموع والمرئي، فقديمًا كان يُعلن التاجر الأمريكي أو الأوروبي –على شكل خبر في جريدة عابرة- عن توفر منتجات حليب أو خبز محلى في المتجر س أو المحل ص، ولكن الإعلان الآن أصبح صناعة تستحوذ على ما يقارب 200 مليار دولار سنويا على مستوى العالم، وقد تطور من مجرد خبر بسيط على جريدة سيّارة إلى عرض مرئي وسمعي بجودة عالية ومؤثرات صوتية وموسيقية وإيحاءات مغرية ... فأصبح الإعلان-كما يقول بعض العلماء- أخطر واقعة اجتماعية وإعلامية وثقافية واستهلاكية في عصرنا هذا.

وإذا كانت الشركة –كما يقول المفكر الإمريكي نعوم تشومسكي- ليست مؤسسة خيريّة فكذلك الخطاب التجاري الذي يصدر عنها(الإعلان) ليس نصًّا إرشاديًّا بل هو نص يراد به (تسييّر) الإنسان نحو السلعة واستهلاك ما لديه من مدخر مالي، فإذا وعينا نحن بهذه الحقيقة فقد وعينا بجزء من قواعد اللعبة التجاريّة، والجزء الثاني من قواعد اللعبة يتمثل من طرف المستهلك في المقارنة والتبصر في أمر السلع وجودتها وأسعارها، فلا يكون كل إعلان محل تصديق تام بل لا بد أن نعنى جيّدًا بمسألة معرفة السلعة وتقديرها التقدير المناسب بعيدًا عن توجيه الإعلانات علينا وأثرها التسييري الفعّال.

والكل يلاحظ في سلطنة عُمان في الفترة من عام 2000 فما فوق شيوع إعلانات تجارية بشكل مكثف يراد بها تسويق المنشطات والأدوية الخاصة أو أجهزة النحافة ومعالجة السمنة، والحقيقة أن كثيرًا منها زائف لا يساوي قيمة المبالغ التي دفعت عليه، وكثير ممن جرّب هذه السلع لا يذكرها بخير بل العكس كان دورها تدميري أحيانا على الإنسان وصحته النفسية والجسدية، وقد كشفت حماية المستهلك –مشكورةً- كثيرا من هذه الأودية الضارة والمنشطات الغير مرخصة، وألقت القبض على من تورط في هذه الممارسات.
وللأسف تذاع مثل هذه الإعلانات الضارة على قنوات وصحف رسمية مما يعطي هذه المنتجات صورة إيجابية أكبر، وسعي هذه الصحف والوسائل الإعلامية إلى الربح هو الذي سمح بانتشارها وكثافتها مقارنةً بغيرها من الإعلانات الأخرى.
وبحكم كونُ المجتمع العماني مجتمعا صغيرًا ناشئًا لم يتعوّد على مثل هذا النوع من النصوص التوجيهية، فقد انساق كثير منا إلى هذه المنتجات والسلع دون روّية وتدبّر وصدّقها كل التصديق، وتورط بهذه السلع (ورطة) حقيقيّة، ولا يقتصر الأمر على الأدوية والمنشطات فبعضنا تورط في سيارة –كانت صورتها في الإعلان – صورة مثالية صورة سيارة جبّارة لا يوجد لها مثيل، ليكتشف بعد حين أنها لا تساوي نصف القيمة التي دفعها لها، ثم يبحث لها عن (بيعة) مناسبة فلا يجد.
وبعضنا قد تورط –بسبب الإعلانات المضللة- في منتج بنكي أو قرض مالي كبير (يكسر الظهر) لا يزال إلى اليوم يدفع له فوائده التي تتضاعف بشكل سنوي دون توقف.

ولكننا نجد بعض الأشخاص لا يكتثر بهذه الإعلانات ولا يعطيها أهميةً وهذا التصرف إذا كان عن عمد فهو دليل وعي في ظني من باب عدم تصديق كل ما يعلن، ربما نكون قد قسونا في الهجوم على ظاهرة الإعلانات التجارية والمؤسسات القائمة عليها، لكن في المقابل لا بد من حماية المواطن وتعزيز الوعي لديه بأن الإعلان يحمل صورة مثالية ليست واقعية تمامًا، وأحيانا لا تكفي التوعيه لحماية الناس من الإعلانات التجارية بل لا بد من تشريعات قانونية تنظم هذا الخطاب وتقلل من أثر هذا (الغزو اليومي) للمستهلك العماني، وقد حدث أن وضعت بعض الدول هذه التشريعات ضد الإعلانات التجارية تسمح بحدود معقول من الترويج والتسويق لكي لا تصل العملية إلى تضليل الناس واستغلال حاجاتهم الكمالية والمعيشية، فتتحول المسألة من (المرابحة) أي ربح الطرفين البائع والمشتري في العملية التجارية إلى (تربُّح) من طرف واحد هو البائع في مقابل الإضرار بالمشتري.