محمود الرحبي: أكثر ما يهمّني في الكتابة هو الأثر الجمالي

مزاج الثلاثاء ٠٢/أغسطس/٢٠١٦ ١٢:٥٩ م
محمود الرحبي: 
أكثر ما يهمّني في الكتابة هو الأثر الجمالي

مسقط - العمانية

قبل أن يتجه محمود الرحبي لكتابة الرواية، أولى عنايته للقصة القصيرة، لكنه لا يتفق مع الذين يرون أن كتابة القصة تدريبٌ على كتابة الرواية، وأن كاتب القصة المجيد هو كاتب رواية مجيد بالضرورة.

فبحسب الرحبي، الذي أصدر ثمانية كتب في الرواية والقصة، قد تكون القصة أكثر قرباً من الرواية لالتقاط اللحظات الهاربة، ولكنها تتميز عنها بالتكثيف، كما إنها تحتاج إلى «مزيد من الحِرفية»؛ أي أن من يستطيع أن يكتب رواية ناجحة ليس قادراً بالضرورة على كتابة قصة ناجحة، وذلك لأن كل مجال «له عدّته وتقنيته الخاصة». فإذا كانت الرواية «مرآة تجوب الشوارع» كما قال عنها الكاتب الفرنسي ستاندال، وذلك بصفتها أكثر مقدرة على عكس المشاهد والنفسيات والتبحر في الوصف، فإن القصة القصيرة وفقاً للرحبي، تشبه «جدولاً فرعياً في نهر الحياة».

وهو يؤكد أن القصة تمكّنك من الوقوف أمام مشهد عابر، وأحياناً غير مرئي، فتوليه إمعاناً واهتماماً يرفعه إلى مستوى القص الأدبي. وهذه الخاصية لا يتيحها أيّ جنس أدبي عدا القصة القصيرة، لذلك يجب أن يكون القاص «قناصاً للمعاني والأفكار، وصانعاً ماهراً للمواقف والمفارقات التي تموج بها الحياة»، فالقاص بذلك يرى الأشياء بـ»عين الإبداع»، وهي عين «غير عادية» تحمل مميزاتها الخاصة بها.
وحول استفادته في نصوصه من عوالم الأسطورة، ومن أسلوب التوالد الحكائي الذي شاع في التراث العربي، وكذلك من خصوصية البيئة والمجتمع العماني، وصهره كل ذلك في بوتقة قصة عصرية متجددة، يقول الرحبي: «لدينا في عُمان تراث حكائي ثري وخصب، وهو أمر يصعب التخلص منه لحظة الكتابة، فكما يقال: الكتابة ابنة محيطها وأرضها.. فمهما حلّق الكاتب بعيداً وسافر بجسده وخياله، فإن هذه العناصر الأولى لحياته تظل تلاحقه ويظل بدوره مديناً لها بدَين لا ينتهي». وهذه كما يرى، «ميزة مهمة للكاتب ورصيد حيوي لا ينفد، يعب منه ويمتح طالما ظل له يراع وذراع يكتب بهما».
توصف لغة الرحبي في السرد بأنها مقتصدة وهادئة وبسيطة، وهو يرى في هذا السياق أن اللغة «رداء جميل، ويجب ألّا يكون مهلهلاً، وإلا فقدَ جماله». ويشير إلى أنه يهتم بوضع العبارة في مجالها الصحيح، حتى إن بناء جملة واحدة يستغرق منه أحياناً زمناً طويلاً. ويضيف: «أنا بطبعي شكّاك تجاه اللغة، ولا أسلــــــمها زمام المعنى بسهولة».
وحول القضايا التي يتناولها في نصوصه يقول: «لا توجد مواضيع صارمة في قصصي، وأكثر ما يهمني هو الأثر الجمالي؛ بمعنى أن القضايا العامة والفكرية لا أعبّر عنها بوضوح مباشر، إنما أقوم بوصف الحالة عبر اللغة التي أسعى لكي تكون أدبية لا لغة توصيلية مباشرة».
ويؤكد أن وقوع الكاتب في المباشرة والتصريحات والشعارات يحوله إلى ناقل للمشاعر ويجعله يهوي بلغته من الرشاقة الأدبية إلى لغة التوصيل السريعة، وهذا ليس بأسلوبٍ أدبي كما يرى. فحين وصف البحتري بركة المتوكل اهتمّ بالتصوير الإبداعي مما جعل قصيدته خالدة ولم يهتم فقط بالعناصر العينية التي يراها، وإلا تحولت القصيدة إلى مادة مديح عاطفي من دون أثر جمالي يبـــــقيها حيــــــة إلى هذا الزمن .
وعن طفولته في «مطرح» -حيث سحر الطبيعة والانفتاح على البحر- وأثرها على كتاباته فيما بعد، يقول الرحبي: «وُلدت في بيت طيني في قرية سرور، ولكن عائلتي انتقلت بعد ذلك إلى مطرح، وربما هذا من حسن حظي؛ أي أن تتراوح طفولتي بين ثبات القرية العُمانية وتحولات العاصمة، لذلك ترى في قصصي تزاوجاً بين هذين الفضاءين، وهو أمر يصبّ في صالح التنويع»، ويقرّ بأن السفر له دور كبــــــــير في هذا التنويع الذي يحـــــــرص علـــــــيه شكلاً ومضموناً.
ويكشف الرحبي أن روايته القصيرة «درب المسحورة» استهوت مخرجاً تواصل معه لكي يحولها إلى فيلم بعد أن تحمس لها كثيراً، لأنه رأى «تجاوراً بين الأسطورة والمكان العُماني القديم»، حيث قام الرحبي بـ»نثر المنظوم»، أي تحويل قصيدة قديمة إلى نص سردي، وذلك لفتح مجالات واحتمالات أوسع للنص الأدبي، بخاصة أن النص الأصلي ثريّ ولديه القابلية للتحول والتخلق في كل مرحلة وزمن.
ورغم فوز الرحبي بعدد من الجوائز الأدبية الرفيعة، منها جائزة أفضل إصدار قصصي في معرض مسقط للكتاب (2008)، والمركز الأول في جائزة دبي الثقافية (2009)، وجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب (2012)، إلا أنه يرى أن الجوائز ليست المقياس النهائي على جودة العمل، ولكنها «ضمن المقاييس طبعاً»، خاصة إذا كانت المشاركة في إطارٍ من «التنافس الحر».
ويوضح الرحبي أن الجائزة يمكنها أن تختصر الكثير من الجهد للكاتب، وذلك بأن تبرز له عمله الذي يكون قد سعى إلى إتقانه وتجويده عبر الصبر والمثابرة والتمحيص؛ حيث إن كثيراً من الجوائز كانت سبباً في بروز أعمال أدبية وترويجها.
ويستدرك بقوله إن الذائقة العامة أيضاً تروج للكتب، وليس بالضرورة أن ينحصر الترويج بالجوائز. فهناك كتّاب كبار بلغت شهرتهم الآفاق رغم أنهم لم يحصدوا جوائز كبيرة، مثل الأرجنتيني بورخيس الذي كان الناس يقصدونه بغرض رؤيته وتأمّل منابع عبقريته الأدبية؛ وفي النهاية رحل عن الدنيا وفي نفسه شيء من جائزة نوبل. فالجوائز «تفيد التجربة، ولكنها ليست المقياس النهائي على نضجها وقوتها».
ويستذكر الرحبي كلمة قالها الكاتب الفلسطيني إبراهيم نصر الله في النادي الثقافي بمسقط ذات يوم: «الجائزة وفرت لي أكثر من عشر سنوات لكي أركز على الكتابة»، مؤكداً أن هذا ما يُفترض أن تفعله الجائزة للكاتب صاحب المشروع والأسئلة المتواصلة. والسبب في رأيه أن الكاتب العربي «عصامي حد النخاع»، إلى جانب «تهميشه وصراعه حتى مع دور النشر»، فالمطلوب منه أن يدفع الأموال في كل خطوة يخطوها «بدايةً من بيته ومعيشته وانتهاء بطباعته للكتب التي هي مجهود فكري مضْنٍ».
ويوضح الرحبي أن الجائزة ليست مالاً فقط، بل هي تمييز بين أقران أيضاً، بخاصة إذا كانت ذات سمعة جيدة ولا تخالطها الأهواء والتوجهات السياسية والأخلاقية والاجتماعية. وهو يرفض فكرة اتجاه بعض الكتّاب للكتابة من أجل الظفر بجائزة معينة، فعلى الكاتب -كما يرى- أن يكتب وفقاً لقناعاته الفنية والموضوعية، وهذا لا يتعارض مع ترشحه لاحقاً لأيّ جائزة طالما يتم الأمر في إطارٍ من التنافس الحر.
يُذكر أن الرحبي أصدر في القصة والرواية: «اللون البني» (1997)، «بركة النسيان» (2006)، «لماذا لا تمزح معي» (2008)، «درب المسحورة» (2010)، «خريطة الحالم» (2010)، «ساعة زوال» (2012)، «فراشات الروحاني» (2013) و»مرعى النجوم» (2015).