استطلاع: ليلى بنت حمد العامرية
تحدث الكثير من المشاكل للفرد يكون سببها الأول غياب مفهوم الاقتصاد المنزلي ومحاولة ترتيب ابجديات الحياة المتعلقة بالمادة.
يشكل المال نسبة 60% تقريبا في عملية سير الحياة الأسرية بشكل سليم، وعند غيابه يتأثر الوضع الأسري ويتزعزع الاستقرار النفسي مما يسبب الكثير من المشاكل التي قد تصل إلى أعلاها في حال نفاد الحلول التي تساهم في توفر المادة والمال بشكل سريع خاصة عند حدوث الضائقة أو الأزمة المالية.
ومع الحاجة الماسة حاليا للتوفير بسبب الوضع الحالي الذي يعانيه العالم أجمع فقد أصبح من الضروري وجود آليات لإدارة الأزمة الحالية، لذلك فإن على الأسر ان تبادر بخطط مدروسة من أجل ترشيد الانفاق المالي داخل الأسرة.
إذن فإدارة الأزمات المالية وما يترتب عليه في استطلاع هذا العدد.
تعتبر الأزمة أو الضائقة المالية من بين الأمور الطارئة التي قد يصاب بها البعض ويترتب عليها الكثير من الأمور التي تقود لكثير من المشاكل التي قد تدفع إلى السجن أو إلى الانتحار في بعض الحالات.
وتعتبر الأزمات المالية بالنسبة للأفراد أفضل بكثير من الأزمات العالمية التي تطال بعض الدول، فإذا انهار اقتصاد دولة ما فإنها تصبح تحت انقاض الفقر والكساد الاقتصادي وقد شهد العالم في السنوات القليلة الفائتة الكثير من المشاكل الاقتصادية والأزمات المالية التي حلت بكثير من الدول:
ففي سبتمبر 2008 بدأت أزمة مالية عالمية اعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة 1929م، بدأت الأزمة أولاً بالولايات المتحدة الأمريكية ثم امتدت إلى دول العالم لتشمل الدول الأوروبية والدول الآسيوية والدول الخليجية والدول النامية التي ترتبط اقتصاداتها مباشرة بالاقتصاد الأمريكي، وقد وصل عدد البنوك التي انهارت في الولايات المتحدة خلال العام 2008م إلى 19 مصرفا ماليا، كما توقع آنذاك المزيد من الانهيارات الجديدة بين المصارف الأمريكية البالغ عددها 8400 مصرف.
كثرة المصاريف
صنف خبراء الاقتصاد المصاريف والأعباء المالية إلى أقسام يتجه بعضها نحو الأساسيات والأولويات الحياتية وأخرى نحو الكماليات وقسم ثالث نحو مفهوم الإدخار، ولو تحدثنا عن القسم الأول المتعلق بالأولويات لوجدناها تختلف من فرد لآخر فالبعض يعتقد أن الكثير من الكماليات أساسيات بالنسبة له يسعى لتوفيرها واقتنائها، بينما يرى البعض أن الكثير من الأساسيات تصبح مجرد أشياء لاتشكل أهمية في حال غياب المادة أو نقصها. في المقابل لايختلف اثنان على أهمية مبدأ الإدخار لكن هذا المبدأ يعد غائبا نسبيا.
بينما يتجه البعض إلى سياسة استنزاف وهدر الطاقة المادية التي تذهب بشكل مستمر نحو أشياء متكررة مثل المصروفات المتعلقة بالمستلزمات المنزلية من طعام وغيره وقسم آخر إلى المدفوعات والمستحقات الشهرية التي تنصب في الفواتير والحسابات المتعلقة بالمياه والكهرباء والمستحقات التي تدفع من أجل السكن في كثير من الأحيان مما يجعل مسألة الإدخار تبدو صعبة نسبيا مع غياب مفهوم التدبير المادي وحسن التخطيط.
الاهتمام بالكماليات
يتجه البعض في الانصراف نحو الكماليات ومايتبعها من مصاريف وأعباء مادية حيث يرهق الكثير من الناس أنفسهم من الناحية المادية لاقتناء بعض الأشياء التي يمكن الاستغناء عنها ويعتقد هؤلاء أن الأشياء الكمالية المتعلقة بالأمور الحياتية تشكل حاجة حقيقية بالنسبة لهم وبالتالي يقومون بمحاولة اقتنائها بطريقة او بأخرى حيث يلجأ الكثير من الأشخاص نحو الاقتراض البنكي في حال عدم توفر المادة ومن بين الأمثلة على تلك الكماليات الاقتراض من أجل سفر الاستجمام والاقتراض من أجل الحصول على سيارة أخرى جديدة في ظل وجود سيارة والاقتراض أيضا من أجل التسوق وشراء المستلزمات التي تكون غير ضرورية أحيانا.
ازدياد الأعباء
تكثر الأعباء المادية بزيادة عدد أفراد الأسرة فالأسرة التي تتكون من شخصين تختلف عن الأسرة التي تتكون من أربعة والأسرة التي تتكون من أربعة أفراد تختلف عن الأسرة التي تتكون من ثمانية..وهكذا فكلما زاد عدد أفراد الأسرة تزداد معهم متطلبات المعيشة وبالتالي تصبح الأزمات المادية والطارئة ممكنة الحدوث في حال غياب مسألة الإدخار والتخطيط الجيد من أجل مواجهة أية ازمات مادية تطرأ على الأسرة.
يتحدث عبدالله بن مرهون الشكيلي أحد الأشخاص الذين تعرضوا مسبقا لأزمة مادية جراء عدم الخبرة في مجال إدارة الأزمات المادية عن تجربته قائلا: كنت اعتمد على مرتبي الشهري في المصروف فكنت انفق على نفسي وأسرتي وهكذا ظل الحال إلى أن فكرت في أن أقوم بشراء سيارة جديدة من وكالة السيارات وبالفعل حدث ذلك والمشكلة أنني لم اختر سيارة بسعر متوسط بل اخترت سيارة عائلية كبيرة وبسعر عال ولأنني لم اكن امتلك المال الكافي لشرائها فقد لجأت إلى شركات التمويل وبعد مرور عام واحد كان علي أن أدخل ابني الذي أنهى الدبلوم العام إلى إحدى الكليات لعدم تمكنه من الحصول على المعدل المناسب للدراسة الحكومية، ومع الوقت بدأت أشعر بأن هناك دينين يجب أن أسددهما كل شهر إضافة إلى ازدياد عدد أفراد أسرتي بزيادة أطفال جدد حيث كان هدفي أن أحصل على عدد كبير من الأبناء ولم أكن أعلم أن المادة من أهم الأمور لتوفير حياة كريمة لهم، ومع مرور الوقت وقبل أن انتهي من دين السيارة ونفقات دراسة ابني اضطررت إلى أخذ سلفة من البنك من أجل علاج والدي الذي تطلب علاجه بالخارج مبلغا كبيرا، هنا وقع المحظور ولم أعد قادرا على مواجهة الحياة بسبب الأعباء المادية التي اوقعت نفسي بها والتي كادت أن تدخلني السجن لولا رحمة الله حيث أشار عليّ أحد أقاربي بأن أقوم بتحويل سيارتي القديمة التي تركتها فقط لاستخدامات بسيطة إلى سيارة أجرة وأن أقوم بالعمل عليها لكسب لقمة العيش التي انعدمت والتي كانت تأتي بمساعدة الناس لي ولأسرتي.
ويضيف الشكيلي: بالفعل كان هذا حل الخلاص الذي انتشلني من بؤرة الفقر والدين الذي اوشك أن ينتهي بي إلى السجن فأخذت أعمل عملا آخر كسائق سيارة أجرة من العصر وبعد عودتي من عملي الحكومي وأخذ قيلولتي وراحتي حتى وقت متأخر من الليل وبذلك استطعت حقا أن أحصل على مصدر دخل آخر كان لي خير عون في ضائقتي، ولقد ندمت كثيرا على شرائي سيارة كبيرة وبسعر عال بدون تفكير فقد كانت سيارتي الأولى جيدة وتفي بالغرض لكنني لم اكن أفكر فيما كان ينتظرني ولم أفكر مليا في مسألة دراسة ابنائي ومستقبلهم لاسيما وأنني عجزت عن تعليم ابني الثاني الذي لم يجد له حتى الآن عملا مناسبا بسبب عدم حصوله على مؤهل جامعي.
رأي الاقتصاديين
بالنسبة لمفهوم إدارة الأزمات المادية وما يصاحبها من مشاكل اجتماعية يرى الكثير من المختصين أن الأزمات المالية لها أثر كبير على الاقتصاد عامة، وتسبب تدهورا وتذبذبا في وضع الافراد. وينطبق مفهوم إدارة الأزمات المادية للأفراد على إدارة الأزمات بالنسبة للدول حيث يتفق الاثنان في وجوب توفير احتياطي. فعلى كل فرد أن يسعى لتوفير احتياطي لمواجهة الازمات المادية التي قد تنشأ من جراء ظروف معيشية معينة.
ويعلق أحمد عبداللطيف "تاجر بسوق الذهب" قائلا: تعتبر القروض غير المدروسة من أهم الأسباب التي تؤدي إلى مشاكل أو ضوائق مادية، حيث يلجأ الفرد إلى أخذ قروض شخصية لشراء بعض المستلزمات غير الهامة التي قد تكون أساسا مجرد كماليات. كما يجب أن نقف على مسألة اعتماد الكثير من الأفراد على دخل ثابت واحد من المهنة التي يمارسونها دون الإدخار والاستثمار ويلجأون إلى القروض الشخصية البنكية وبالتالي يترتب على ذلك دفع الكثير من المبالغ منها قسط القرض دون دخل آخر. ومن هنا قد يتعرض البعض للمخاطر المادية حيث من الممكن أن يفقد أحدهم وظيفته لسبب من الأسباب وبالتالي تصبح تلك القروض عبأا ماديا يشكل أزمة بحد ذاتها.
لذا يجب أن يحاول الكثير من الأشخاص تجنب القروض البنكية إلا للأساسيات التي قد يحتاجها، وإضافة إلى ذلك فأرى بضرورة التوجه نحو تنوع الدخل عن طريق الاستثمارات المختلفة والمدروسة والناجحة والتي تشكل بدورها مصدرا آخر لدخل الأفراد.
ويضيف أحمد عبداللطيف: يجب أن يقوم الفرد بتطوير ذاته من خلال إيجاد مصدر دخل آخر ومحاولة الاستثمار الناجح، فالاستثمار غير المدروس قد يؤدي إلى الكثير من المشاكل المادية. وهذا ما حدث هنا في عام 1997 حيث انهار سوق الأسهم وخرج الكثير من المستثمرين بخسائر مادية وبقروض والسبب الأول عدم دراسة المشاريع التي يقومون بالاستثمار بها.
وبالنسبة لغياب ثقافة الإدخار عند البعض فيرى محمد الجابري مستثمر بسوق مسقط للأوراق المالية: ان الإدخار عملة بوجهين ويؤكد قائلا: فهو قد يسبب إضرارا بالاقتصاد لكنه من شأنه أن ينفع الفرد. فالضرر يقع من ناحية حفظ العملات النقدية وعدم المتاجرة والاستثمار بها، حيث يسبب ذلك نقصا في الاستثمار المحلي. فهناك الكثير من الناس ممن يمتلكون الكثير من المبالغ المادية التي يودعونها في خزائنهم من غير أن يكون من وراءها أية فائدة من الناحية الاستثمارية. أما من ناحية النفع فمن المؤكد أن الإدخار يساهم في حماية الأفراد من الوقوع في الازمات المادية في الحالات الطارئة.
وفي المقابل يجب على جميع الأفراد ضرورة دراسة المشاريع التي يقدمون على الاستثمار بها واللجوء إلى بيوت الاستثمار الموجودة في السلطنة مع ضرورة ترتيب الأفراد لأمورهم المادية تحسبا لأي أزمة مادية.