لميس ضيف
إن كان ثمة شيء مشترك في هذا العالم بين الكبير والصغير، الثري والمُعسر، المرأة والرجل فهو أنهم جميعا يشتكون من درجة ما من الملل! نستثني من ذلك طبعا فئة خطفتها طاحونة العمل الشاق ولم تترك لها مجالاً للتفكير سوى بسرقة ساعات من الراحة بعد نهار مرهق. وعدا هؤلاء فلن تسمع على لسان الباقين إلا الشكوى والأنين من الروتين والضجر.
قبل عقدين من الزمان؛ لم يكن لدى الناس إلا القناة الرسمية. وكان " الأريل" كما يُسمى على أسطح بيوتهم هو بوابتهم للإنتاج التلفزيوني الذي بدا وقتها – رغم بساطته- مبهرا وبهيجا. كان التلفاز يبدأ بثه في الرابعة عصرا بالنشيد الوطني وآيات من الذكر الحكيم ويودع جمهوره في الحادية عشر ليلا ومع ذلك، ورغم ذلك، كانت الناس مستمتعة بهذا الصندوق السحري ولا تتذمر منه أبدا.
اليوم.. أستبدلنا ذلك العمود البائس بطبق يلتقط لنا العالم ويقدمه لنا "على طبق" . آلاف القنوات والبرامج والأفلام ومع ذلك تجد الواحد يقلب القنوات بسأم ويقول أنه "لم يجد شيئا ليتابعه"!
في ذلك الوقت، كان الشارع، هو وسيلة الأطفال لتسلية أنفسهم بألعاب بسيطة يبتدعونها بأنفسهم أما اليوم فيملك الأطفال عشرات الألعاب، وعالم افتراضيا من الألعاب الإلكترونية. ويذهبون للحدائق والمجمعات بوتيرة أسبوعية، ويتابعون الإنستجرام والسناب شاب. ولديهم بين أصابعهم هواتف تزدحم بالمحادثات التي لا تنتهي ومع ذلك ، ورغم ذلك ، يشتكي – حتى الصغار- من الضيق والملل!
كانت الناس قبل سنوات تُسافر لغاية. وحتى عندما تُسافر للسياحة لا تفعل ذلك إلا مرة في العالم. إذ كان السفر وقتها مكلفا ومرهقا وغير متاح للجميع أما الآن فقد ازدحمت السماء والأرض بشركات الطيران التي باتت تتنافس على الأسعار والخدمات، وصار السفر متاحا لفئات واسعة من الناس، لا لمرة في العام، بل لمرات عديدة. ومع ذلك، ورغم ذلك، تجد الناس تشكو من الملل!
التفسير الوحيد الذي أملكه لتلك الظاهرة هو أن الناس فقدت الإحساس بطعم الأشياء. وأن الوفرة قتلت لدى الناس طيفا من الأحاسيس الملونة: كالدهشة، والحماس، والترقب، والامتنان.
كما وقوضت متعة المرء بما في يديه.
وقلت التحديات ففقد وقت الراحة هو أيضل طعمه ورائحته لأنه لم يعقب التعب.
نعم صارت الدنيا مملة.. لأننا أصبحنا أناساُ مملين لا يعجبنا العجب.. ولا حتى صيام رجب!