سوريا أمام رحلة طويلة لإعادة الإعمار

الحدث الاثنين ٠١/أغسطس/٢٠١٦ ٠٠:٤٧ ص

عواصم – ش – وكالات
لم تقع الحرب في بلدٍ إلا ودمرتهُ، إلا أن الأمل لا ينقطعُ من إعادة الإعمار؛ رغمَ أن إعمار البنيان هو أسهلُ من إعمار الإنسان، وإعادتهِ إلى حياتهِ الطبيعة بعدَ حربٍ طاحنة، وفي سوريا الممزقة بالحرب، تكون عملية إعادة الإعمار، بعد توقف المدافع، وانتهاء الإشتباكات، معركة أخرى لها حسابات في السياسة والاقتصاد؛ فمن سيشاركُ في الإعمار؟ وكيف من الممكنِ دفع تكالف هذه العملية وعبر من؟، وربما السؤال الأكثر إلحاحاً في ضوء حجم الدمار الهائل: هل إعادة الإعمار بحدِّ ذاته ممكنا؟.
يجيب "البنك الدولي" في تقرير له، وبشكلٍ قاطع: "نعم ممكن"، ويقدِّمُ في سبيل ذلك، مبادرة حملت عنوان: "المعلومات والبحوث المتعلقة بسوريا (SIRI)"، والتي تعمل على إعادة رسم تخطيط المدة السورية الست الرئيسية عبر التكنولوجيا، رسما تخطيطيا للدمار الذي حل في هذه المدن الرئيسية ويشمل ذلك مواقع هذه الأضرار والمنشآت والخدمات التي مازالت تعمل وتلك التي توقفت عن العمل.
ويشير تقرير البنك الدولي إلى إمكانية الاستفادة من تطبيق سيري أبل (Apple’s Siri) على العثور على المعلومات، فإن مبادرة المعلومات والبحوث المتعلقة بسوريا يمكنها المساعدة على تقدير تكلفة إصلاح الأضرار.
ويسعى البنك الدولي للاستفادة من التكنولوجيا المتاحة، حيث يقول فريد بلحاج، المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط بالبنك الدولي، "إن البنك يستخدم أحدث وسائل التكنولوجيا والأساليب التي تم تجريبها مسبقاً ليكون على أهبة الاستعداد لبدء العمل في سوريا في الوقت المناسب عندما تخف حدة الصراع. فالتكنولوجيا يمكن أن تتيح لنا أيضا وضع خطط واقعية وقابلة للتطبيق في سوريا قبل أن تنتهي الحرب وبطريقة لم تكن في وسعنا من قبل".
وتركز النتائج التي توصلت إليها فريق البحث حتى الآن، على ست مدن سورية رئيسية- هي حلب ودرعا وحماة وحمص وإدلب واللاذقية. وعلى صعيد تقدير الأضرار، تمثل هذه نقطة انطلاق مهمة: ولنأخذ حلب، بمجدها العريق وذيوع صيتها كمركز اقتصادي عالمي قديم. حيث تظهر صور الأقمار الصناعية أن حلب هي أكثر المدن السورية تضررا من الحرب مقارنة بالمدن الأخرى التي شملها التقييم. وتأتي حمص في المرتبة الثانية من حيث المدن الأكثر تضرراً من الحرب، تليها حماة.
وتتيح هذه الصور وصفا تاريخيا للأحداث: فبالنظر إلى المشاهد من عام 2014 إلى عام 2016، يمكن تحديد متى حدث أغلب الدمار في المدن السورية. فعلى سبيل المثال، تضاعفت الأضرار التي حلت بحلب خلال العامين الماضيين؛ وفي حمص زاد بمقدار الثلث. وهناك أيضا مفاجآت: إذ يبدو من صور الأقمار الصناعية قبل تصاعد القتال مؤخراً في حلب، أن الناس في بعض مناطق المدينة كانوا يقومون ببعض الإصلاحات لمنازلهم، حتى مع استمرار القتال في مناطق أخرى منها. وأضاف أرشاد "حتى في مدينة تعيش في خضم الصراع، تتجلى أنماط من إعادة الإعمار."
وعلى العكس من تفاؤل البنك الدولي، ينظر صندوق النقد الدولي إلى المسألة من زاوية أخرى، لا تستندُ إلى تخطيط التكنولوجيا، وإنما إلى واقع الأرقام؛ فتأثير الصراع المندلع في سوريا منذ خمس سنوات جعل اقتصاد البلاد يعود إلى الوراء عقوداً عن مستويات ما قبل الحرب، وإن إعادة بناء رأس المال الاجتماعي والبشري في سوريا ستكون مهمة مضنية للجميع.
وبحسب تقرير النقد الدولي فإن الناتج المحلي الإجمالي لسوريا اليوم أقل من نصف ما كان عليه قبل اندلاع الحرب، وقد يستغرق الأمر 20 سنة أو أكثر لإعادته إلى مستوياته السابقة.
وأوضح التقرير أن إصلاح البنية التحتية المدمرة مهمة بالغة الصعوبة، مع ارتفاع تكاليف إعادة الإعمار التي تتراوح بحسب التقديرات بين 100 و200 بليون دولار، أي ثلاثة أضعاف الناتج المحلي لسوريا في العام 2010.
وأشار صندوق النقد الدولي إلى أنه في حال تصاعد الصراع بوتيرة أكبر، كما حدث في النصف الثاني من العام 2015، ستصبح تكلفة إعادة الإعمار أعلى من ذلك بكثير، فيما ستكون مهمة إعادة بناء رأس المال البشري والاجتماعي في سوريا تحدياً أعظم سيتطلب فترة أكبر.
وقد تقلص عدد السكان في سوريا بنسبة 20-30٪، فيما نزح 50٪ داخلياً وفر عدد كبير من القوى العاملة وذوي المهارات العالية ورجال الأعمال الذين يعيشون الآن في الخارج. بالإضافة إلى ذلك، رأى العديد من الأطفال السوريين النور داخل دائرة الصراع فخسروا التعليم، إذ تقدر منظمة اليونيسف أن سوريا فقدت 10.5 بليون دولار من رأس مالها البشري.