مسقط - فريد قمر
لم تكد أسواق النفط العالمية تتحسن حتى ابتليت بأزمة التصويت على انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وزيادة حفارات النفط الأميركية لتعود الأسعار إلى مستوياتها المتدنية.
وبعد أن بلغ سعر نفط عمان 47.76 دولار عاد لينخفض إلى أقل من 40 دولاراً، وهو أدنى من السعر الوسطي الذي بنيت عليه موازنة الدولة للعام 2016 والذي يبلغ 45 دولاراً.
وفي ظل الإجراءات الكثيرة التي اتخذتها الحكومة لخفض الإنفاق وتعويض العجز المالي ومن بينها إجراءات مالية وإدارية مختلفة، أطلت الأزمة النفطية المستجدة برأسها لتضع المزيد من التحديات على الاقتصاد الوطني، الأمر الذي يمكن تخطيه من خلال الالتزام بخفض النفقات وترشيدها نحو قطاعات إنتاجية فاعلة.
تقرير البنك الدولي
ووصف تقرير "الموجز الاقتصادي الفصلي" الصادر عن البنك الدولي الخطوات التي اتخذتها السلطنة لزيادة الإيرادات غير النفطية بالجريئة.
وتوقع التقرير الذي يحمل عنوان "أسعار النفط.. إلى أين؟" أن ينخفض الإنفاق الحكومي في السلطنة على منظومة الدعم بنسبة 64 % العام 2016، حيث تم تعديل أسعار الوقود المحلية مع بدء تحرير أسعار الوقود في منتصف يناير 2016 لتساير الأسعار العالمية.
وأشار التقرير إلى أن "مجلس الشورى وافق على زيادة ضريبة الدخل للشركات من 12 إلى 15 %، وإلغاء الإعفاء الضريبي لأول 30 ألف ريال عماني من الدخل الخاضع للضريبة، كما تمت الموافقة على ضريبة القيمة المضافة التي اعتمدت على مستوى مجلس التعاون الخليجي".
اللجوء إلى الدَيْن
واعتبر التقرير أنه من الخطوات الجريئة التي اتخذتها السلطنة اللجوء إلى أسواق الدَيْن للمرة الأولى، والحد من مزايا موظفي القطاع العام، وزيادة الرسوم. وفضلا عن ذلك، فإن السلطات فرضت رسوم امتياز على مُشغِّلي خدمات الاتصالات، ورفعت من رسوم الامتياز التي تدفع لاستغلال المعادن، ووافقت في الآونة الأخيرة على ضريبة نسبتها 35 % على شركات البتروكيماويات، و"ضريبة عادلة" على صادرات الغاز الطبيعي المسال، بالإضافة إلى زيادة نسبة الضرائب على الشركات إنتاج الغاز من 15 إلى 55 %، وتشمل الإصلاحات كذلك ما أقر العام الفائت من مضاعفة سعر الغاز للاستخدامات الصناعية.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى تراجع قدره 10 بلايين دولار في إيرادات السلطنة العام 2015، وتتضمَّن الموازنة الجديدة عجزا قدره 16.8 % من إجمالي الناتج المحلي العام 2016.
تعديل الرسوم
وبحسب التقرير، "من الإجراءات الأخرى التي اتخذت لزيادة الإيرادات من غير قطاع المحروقات تعديل رسوم الكهرباء والمياه للاستخدامات التجارية والصناعية، وزيادة رسوم الخدمات الحكومية، ومنها التراخيص وبطاقات العمل، وتسجيل المركبات، والمعاملات العقارية وتخصيص الأراضي".
وأوضح أن السلطنة تنتج نحو مليون برميل يوميا من النفط الخام، ومنذ الهبوط الحاد لأسعار النفط في النصف الثاني من العام 2014، اتخذت الحكومة قراراً بزيادة الإيرادات من مصادر غير نفطية.
ويتوقع التقرير أن تسعى سوق النفط العالمية جاهدة لتجاوز وفرة المعروض الحالية وتستعيد توازنها في أوائل العام 2020 بأسعار توازن تتراوح في نطاق 53-60 دولارا للبرميل. وسيكون لهذه التطورات تداعيات مهمة على بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. موضحاً أن الموازنات المالية في البلدان المصدرة للنفط بالمنطقة تحوَّلت من فائض قدره 128 بليون دولار عام 2013 إلى عجز قدره 264 بليون دولار عام 2016. وخسرت مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي 157 بليون دولار من العائدات النفطية العام الفائت ومن المتوقع أن تخسر 100 بليون دولار أخرى هذا العام. وفي عام 2015 استنفدت السعودية بحسب التقرير 178 بليون دولار من الاحتياطي الأجنبي، تبعتها الجزائر 28 بليون دولار.
تغييرات في الاقتصادات
وأدى استمرار انخفاض أسعار النفط إلى إحداث تغييرات في اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فحكومات المنطقة بدأت باتخاذ إجراءات ساد الاعتقاد طويلا أنها مستحيلة، منها، على سبيل المثال لا الحصر، فرض ضرائب جديدة، وإلغاء دعم الوقود، وخفض الوظائف والأجور في القطاع العام. فكل بلد تقريبًا من البلدان المصدرة للنفط يخفض الآن فاتورة دعم الوقود والكهرباء والغاز والمياه. والكثير من البلدان تخفض الإنفاق العام، والبعض منها مثل الجزائر جمَّدت التعيينات الجديدة في القطاع العام. ونجد أن البلدان المستوردة للنفط مثل المغرب ومصر والأردن التي بدأت في إصلاح منظومة الدعم عام 2014 تتحول الآن من السعر المحلي الثابت للوقود إلى سعر مرتبط بالسعر العالمي. وطبَّق المغرب وبعض دول مجلس التعاون الخليجي إجراءات لتحسين كفاءة استخدام الطاقة، وخفض الانبعاثات الكربونية.
وبحسب التقرير فإن هذه الإصلاحات من المتوقع أن تغير العقد الاجتماعي القديم، حيث تُقدِّم الدولة الدعم للوقود والمواد الغذائية، وخدمات الرعاية الصحية والتعليم المجانية والإعانات والوظائف في القطاع العام، إلى عقد جديد تشجع فيه الدولة على إيجاد الوظائف في القطاع الخاص وتمكين المواطن كي يقوم باختياراته الاستهلاكية.