غوغائية ترامب

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٣١/يوليو/٢٠١٦ ٠٠:٥٤ ص
غوغائية ترامب

ترودي روبين

في الأسبوع الفائت، وضع دونالد ترامب وجهة نظر مثيرة للقلق العميق بشأن دور أمريكا في العالم. ويتبنى مذهب ترامب – إن جاز لنا أن نطلق على هذا الكم الهائل من التناقضات وصف مذهب – يتبنى الانعزالية، وفي نفس الوقت يصر على أن ترامب بإمكانه أن يدمر داعش بشكل سريع. ويفترض هذا المذهب أننا يمكننا التخلي عن أقرب حلفائنا، وهي الدول الديمقراطية في حلف شمال الأطلسي وآسيا، وذلك في الوقت الذي يحتضن فيه ترامب مستبدين من أمثال الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركيث رجب طيب أردوغان.
ولكن الأمر الأكثر رعبا في مذهب ترامب هو أن صاحب هذا المذهب لا يُظهر أي فهم عن ما يتحدث عنه ولا يظهر أي رغبة في التعلم، حتى وهو يوضح اعتقاده الجازم بأنه، وأنه هو وحده، يعرف كل شيء. لقد كان الخط الرئيسي في خطاب القبول المظلم الذي ألقاه ترامب في مؤتمر الحزب الجمهوري على هذا النحو: "لا أحد يعرف النظام أفضل مني، وهذا هو السبب في أنني أنا وحدي الذي يمكنني إصلاحه".
هذا بيان من شخص غوغائي سيحدث ضررا بالغا بأمن الولايات المتحدة إذا ما أتيحت له الفرصة. دعنا نحصي الطرق التي ستجعل بها رسائل ترامب، وجعلت أيضا بالفعل، أمريكا أقل أمنا:
أولا، خطابه المروع رسم صورة مظلمة مخيفة لأمريكا التي أصبحت طحينا لمطاحن الدعاية الروسية والصينية (وداعش) التي تدعي أن النظام الأمريكي قد انتهى كنموذج عالمي.
لقد قام ترامب بتشويه بلده، فخلافا لمزاعمه، الاقتصاد الأمريكي في حالة جيدة ومعدل البطالة منخفض، والجرائم الحضرية الخطيرة، في حين خضعت لمنحنى صاعد في عام 2015 في بعض المدن، إلا أنها منخفضة في الكثير من المناطق الحضرية ومازالت في انخفاض مطرد على مدى أكثر من عقد من الزمان.
ثانيا، ثناء ترامب على المستبدين، وعدم احترامه لبلده الديمقراطي، يغذي أكثر الروايات الروسية الصينية الداعشية التي تزعم أن الديمقراطيات الليبرالية تتجه نحو مزبلة التاريخ. وفي مقابلة مخيفة بشأن السياسة الخارجية مع صحيفة نيويورك تايمز، أعرب ترامب عن إعجابه بزعيمين أجنبيين فقط. الأول هو بوتين، الذي يمسك بيده جميع الخيوط في روسيا، ويرسل المعارضين إلى سيبيريا (إن لم يتم قتلهم في ظروف غامضة)، ويحاول تقليد القيصر الروسي، حيث قال للتايمز: "أعتقد أن بوتين وأنا سنكون على اتفاق تام". والثاني هو أردوغان، الذي يريد أن يعيد أمجاد الماضي العثماني. لقد استخدم أردوغان الانقلاب الفاشل كذريعة لاعتقال عشرات الآلاف، بما فيهم أي أحد قد يعارضه، وهو السلوك الذي رفض ترامب انتقاده. وحتى قبل محاولة الانقلاب، أسكت الرئيس التركي وسائل الإعلام المعارضة الرائدة باستخدام قوانين التشهير الصارمة التي أدت إلى إفلاس الصحف الناقدة. وقد قال ترامب إنه سيقوم بتضييق الخناق على قوانين التشهير في الولايات المتحدة في حالة انتخابه.
ثالثا، يشجع ترامب على الانعزالية الأمريكية الأولى التي ستقنع العالم بأن بلادنا أصبحت قوة عفا عليها الزمن. وقد أضعف التحالفات الرئيسية مع أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية، وهو ما سيقوي كلا من روسيا والصين لدى محاولتهما الهيمنة على جيرانهما.
وفي الأسبوع الفائت، قال ترامب إنه قد لا يفي بالتعهد الجوهري بمساعدة أي دولة عضو من أعضاء حلف شمال الأطلسي تتعرض لهجوم إذا لم "تفي تلك الدولة العضو بالتزاماتها تجاهنا". كما أشار أيضا إلى أنه قد يعيد القوات الأمريكية الموجودة في اليابان وكوريا الجنوبية، وهو ما من شأنه أن يقوي جهود الصين للهيمنة على المنطقة ويزيد من تهديد كوريا الشمالية هناك.
لقد أوضح ترامب لصحيفة التايمز أنه لا يرى قيمة كبيرة في تلك التحالفات، لا سيما إن كانت تحمي بلدانا تعاني أمريكا من خلل في الميزان التجاري معها. بعبارة أخرى، بالنسبة لترامب – ذلك الرجل الذي يثري من جميع تعاملاته حتى في الوقت الذي كان يعاني فيه الدائنون – فإن تحالفاتنا الأمنية الرئيسية لا معنى لها إن لم نجني من ورائها أرباحا. (كما يبدو ترامب أيضا جاهلا بحقيقة أن اليابان تدفع مبالغ طائلة لتغطية تكاليف القواعد الأمريكية.)
هذا هو الرجل الذي يقول إنه سيجعل أمريكا آمنة.
رابعا، هذا المستوى من الجهل يعمّ معظم مواقف ترامب المتعلقة بالسياسة الخارجية. على سبيل المثال: يتحدث ترامب عن بدء حرب تجارية ضخمة مع الصين ولكن يبدو أنه ليس لديه أي تقدير للتكلفة على أمريكا المتمثلة في فقد الصادرات والوظائف (ناهيك عن حقيقة أن مثل تلك الحرب من شأنها أن تغلق وول مارت التي تعتمد على الواردات الصينية الرخيصة وتقع حيث توجد الكثير من متاجر ترامب الرئيسية).
خامسا، في السياسة الخارجية (وكذلك في السياسة الداخلية)، يقدم ترامب وعودا لا يمكن أن يفي بها. لن يكون هناك جدار على طول حدودنا الجنوبية تدفع تكلفته المكسيك ولا يستطيع ترامب ترحيل 11 مليون مهاجر غير شرعي. كما أنه لن يستطيع هزيمة داعش على الفور كما يزعم.
لذلك لا أستطيع أن أتخيل ماذا عسى ترامب إن أصبح رئيسا أن يقول للجمهور الأمريكي عندما يكتشف الناس أنه دجال. ربما يلقي باللوم في فشله على الأعداء في الداخل. هذا هو ما يفعله بوتين، يلقي باللوم على "الخونة" الذين يعملون على تقويض روسيا الأم. وهذا هو ما يفعله أردوغان، يلقي باللوم على "الخونة" بما فيهم الأكراد ورجل دين في ولاية بنسلفانيا، وأمريكا.
نحن نعلم جيدا أن دونالد له فعلا قائمة أعداء طويلة تضم السود واللاتينيين ووسائل الإعلام وأي أحد يعارضه. وأتباعه الغاضبون، بما فيهم العنصريين والمجانين الذين نشرتهم حملته الانتخابية، بلا شيك سيقومون بتنفيس غضبهم على هؤلاء الخونة المزعومين.
إن الشخص الوحيد الذي من غير المحتمل أن يلقي ترامب باللوم عليه بسبب الكارثة الأمنية التي ستعقب انتخابه هو ترامب نفسه.

كاتبة عمود بصحيفة فيلادلفيا إنكوايرر