مسقط- ش
حين يعيب الأب على أبنائه أو أحدهم عدم الذكاء أو عدم القدرة على التصرف المناسب أو الفشل في الوصول إلى مرتبة عالية من النجاح الدراسي بشكل سلبي استفزازي فإنه يؤسس في الحقيقة لمرض نفسي مزمن يمنع الأبناء من الإقدام على أي عمل ويجردهم من شجاعة وجسارة المحاولة والخطأ ويضعف ثقتهم بالذات.
إن تراكم الفشل والإخفاق وترسبهما في قاع العقل الباطن يدفع الأطفال إلى الانطواء على الذات أو الضياع في متاهات مشروعات غير مدروسة وناقصة.
وهكذا تصبح الفكرة القائلة بعدم صلاحيتهم لأي شيء مسألة مركزية في تفكيرهم ولعل التعطش إلى عاطفة الأبوة والحنو هو أحد أسباب حالات الفشل التي يعاني منها الأطفال والمراهقون.
ومع أن تقريع الأبناء ورميهم بنظرة زاجرة لا يعد عملاً سلبيًا بحد ذاته إلا أنه بحاجة إلى إرفاقه بخطاب تشجيعي ولهجة حانية وعاطفة صادقة.
ولكن كيف يجب أن يتصرف الآباء حين يتعرض الابن للإخفاق في مدرسته مثلاً؟ إن الأمر يتطلب ألا يعمد الأب إلى تصور درامي عن الموقف زائد عن الحاجة، وألا يحاول نسيان الموقف هربًا من الشعور بالخيبة، أما الموقف الأسلم فيتمثل في تخصيص وقت ملائم وكاف للتفكير في الحالة وتقليبها على وجوه عدة، ومحاولة التفكير في إعطاء الابن مثالاً يحتذى، وإخباره أن الإخفاق ليس مأساة في حد ذاته، وأن مثل هذه الأحداث أمور حياتية يمكن تجاوزها بمزيد من المثابرة وبأساليب أخرى لاستخدام الذكاء.
إن هذا الأسلوب سيساعد الأبناء على تجاوز محن الحياة التي يصادفونها مستقبلاً.
مثال آخر يمكن أن نجد له شبهًا متواترًا عند العائلات التي يكثر فيها الأبناء، مثل الحساسية المفرطة بين الإخوة وشعورهم بالغيرة والحسد وهي مسائل تنتج عن الاهتمام غير المدروس بأحدهم على حساب الآخر، وهو أمر لا يستطيع عقل الصغير إيجاد تفسير منطقي له لأنه لا يفهم أن الأخت الصغيرة إنما تعامل بشكل أقل حدة منه لأنها لم تزل صغيرة، ولقد سبق له أن مر بتلك المرحلة من الحنان الأبوي ونال القدر ذاته من العاطفة.
إنه يفهم فقط أن هذه الأخت «المدللة والمنافقة» تعمل دومًا من أجل إثارة الانتباه وحصد أكبر قدر من الكلمات التشجيعية، وأن صرخة كاذبة واحدة تطلقها تجعل الأم تهرع إليها مهرولة بينما لا يثير حصوله على درجات دراسية عالية أي اهتمام.
وهنا تبرز أهمية برمجة الوقت المخصص للاهتمام بالطفلين، كل على حدة، كما يجب البحث عن الخطاب المناسب الذي من شأنه كبح جماح شعوره بالحرمان. وقد لا يستطيع الأوان بحكم انشغالهما تقدير مواهب الأبناء والاهتمام بتنميتها ومعرفة مسارات تطورهم الذهني وذوقهم العملي.
فهذا الولد يريد أن يكون مهندسًا في المستقبل نراه يوفر مبالغ من مصروفه اليومي لشراء الورق والصمغ والأشياء الأخرى اللازمة لبناء سفينته، وحين يصل إلى نهاية عمله وحين يكون بأمس الحاجة إلى التشجيع نرى الأب أو الأم يغمزان في خانته موحيين له بأنه غير قادر على صناعة سفينة مثل هذه ولا بد أنه سرق المال واشتري السفينة. إن مثل هذا التصرف سيدفع الابن إلى الانطواء على الذات ذلك لأن الأب قام بكبح موهبته.. وهكذا جر تصرف الوالدين عليه عقدة الشعور بعدم قدرة الآخرين على فهمه، الأمر الذي يجعله عرضة للضياع في متاهة اختيارات أخرى بعيدة عن مواهبه وبراعته.