اليمن - السيئ والأسوأ ..!

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٧/يوليو/٢٠١٦ ٢٢:٣٥ م
اليمن - السيئ والأسوأ ..!

علي ناجي الرعوي

على ذمة بعض السياسيين في مفاوضات السلام اليمنية بدولة الكويت فان المبعوث الاممي اسماعيل ولد الشيخ الذي يقود هذه المفاوضات لم يعد يخفي من ان جميع محاولاته قد فشلت في اقناع الاطراف ذات الصلة بهذه الازمة داخلية كانت ام خارجية بإفساح المجال لبلورة تسوية معقولة ومتوازنة تنهي الحرب المندلعة في اليمن منذ اذار مارس 2015م وتعمل على اعادة الامن والاستقرار الى هذا البلد الذي يمثل زاوية الجزيرة العربية وانتشاله من مستنقع العنف والصراع والحروب المدمرة التي تجعل منه ساحة مفتوحة امام الجماعات الجهادية والإرهابية والمتطرفة التي تبدو اليوم اكثر نشاطا وتمددا في انتظار احكام سيطرتها على معظم محافظاته المنشطرة سياسة واقتصادا ومجتمعا.
وبصرف النظر ان كان ولد الشيخ قد تعزز لديه مثل هذا الانطباع ام لا .. فان تعثر مسارات التفاوض التي يقودها على مدى الثلاثة الاشهر الفائتة لا تقول بغير هذا الاستنتاج ايدناه او رفضناه نتيجة الضغوط التي توالت على المبعوث الاممي الذي جاء بديلا لسلفه جمال بنعمر وهو من يعلم الكثير من التناقضات والتوازنات التي يحتكم اليها اليمن ويعلم ايضا ان لعبة (عض الاصابع) التي سيطرت على المشهد اليمني منذ عام وخمسة اشهر هي من تتحرك او يراد لها ان تتحرك على سكتين : الاولى : سكة ادامة الحرب الداخلية بين الفرقاء المتصارعين على السلطة .. والثانية : سكة استنزاف الدول الخليجية في هذه الحرب وتوريطها من قبل الفاعلين الكبار في اطار فكرة تغيير خريطة الشرق الاوسط الجديدة التي ستكون في تركيبتها السياسية والجغرافية مختلفة عن اتفاقية سايكس-بيكو التي رسمت على انقاض الامبراطورية العثمانية المنهارة عام 1916م ولعل هذا هو من جعل ولد الشيخ يظهر في قيادته للمفاوضات اليمنية متأرجحا بين المساعي والجهود التي ينبغي ان يقوم بها كوسيط محايد بهدف (عقلنة) الصراع في اليمن وعلى اليمن وبين الرضوخ للغايات والأهداف الكامنة وراء هذا الصراع الذي لا ينفصل عن غيره من الصراعات المشتعلة في المنطقة.
من المؤكد ان الاستياء العارم الذي عبر عنه المبعوث الاممي الى اليمن في احاطته الاخيرة امام مجلس الامن الدولي لم يكن سوى مؤشر بارز يعكس بشاعة الحرب الدائرة في هذا البلد محذرا من عدم الاكتراث من التصدع وتفكيك الوحدة الجغرافية اليمنية التي قد تفرزها الاحداث الدامية المتفاقمة في هذه الساحة والتي لن تؤدي فقط الى تمزيق النسيج الاجتماعي وإنما الى تغلغل (القاعدة) و (داعش) وغيرها من التنظيمات الارهابية في صفوف هذا النسيج الذي يزداد تهتكا وانحدارا وتفككا مما يخشى معه ان يتحول الى مصنع لإنتاج الفوضى التي يصعب التخلص منها ورغم ان ذلك المبعوث قد نجح في انتزاع دعم مجلس الامن لمهمته في اليمن وهو ما دفعه الى الاعتقاد ان ذلك الدعم كافيا لكي يتصرف بما يمليه عليه ضمير السلام الا انه سرعان من وجد من ينبهه بانه قد وقع في خطأ فادح حينما عمد الى اقترح على الفرقاء اليمنيين خطة للسلام لا ترعاها الاطراف الاقليمية ولا تحظى بالمساندة الدولية وليس امامه اذا ما اراد الاستمرار في مهمته سوى الاسراع في تصحيح ذلك الخطأ بسحب تلك الخطة وإعادة الامور الى المربع الاول.
وسط هذا الجدل الواسع فقد ظلت الحرب في اليمن تراوح مكانها هذا ان لم تندفع الى منحى خطير على الامن في الدول الخليجية بعد ان اصبحت محركات هذه الحرب اسيرة لميزان القوى واستحقاقاته على رقعة الشطرنج وما يتعلق بها من اهداف مرحلية وإستراتيجية بالنسبة للاعبين الكبار الذين لم ينتهوا ربما من اعداد الصياغات المقترحة للنزاعات الملتهبة في عدد من بلدان المنطقة بدءا من العراق وسوريا وليبيا مرورا بالصومال وانتهاء باليمن وربما تنطلق هذه الصياغات من استراتيجية واحدة وهي تفكيك هذه الدول وإعادة تركيبها كفيدراليات او كونفيدراليات مذهبية وطائفية وجهوية حسب كل حالة بعد ان فقدت معظم تلك الدول من وجهة نظر اولئك الفاعلين الكبار عوامل منعتها واضحت على الهامش تفتقر للحد الادنى من الامن والاستقرار.
لقد تحاور اليمنيون في الكويت لما يقارب الثلاثة الاشهر وكانت فكرة الحوار جيدة بحد ذاتها لكنها كما قال امير دولة الكويت لم تنجح في فك جميع الاشتباكات وتخطي الازمات والانسدادات والمشاكل التي تعصف باليمن وبالتأكيد فان الكويت التي انطلقت من حرص شديد على مصلحة اليمن واستقراره لم تدخر جهدا من اجل اذابة الجليد المتراكم بين الاطراف اليمنية المتصارعة وتقريب وجهات النظر فيما بينها لكن الثابت ان معضلات المشهد اليمني وما تراكم فيها من تداعيات السنين اصبحت اعصى على الحل بوجود اطراف دولية وإقليمية ترى في اليمن منطقة لاقتسام النفوذ.
وفي حين تبدو الاطراف اليمنية معنية بالتنازل لبعضها البعض من اجل الوصول الى حل وسط يفتح بوابة الحل لازمة بلادهم المتفاقمة لا يبدو في المقابل ان الاطراف الاقليمية والدولية قد خرجت الى اتفاق يساعد اليمنيين على انجاز التسوية المنشودة اذ انه الى حد الان لا تفاصيل واضحة حول الموقف الامريكي بما يجري في اليمن رغم القلق المعبر عنه مرات عديدة فهناك من يعتقد ان واشنطن والدول الكبرى مازالت تعطي الضوء الاخضر او شي من هذا القبيل لاستمرار الوضع ملتهبا في هذه الساحة بهدف توظيف هذه الحالة لممارسة الضغوط على الدول الخليجية لكونها التي تعلم ان ادامة العنف في اليمن ستكون له انعكاسات خطيرة على الامن والسلم في منطقة الجزيرة والخليج عموما وبالتالي فان ذلك سيمنح الدول الكبرى مزيدا من الفرص لابتزاز دول الخليج الغنية وفي ظل هذا العامل فلن يكون بمقدور الامم المتحدة انجاز اية تسوية سلمية في اليمن لا تقف خلفها ارادة الدول الكبرى وهو ما يجعلنا نقول ان تلك الارادة هي من ظلت الحلقة المفقودة في محادثات الكويت كما ان ذلك يلغي أي احتمال بإحراز هذه المفاوضات أي تقدم ملموس في ايامها الاخيرة والمحددة بنهاية يوليو الحالي.
الواضح الى حد الان ان اليمن انتقل من وضعية سيئة الى اخرى اكثر سوءا وطالما ظل الوضع في هذا البلد متشابكا بين الداخل والخارج فان اليمن سائر لا محالة الى صراع مفتوح على الطريقة الصومالية لن يوقفه اعتراف سلطة صنعاء بقرارات الامم المتحدة وشرعية حكومة هادي او صدى التحركات لوزراء خارجية الدول الاربع (واشنطن ولندن والرياض وابوظبي) الذين اتفقوا على رؤية متعددة الابعاد للحل في اليمن لكن دون ان يقدموا أية معطيات تدل على جديتهم لإرساء ذلك الحل في المدى المنظور في نهاية المطاف فليس هناك غير اليمن هو الخاسر الاكبر في هذه المأساة او الملهاة المؤجلة او المعلقة الى ان يأتي الحل او الفرج في سنة او عشر سنوات.

كاتب يمني