ؤ

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٧/يوليو/٢٠١٦ ٢٢:٣٣ م
ؤ

روبرت سكيدلسكي

الهجمة الرهيبة التي شنها رجل فرنسي-تونسي على حشد في نيس خلال الاحتفال بذكرى يوم الباستيل ، الذي أسفر عن مقتل 84 شخصا وجرح المئات، سوف تعطي زعيمة الجبهة الوطنية في فرنسا مارين لوبان دفعة قوية في الانتخابات الرئاسية في الربيع المقبل. لا يهم هل كان القاتل، محمد لحوايج بوهلال ذو صلة بالراديكاليين أم لا. في جميع أنحاء العالم الغربي، هناك مزيج من انعدام الأمن المادي والاقتصادي والثقافي قد يؤجج المشاعر المناهضة للهجرة في وقت تشهد فيه دول ما بعد الاستعمار عبر الشرق الأوسط تفككا أسفر عن معضلة اللاجئين على نطاق لم نشهده منذ الحرب العالمية الثانية.
في السنوات الثلاثين الفائتة أو نحو ذلك، كانت المجتمعات الليبرالية الديمقراطية منفتحة على الوافدين الجدد. فقط المتعصبون كانوا لا يرون أي فوائد في الهجرة والمهاجرين؛ لذلك كانت مهمة القيادة السياسية ترك هذه الآراء خارج الخطاب السائد، وتسهيل التكامل أو الاندماج. للأسف، فشلت معظم النخب الغربية في تقدير ظروف النجاح.
على الرغم من التاريخ البشري يتسم بحركة الشعوب ، فقد كانت الهجرة غير دموية نسبيا فقط عندما كانت في اتجاه بلدان لا تعاني من الكثافة السكانية أو في اتجاه بلدان نامية. وكانت هناك حالة كلاسيكية من الهجرات في القرن التاسع عشر من أوروبا إلى العالم الجديد. بين 1840 و 1914، غادر 55 مليون شخصا أوروبا للأمريكتين - أكبر حصة من الهجرة بالمقارنة مع عدد السكان منذ الحرب العالمية الثانية. وكان المحرك الرئيسي للمهاجرين هو العامل الاقتصادي، وترك المهاجرون بلدانهم بسبب المجاعة والأزمة الزراعية، نازحين إلى العالم الجديد بسبب الحلم بأرض مجانية وحياة أفضل.
ومع تصاعد التصنيع والكثافة الديمغرافية، شهد تدفق المهاجرين من البلدان المتقدمة إلى المناطق النامية عدا عكسيا. ولا يزال الفقر والمجاعة يدفعان المهاجرين بعيدا عن أرضهم في البلدان الفقيرة؛ الآن، ومع ذلك، أصبح عامل الجذب هو توفر وظائف أفضل في البلدان المتقدمة، لا أرض مجانية.
وقد نتج عن هذا الأمر التوتر الذي نشهده اليوم. بعد الحرب العالمية الثانية، ابتكرت الحكومات الغربية السياسات التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين الفوائد الاقتصادية للهجرة (العمالة الرخيصة) مع حماية فرص العمل المحلية وأساليب الحياة. على سبيل المثال، بين عامي 1955 و 1973، استقبلت ألمانيا الغربية 14 مليون من "العمال الضيوف" أغلبهم من تركيا. ولكن، كان من المتوقع أن يعود المهاجرون إلى ديارهم بعد عامين، ووهنت هذه الضوابط تدريجيا نتيجة الاتجاه العام نحو التجارة الحرة وتحركات رؤوس الأموال الحرة.
إلى جانب الدوافع الاقتصادية للهجرة كان هناك دائما الاضطهاد العرقي والديني والسياسي. ومن الأمثلة على ذلك طرد اليهود من إسبانيا عام 1492، والمسيحيون الفرنسيون من فرنسا في 1685، وطُرد الألمان وغيرهم من أوروبا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية، وتم طرد بعض الفلسطينيين من إسرائيل في عام 1948، والهنود من أوغندا في 1970.
في السنوات الأخيرة، فر اللاجئون أساسا من الاضطهاد أو من انعدام الأمن بعد تفكك الدولة. رأينا هذا في البلقان في 1990، وفي أفغانستان والقرن الأفريقي في 2000، ويٌعد نزوح خمسة ملايين سوري إلى تركيا ولبنان والأردن المثال الأحدث والأكثر إثارة من هذا الوضع.
بالنسبة لهذه الفئة من المهاجرين، عوامل الدفع هي حتى الآن الأكثر أهمية. ولكن يبقى الخط الفاصل بين اللاجئين والمهاجرين لأسباب اقتصادية غامضا على مر الزمن. ويشير التاريخ إلى أن معظم اللاجئين لا يعودون إلى بلدانهم الأصلية، إذ يستغرق الشعور بانعدام الأمن الشديد وقتا طويلا قبل أن يهدأ. بينما يأخذ الإغراء بحياة أفضل وقتا أقل.
وهذا ما يفسر حقيقة مهمة عن التصور الشعبي: معظم الناس في البلدان المضيفة لا تميز بين المهاجرين لأسباب اقتصادية واللاجئين. وينظر إلى الإثنين كمطالبين للاستفادة من الموارد المتاحة، وليس كمبدعين لموارد جديدة. وأدت هجرة الآسيويين الشرقيين من كينيا خلال حملة هذا البلد "لتعميم الأطر الإفريقية" مباشرة إلى التشريعات المناهضة للهجرة في المملكة المتحدة في عام 1968.
ويوحي هذا المنظور التاريخي ثلاثة استنتاجات. أولا، لا يقوم الشعور الأول المناهض للهجرة فقط على الغرر والجهالة، أو الانتهازية السياسية. ولا يتم إنشاء لغة معادية للمهاجرين فقط لأسباب اجتماعية. وليست الكلمات مرايا من الأشياء "هناك"، ولكن لها علاقة ببعض الأشياء المتعلقة بهذه الأمور. ولا يمكنك التلاعب بشيء ما لم يكن هناك شيء للتلاعب به. لدينا فرصة قليلة لتغيير الكلمات لكن لن نغير الحقائق التي تشير إليها.
ثانيا، يقترب عصر التنقل الجماعي العشوائي للسكان من نهايته. وكما يظهر من خلال التصويت على البريكسيت، لقد استخفت الطبقة السياسية في أوروبا إلى حد كبير من التوترات الناجمة عن حرية الحركة عبر الحدود – لغو معارضي المشروع النيوليبرالي الفاشل الذي يحدد الموارد على أساس السوق. ولا يمكن لمنتقدي النيوليبرالية السماح بتحركات السكان من دون تنظيم. في الواقع، يكمن الخلل الفادح في إخضاع حرية الحركة في الاتحاد الأوروبي دائما إلى دولة لإدارة هذه الحركة. لكن هذه الدولة لا وجود لها. حصول الناس على جواز سفر الاتحاد الأوروبي لا يضفي الشرعية على سوق العمل الواحد، وهذا هو السبب في إعلان "حالة الطوارئ" بشأن الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي، وهو أمر لا مفر منه.
ثالثا، نحن بحاجة إلى قبول حقيقة أن معظم اللاجئين الذين يصلون إلى الاتحاد الأوروبي لن يعودوا إلى بلدانهم الأصلية.
الطريق إلى الأمام أمر صعب. أسهل الخطوات هي تلك التي تزيد من أمن الناخبين، بالمعنى الأوسع، لأن هذه السياسات توجد ضمن سيطرة القادة السياسيين. وسوف تشمل هذه التدابير ليس فقط وضع حد أقصى لعدد المهاجرين لأسباب اقتصادية، ولكن أيضا سياسات تؤدي إلى توقعات العمالة الكاملة واستمرارية الدخل. وإذا تضاءل انعدام الأمن الاقتصادي للناخبين سيبعث ذلك الأمل لسن سياسات فعالة لاستيعاب أو دمج اللاجئين، الذين تزايد عددهم بشكل كبير إلى حد أن القادة لا يستطيعون السيطرة على الوضع مباشرة.
المشكلة التي لم تحل هي كيفية الحد من هذه العوامل التي تُخرج الناس من بلدانهم.
نأمل أن التنمية الاقتصادية في أوروبا الشرقية - أو المكسيك – ستؤدي إلى تحسين ظروف العيش بما فيه الكفاية لوضع حد للتدفقات من منطقة إلى أخرى. ولكن إنهاء تدفق اللاجئين من منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا هو إجمالا أكثر صعوبة. استعادة النظام وإنشاء السلطة الشرعية شرطان مسبقان للتنمية الاقتصادية، ونحن لا نعرف ما الذي ينبغي القيام به. في بعض الحالات، قد نحتاج إلى إعادة رسم الحدود. ولكن من الصعب أن نرى ذلك يحدث دون سنوات من القتال، أو معرفة كيف يمكن للغرب الحد من سفك الدماء.
شيء واحد يبدو مؤكدا لي: من دون زيادة الأمن في كلتا المنطقتين، سيمتد العنف السياسي من الشرق الأوسط إلى أقرب جيرانه في أوروبا.

عضو مجلس اللوردات البريطاني