ما العيب في النزوع إلى فرض تدابير الحماية؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٧/يوليو/٢٠١٦ ٢١:٢٨ م
ما العيب في النزوع إلى فرض تدابير الحماية؟

باري آيكنجرين

الآن، بات بوسعنا أن نتأكد من أمر واحد حول الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة، وهو أن الرئيس القادم لن يكون ملتزما بالتجارة الحرة. فالمرشحة الديمقراطية المفترضة هيلاري كلينتون هي في أحسن الأحوال مؤيدة فاترة لزيادة حرية التجارة، ولاتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ بشكل خاص. أما نظيرها الجمهوري دونالد ترامب فهو معاد صريح لاتفاقيات التجارة التي من شأنها أن تجعل أسواق الولايات المتحدة مفتوحة. وفي قطيعة واضحة مع التقليد الجمهوري الحديث، يرى ترامب ضرورة فرض تعريفة بنسبة 35% على السيارات المستوردة وقطع الغيار التي تنتجها مصانع فورد في المكسيك، وتعريفة بنسبة 45% على الواردات من الصين.
ويُجمِع خبراء الاقتصاد على حجة مفادها أن التأثيرات التي قد تخلفها خطة ترامب على الاقتصاد الكلي ستكون كارثية. فالتنصل من التجارة الحرة المفتوحة من شأنه أن يدمر الثقة ويصيب الاستثمار بالكساد. وسوف تنتقم دول أخرى عن طريق فرض رسوم جمركية خاصة بها، وهو ما من شأنه أن يدمر صادرات الولايات المتحدة. وسوف تكون العواقب أشبه بتلك التي خلفتها تعريفة سموت-هاولي، التي أقرها الكونجرس الأميركي عام 1930 ووقع عليها رئيس جمهوري سابق مذموم مكلل بالعار، وهو هربرت هوفر ــ وكان ذلك الإجراء سببا في تفاقم أزمة الكساد الأعظم.
ولكن مجرد اتفاق أهل الاقتصاد لا يعني أنهم على حق. فعندما يقع الاقتصاد في فخ السيولة ــ عندما يكون الطلب ناقصا، والأسعار راكدة أو في هبوط، وأسعار الفائدة قريبة من الصِفر ــ يصبح منطق الاقتصاد الكلي الطبيعي خارج الحسابات. وينبطق هذا الاستنتاج على التأثيرات التي تخلفها الحماية الجمركية على الاقتصاد الكلي في عموم الأمر، وعلى تعريفة سموت-هاولي بشكل خاص. وقد أوضحت هذه النقطة في ورقة بحثية أكاديمية كتبتها ــ وأجد نفس مترددا في الاعتراف بهذا ــ قبل ثلاثين عاما.
ولنتأمل هنا التجربة الفكرية المتخيلة التالية. يوقع الرئيس ترامب على مشروع قانون يقضي بفرض تعريفة على الواردات من الصين. فيعمل هذا على تحويل الإنفاق الأميركي نحو السلع التي تنتجها شركات محلية. ويفرض ضغوطا تدفع الأسعار الأميركية إلى الارتفاع، وهو أمر مفيد عندما ينشأ خطر الانكماش.
ولكن الرئيس الصيني شي جين بينج ينتقم بفرض تعريفة صينية تتسبب في تحويل الطلب بعيدا عن السلع الأميركية. ومن منظور المستهلكين الأميركيين، يتلخص التأثير الوحيد في أن تصبح الواردات من الصين (التي أصبحت خاضعة للضريبة) وبدائلها المنتجة في الولايات المتحدة أكثر تكلفة من ذي قبل.
في ظل الظروف العادية، قد تُعَد هذه نتيجة مرغوبة. ولكن عندما يلوح الانكماش في الأفق، فإن الضغوط التي تدفع الأسعار الى الارتفاع تصبح العلاج الذي أمر به الطبيب. فارتفاع الأسعار يشجع الشركات على زيادة الإنتاج ويدفع الأسر إلى زيادة إنفاقها. وهو يقلل أيضا من أعباء الديون. ولأن التضخم لا يزال منخفضا للغاية، نظرا لظروف الاقتصاد الكلي الكاسدة، فلا توجد ضرورة قد تدفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى رفع أسعار الفائدة والتعويض عن أي آثار تضخمية ناجمة عن الزيادة في الإنفاق.
من الواجب هنا أن أتحرى الوضوح حتى لا يساء فهم هذه التجربة الفكرية: فهناك طرق أخرى أفضل لرفع الأسعار وتحفيز النشاط الاقتصادي في ظروف فخ السيولة. ويتلخص البديل الواضح لفرض الرسوم الجمركية على الواردات في السياسة المالية البسيطة ــ خفض الضرائب وزيادة الإنفاق العام.
مع ذلك، تظل النقطة بشأن التعريفات مهمة. فمثلما لا تمثل الحماية الجمركية مشكلة للاقتصاد الكلي في ظروف انكماشية مثل فخ السيولة، فإن المزيد من تحرير التجارة (العقار السري المعتاد لدى أهل الاقتصاد) ليس الحل. ولا ينبغي لأولئك الذين يبحثون عن علاج لمحنة "الركود المزمن" الحالية ــ تباطؤ النمو وانخفاض التضخم إلى ما دون 2% ــ أن يعتمدوا أكثر مما ينبغي على التأثيرات المفيدة التي تخلفها الاتفاقيات التجارية على الاقتصاد الكلي. كما لا ينبغي لهم أن يستحضروا القول المأثور القديم بأن تعريفة سموت-هاولي تسببت في إحداث أزمة الكساد الأعظم، لأنها لم تفعل. فالادعاءات الكاذبة لا تعود بالفائدة على أحد حتى وإن كانت دوافعها خيِّرة.
وتسببت الحروب التجارية في تأجيج التوترات الجيوسياسية. فقد استشاطت غرفة النواب الفرنسية غضبا بسبب الضرائب التي فرضتها أميركا على الصادرات الفرنسية المتخصصة ودعت إلى شن حرب اقتصادية ضد الولايات المتحدة. كما فرضت المملكة المتحدة ضريبة على الواردات من الولايات المتحدة في حين أعطت أفضلية خاصة لدول الكومنولث والإمبراطورية، الأمر الذي أثار غضب هوفر وخليفته فرانكلين ديلانو روزفلت. وحَذَّر رئيس الوزراء الكندي ماكنزي كنج من اندلاع "حرب حدودية"، الحديث الدبلوماسي عن تدهور العلاقات السياسية. وتراجعت الجهود الرامية إلى تثبيت استقرار النظام النقدي الدولي وإنهاء الركود العالمي بفِعل هذه الصراعات الدبلوماسية.
الأسوأ من ذلك هو أن زعماء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكندا أمسكوا بخناق بعضهم بعضا في وقت كان من الواجب عليهم أن يعملوا معا على تحقيق أهداف أخرى مشتركة.
قد لا تكون الحماية الجمركية سياسة سيئة في التعامل مع الاقتصاد الكلي في فخ السيولة. ولكن هذا لا يجعلها سياسة خارجية جيدة ــ سواء انتهجها ترامب أو أي شخص آخر.
باري أيكنجرين أستاذ في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وجامعة كمبريدج. وأحدث مؤلفاته كتاب "قاعة المرايا: الكساد الأعظم، والركود العظيم، واستخدام ــ وإساءة استخدام ــ التاريخ".