مثال الشيب من بيض الفعايل

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٧/يوليو/٢٠١٦ ١٦:٥٨ م
مثال الشيب من بيض الفعايل

في الأيام التي احتفلت فيها سلطنة عمان بذكرى يوم النهضة لم يدخر المواطنون العمانيون وسيلة تعينهم على التعبير عما يكنونه من حب غير عادي لوطنهم ولحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم إلا واجتهدوا في استغلالها، وبعيدا عن الجانب الرسمي وما يمتلك من أجهزة إعلامية يستطيع بها إلقاء الضوء على مظاهر الفرحة التي عمت السلطنة فإن الجانب الشعبي أطلق لنفسه العنان عبر وسائل التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص ليؤكد حبه وولاءه لصاحب الجلالة وليصف ما يعتلج في داخله من تقدير لما قام به هذا القائد العظيم منذ تسلم مقاليد الحكم في السلطنة فنقلها من ظلمات لا تليق بهذا الوطن وهذا الشعب إلى نور يسطع في أنحاء المعمورة ويوفر تجربة تغري الباحثين كلا في مجاله لدراستها ، فهذا الارتباط بالوطن وهذا الحب والتقدير المميز لباني عمان يتطلب معرفة كواهنه وتفاصيله فهو بالفعل أمر غير عادي وملحوظ.

بين قوسين أستطيع أن أجزم بأن كل من عبر عن حبه لجلالة السلطان في هذه المناسبة الوطنية العظيمة وبأي طريقة فعل ذلك عن إيمان واعتقاد بأهمية الدور الذي قام به جلالته في بناء السلطنة وبناء الإنسان العماني ، فهو دور مقدر ومشكور ويقر به العالم أجمع، تماما مثلما أجزم بأن ما شهدته وشهده الكثيرون في دول عديدة من العالم العربي أيام احتفالاتها بمناسبات مماثلة كان مزيفا وكان المشاركون فيها مغصوبين على ذلك فهم يعلمون أنهم إن لم يفعلوا سيفعل بهم ما قد لا يتوقعونه.

هذا فارق مهم ولا بد من اعتباره واحدا من العوامل التي أسهمت في تماسك هذا الشعب وتأكيده لولائه لقيادته في كل مناسبة ، فعندما يكون التعبير حقيقيا وصادقا فإنه لا يكون إلا في الصورة التي ظهر فيها في الأيام القليلة الفائتة بمناسبة يوم النهضة المباركة والتي تغنت فيها السلطنة بيوم ميلادها السادس والأربعين.
في مواقع التواصل الاجتماعي كتب العمانيون الكثير عن هذه المناسبة وعبروا بصدق عن مشاعرهم تجاه وطنهم وتجاه باني السلطنة الحديثة، وتمنوا له من أعماق قلوبهم أن يمنحه الله سبحانه وتعالى الصحة والعافية ليتمكن من مواصلة دوره وليزيد من إنجازاته التي سيسطرها التاريخ بأحرف من نور وستقدم كدليل عملي على نتاج حب القائد لوطنه وسعيه لخدمة شعبه والارتقاء به.
كل ما كتب في مواقع التواصل الاجتماعي كان جميلا، نثرا كان أم شعرا، وليس اختياري لواحد منها هنا إلا ليكون مثالا يوضح الصورة، حيث كتب أحدهم هذا البيت الجميل الذي يخاطب به صاحب الجلالة ويغني عن قصائد كثيرة. (يا بوي شيبك ما طلع من كبر سنك .. بيض الفعايل بيضت لك سواده) أرفقت في التويتر بصورة للقائد بلحيته البيضاء، فما قدمه السلطان قابوس المعظم لعمان من أعمال ومنجزات رائعة شاهدها بياض لحيته التي لا تعبر عن كبر سن وإنما عن بياض أفعال.
قبل 46 عاما من الآن وعد جلالة السلطان العمانيين بالنهضة وبدأ على الفور مشوار العمل الشاق والجبار فجاءت عمان كما أراد لها وسكنت في موقعها بين مصاف الدول المتقدمة. هكذا كتب أحدهم معبرا عن فرحته وفخره بهذا الوعد الذي أطلقه السلطان وتحقق، بينما وصف آخر يوم النهضة بقوله «يوم 23 يوليو المجيد يوم نفض الشعب العماني فيه غبار ثالوث الجهل والفقر والأمية وهب خلف قيادته الحكيمة يعيد بناء وطن له حضارة عريقة» ، واعتبر ثالث ذلك اليوم بأنه «يوم صنع التاريخ والمستقبل في حياة الشعب العماني» وأنها «لحظة تاريخية فاصلة في تاريخ عُمان الحديث» .
هكذا عبر الشعب العماني عن فرحته بهذه الذكرى الوطنية المجيدة، وعن حبه غير المحدود لباني النهضة وقائد السلطنة ، وعن تقديره لجلالة السلطان الذي وفر مثالا عمليا أكد من خلاله أن المستحيل يصير ممكنا لو جوبه بالإرادة وبالعمل الذي لا يعرف الكلل ، فهذه الدولة التي يعــــــرفها القاصي والداني ويتعلم منها كل من أراد أن يرتقي بوطنه لم تبن في يوم ولـــيلة ولكنـــــها نتاج عمل متواصل تقاسم فيه الشعب العماني الدور مع قائده بتجاوبه معه وبالسير على نهجه وبالولاء.
في 23 يوليو 1970 ولدت سلطنة عمان الممتدة في التاريخ من جديد ولتسهم بقوة في بناء الحضارة الإنسانية. في ذلك اليوم وفر جلالة السلطان للشعب العماني نهجا شرحه بدقة ونفذه بدقة فجاءت النتيجة كما أريد لها وكما توقعها جلالته وتخيلها الشعب العماني الذي صار ينتظر يوم الثالث والعشرين من يوليو في كل عام ليحتفل به وليعبر عن شكره وتقديره لباني هذه النهضة ومؤسس عمان الحديثة.
هنا يبرز فارق آخر ينبغي تأكيده هو أن الشعب العماني يدرك أهمية دور كل فرد من أفراده في الحفاظ على المنجزات التي تحققت وفي مواصلة العمل بغية تحقيق منجزات أخرى تعزز النتاج الذي أراد توفيره صاحب الجلالة السلطان المعظم للعالم ، فمثل هذا الإدراك لا يتوفر للأسف في كثير من الدول التي يعتبر شعوبها أن تحقيق الإنجازات هي مهمة الدولة فقط أو تعتبر حكوماتها أن هذه المهمة لا توكل إلى الشعوب. مهم في هذا المقام أيضا الإشارة إلى أن الفرحة بذكرى يوم النهضة لم تقتصر على الشعب العماني وإنما امتدت إلى جميع مواطني دول مجلس التعاون الخليجي الذين عبروا أيضا بطرقهم عن تقديرهم لطيب فعايل صاحب النهضة والتي بيضت سواد شعره.