مسقط ش
تسبب تراجع أسعار النفط على مدى العامين الماضيين في إيقاع أثر مضاعف على سلسلة القيمة بأكملها في قطاع النفط والغاز. ويقبل العالم اليوم على فترة مليئة بالتقلبات في أسعار النفط، حيث تلقى قطاع خدمات ومعدات الحقول النفطية، على وجه التحديد، ضربة موجعة في ظل هذه التقلبات. ويعود ذلك إلى تبني وتطبيق مبادرات لخفض التكاليف من قبل عدد لا يستهان به من كبار منتجي النفط.
ويعد قطاع خدمات ومعدات الحقول النفطية جزءاً بالغ الأهمية من الاقتصاد الوطني لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث يبلغ حجم هذا القطاع ما يقارب الـ 65 بليون دولار أمريكي ويمثل حصة تبلغ نحو 7٪ من السوق العالمية.
على الصعيد العالمي، تتبع شركات النفط العالمية سياسات تهدف إلى خفض النفقات الرأسمالية بشكل كبير، حيث تم خفض ما بين 10-30٪ من مخصصات النفقات الرأسمالية من قبل شركات النفط الدولية وشركات النفط الوطنية على حد سواء. وتتوقع شركات النفط العالمية، من وجهة نظرها، أن يقوم مزودو الخدمات باتخاذ إجراءات تتمثل في إعادة التفاوض حول العقود مع شركات خدمات ومعدات الحقول النفطية بغية تحقيق الأهداف الجديدة التي تم وضعها. وضمن إطار جهودها الرامية إلى خفض التكاليف ورفع الكفاءة، قامت شركات النفط العالمية باتخاذ خطوات كبيرة لتغيير استراتيجياتها، لينصب تركيزها على القيمة بدرجة أكبر من الحجم، الأمر الذي كان له تأثير واضح على أرباح لاعبي قطاع خدمات ومعدات الحقول النفطية.
خفض التكاليف
وفي المقابل، جاءت ردود أفعال لاعبي خدمات ومعدات الحقول النفطية على نحو مشابه لذلك، حيث تم خفض التكاليف المتعلقة بأعمالها بشكل كبير، بما في ذلك خفض التكاليف المتعلقة بقواها العاملة، فعلى سبيل المثال، قامت شلمبرجير بخفض التكاليف المتعلقة بقواها العاملة على المستوى العالمي بنسبة تبلغ 26٪ وذلك نوفمبر 2014. علاوة على ذلك، فإن انخفاض عائدات قطاع النفط والغاز خلال السنوات الأخيرة، واستمرار انخفاضها بشكل ثابت دفع المستثمرين إلى التشكيك في قدرة القطاع على تحقيق القيمة المرجوة.
واستشرافا للمستقبل، سيواصل قطاع العمليات البحرية تقديم خدماته بالشكل المعتاد، إذ أنه يعد بمثابة مصدر رئيس لنمو الإنتاج العالمي؛ حيث أن 62٪ من الإنتاج العالمي الجديد للنفط مصدره المواقع البحرية ومن المتوقع أن يستمر كذلك حتى العام 2020، الأمر الذي قد ينجم عنه توليد قيمة اقتصادية تبلغ 65 بليون دولار أمريكي. وفي هذا السياق، سيتعين على شركات خدمات ومعدات الحقول النفطية إعادة تنظيم أنشطتها والتركيز على توفير الخدمات لهذه الشريحة من القطاع.
ومن المثير للاهتمام أن القوى التي تشكل ملامح القطاع الحالي لخدمات ومعدات الحقول النفطية في دول مجلس التعاون الخليجي تختلف عن تلك التي تؤثر على قطاع خدمات ومعدات الحقول النفطية على المستوى العالمي، حيث أن شركات الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي تتبنى تقنيات تحسين وتعزيز استخراج النفط على نحو متزايد، وتهدف هذه التقنيات إلى مساعدتها في استخراج أكبر قدر ممكن من النفط الخام القابع في الحقول القديمة. وقد اعتادت شركات خدمات ومعدات الحقول النفطية ممارسة هذا النوع من الأنشطة في أجزاء أخرى من العالم، وتحتاج اليوم -أكثر من أي وقت مضى – إلى استغلال مثل هذه الخبرات في أعمالها داخل دول مجلس التعاون الخليجي.
وبطبيعة الحال، فإن ذلك يعد أكبر محرك للإنفاق بالنسبة لشركات النفط الوطنية الخليجية التي ترغب في تعويض انخفاض الإنتاج في الحقول القديمة.
وليس من المستغرب أن هذه المعدلات الكبيرة من الانخفاض في أسعار النفط تمثل مشكلة بالنسبة لمنتجي النفط في المنطقة. فعلى سبيل المثال، يشهد حقل الغوار النفطي في المملكة العربية السعودية، وهو أكبر حقل نفط تقليدي في العالم، تراجعاً في الإنتاج، حيث بلغ متوسط حجم إنتاجه ما بين العامين 2011-2015 ما هو أقل بنحو 4.5٪ من متوسط حجم الإنتاج بين العامين 2006-2010، وما هو أقل بنحو 3.5% من متوسط حجم الإنتاج ما بين العامين 2001-2005 .
الحفاظ على الطاقة الإنتاجية
وقد أظهرت دول مجلس التعاون الخليجي تصميماً للحفاظ على طاقتها الإنتاجية، حتى لا تفقد حصتها السوقية. وقد شكلت الحقول القديمة نحو 36٪ من إجمالي الإنفاق الخارجي لشركات النفط في العام 2015.
أما ما يخص مجال إنتاج الغاز، فقد أصبح الغاز سلعة حيوية تتساوى اليوم في أهميتها مع أهمية النفط الخام. والحقيقة هي أن الدعم الحكومي لأسعار الغاز في العديد من دول مجلس التعاون الخليجي أدى إلى ارتفاع في حجم الطلب. ولهذا، فإن بعض دول مجلس التعاون الخليجي، مثل السلطنة ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت، تعد دولاً مستوردة للغاز في الوقت الحاضر.
وعلى نحو ملفت للانتباه، يتم تخصيص كميات كبيرة ومتزايدة من النفط المنتج في دول مجلس التعاون الخليجي للاستهلاك المحلي بشكل مباشر. فعلى سبيل المثال، يتم تخصيص نحو 3 ملايين برميل يومياً في المملكة العربية السعودية للاستهلاك المحلي. ونتيجة لذلك، فإن دولاً مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تتطلع إلى زيادة مستويات إنتاج الغاز الخاصة بها، حتى يتسنى لها التقليل من الاستهلاك المحلي للنفط الخام، والتوسيع من أنشطة التصدير، وتنويع اقتصاداتها.
وعموماً، فإنه من المتوقع أن ينمو إجمالي الإنفاق على الغاز في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 4٪ على مدى السنوات العشر المقبلة، حيث تتصدر ذلك الكويت وقطر بنسب تبلغ 19٪ و7٪ على التوالي.
كما أن نمو قطاع النفط غير التقليدي يشهد اهتماماً متنامياً حيث يتصدر هذا القطاع جداول أعمال حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، مدفوعاً بثلاثة عوامل رئيسية، وهي:
أولاً، يمكن لمصادر النفط غير التقليدية أن تساعد دول مجلس التعاون الخليجي في تحقيق أهداف قدراتها الإنتاجية. فعلى سبيل المثال، تهدف الكويت إلى زيادة قدرتها الإنتاجية إلى 4 مليون برميل يومياً بحلول العام 2020 عن طريق إنتاج النفط الثقيل.
ثانياً، يمكن لإنتاج النفط غير التقليدي أن يساهم في تلبية احتياجات الاستهلاك المحلي. فعلى سبيل المثال، بعد الانتهاء من مشروع حقل خزان العماني للغاز، سيكون باستطاعة سلطنة عمان استخراج حوالي 1 مليار قدم مكعب من الغاز يومياً – لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة.
تطوير المهارات
وأخيرا، فإن تطوير المهارات اللازمة لإنتاج النفط غير التقليدي يمكن أن يساعد شركات النفط الوطنية في مواكبة التقدم التكنولوجي في مجال النفط والغاز. وبناء على ذلك، فإنه من المقرر أن ينمو إنفاق دول مجلس التعاون الخليجي على عمليات استكشاف واستخراج النفط غير التقليدي لتحقق نمواً بحوالي 33٪ بحلول العام 2017م (يقودها النفط الثقيل). بدورها، ستتمكن شركات خدمات ومعدات الحقول النفطية من لعب دور محوري في مساعدة شركات النفط الوطنية والحكومات المحلية في تلبية أهداف جداول الأعمال الوطنية من خلال توفير القوى الوطنية العاملة المؤهلة والمدربة بالشكل اللازم لتطبيق هذه التقنيات الجديدة بالشكل المطلوب.
ومع أخذ كل ما تقدم في عين الاعتبار، فإنه من الواضح أن قطاع خدمات ومعدات الحقول النفطية في المنطقة سيشهد تحولات ضخمة، وهي التي لطالما كانت في طور التشكل.
ولضمان تحقيق النجاح في مثل هذه الأوقات الصعبة، يتوجب اليوم على شركات خدمات ومعدات الحقول النفطية، أكثر من أي وقت مضى، أن تراقب بعناية ودقة الاتجاهات الإقليمية في دول مجلس التعاون الخليجي، وتكييف عملياتها وفقا لذلك.