د حامد بن شظا المرجان
في هذا الشهر المبارك من كل عام تحتفل السلطنة بذكرى عزيزة على مواطني هذا البلد العزيز وهي ذكرى الثالث والعشرين من يوليو المجيد للعام 1970، أشرق على عمان فجر عصر جديد من الازدهار عندما جاء جلالة السلطان قابوس بن سعيد وتسلم مقاليد الحكم ليقود عمان ومواطنيها إلى النهضة وبناء دولة عصرية حديثة بكل المقاييس. غطت إنجازات جلالته -حفظه الله- كل مناطق السلطنة والتي تصافح كل العيون وتحاور كل العقول وتتحدث بلغة يفهمها ويسمعها العالم أجمع، فإنه من الأهمية الإشارة إلى أن السلطان قابوس بن سعيد هو أول قائد عماني في العصر الحديث ينعقد له لواء الإجماع الوطني على امتداد الأرض العمانية. وهو إجماع ينعقد بالرضا والحب فهو إجماع يستوعب كل العقول والقلوب فجلالة السلطان -حفظه الله- قام بدور حاسم وشديد الأهمية في تحقيق الوحدة الوطنية العمانية بكل ما تعنيه من تظافر وتماسك وتكامل ووئام بين أبناء شعبه وذلك من جوانب عظمة شخصية جلالته المؤمنة بوطنها. وقد استطاع جلالته -حفظه الله- أن يرسخ مفهوم الوطن ومعنى المواطنة وهو ما شكل في الواقع نقطة تحول شديدة الأهمية في حياة المجتمع العماني الحديث وعلى سبيل المــــــثال لا الحصر تضمن الباب الثالث من النظام الأساسى للدولة المواد من 15 حتى 40 «المواطنون جميعـــــهم سواسية أمام القانون وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ولا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي».
المواطن العماني يشعر بمواطنيته وبانتمائه وبتميزه في وطنه بأنه موضع اهتمام ورعاية جلالته حفظه الله. إننا لا نستطيع بأن نتحدث في هذا المقال عن المنجزات التي حققها معلم الأمة جلالة السلطان -حفظه الله- في فترة بسيطة اعتبرها كثير من المراقبين العالميين بأنها إنجاز عدة قرون وليس سنوات. إن ما يميز القيادة العمانية الحكيمة في عالم تحيط به المشاكل السياسية أن السلطان قابوس بن سعيد أيده الله بنصره حدد أسس سياسة عمان الداخلية والخارجية من خلال علاقة السلطنة مع دول العالم الشقيقة أو الصديقة وفق مبادئ محددة وثابتة ومستقرة جعلت من السياسة الخارجية وعلاقات عمان مع الدول الأخرى عنصرا يعزز حركة التنمية الوطنية والتعاون الدولي، ويزيد فرص عمان في الحركة الاقتصادية والسياسية إقليميا ودوليا.
التزمت عمان في سياستها الخارجية بعدم التدخل في شؤون الغير ولا تقبل التدخل في شؤونها الداخلية هذه السياسة جعلت من عمان دولة يحترمها المجتمع الدولي ويقدر مواقفها نحو السلام والأمن العالمي، وقد استطاعت هذه السياسة بأن تجنب العالم عدة حروب في منطقة الخليج والشرق الأوسط لولا جهود هذا القائد الحكيم الذي قاد العالم إلى توقيع اتفاقية عالمية مهدت لاستقرار المنطقة والسلام والأمن العالمي «إيران ودول المجتمع الدولي». أما على صعيد السياسة الداخلية فجلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله- يؤكد التفاني في حب الوطن والمواطنين حين قال «إن الجميع في هذا الوطن سواسية لا فرق بين صغير وكبير وغني وفقير، فالمساواة تفرض أن يكون الكل أخوة في ظل العدالة الاجتماعية الإسلامية والميزة والتفاضل بمقدار الإخلاص والكفاءة في العمل المثمر البناء والكل مدعوون إلى التنافس الشريف في خدمة هذا الوطن العزيز»، وأكد جلالته -حفظه الله- أيضا «أننا لا نألو جهدا ولا ندخر وسعا في العمل على رفــــــع مستوى الفرد العماني الذي يتساوى مع غيره من العمانيين في كافة الحقوق والواجبات والذي يأخذ بقدر ما يقدم من جهد وعرق وإخلاص ووفاء لهذا البلد الكريم وعمان أم تحب كل أبنائها والعمانيون كلهم أبناء لهذه الأم الحنون تريدهم جميعا بررة أوفياء، لذا فحبها وتقديرها يتفاوت من ابن إلى ابن، لكنها تحب الجميع عفا الله عما سلف مبدأ أعلناه وسنظل على وعدنا وعهدنا»، حفظ الله مولانا السلطان المعظم وأدام عليه نعمة الصحة والعافية.
وفى أول أيام تقلده للحكم خاطب جلالة السلطان المعظم مواطنيه قائلا «إننا نعاهدكم بأننا سنقوم بواجبنا تجاه شعب وطننا العزيز. كما أننا نأمل، أن يقوم كل فرد منكم بواجبه لمساعدتنا على بناء المستقبل المزدهر السعيد المنشود لهذا الوطن، إن الحكومة والشعب كالجسد الواحد، إذا لم يقم عضو منه بواجبه، اختلت بقية الأجزاء في ذلك الجسد. إننا نأمل أن نكون عند حسن ظنكم، كما نأمل كذلك، في نفس الوقت أن تكونوا عند حسن ظننا» هذا ما وعد به صاحب الجلالة حفظه الله شعبه وأوفى بوعده وتحققت المعجزات. ومنذ اليوم الأول لتولي جلالته مقاليد الحكم أطلق دعوته الشهيرة لإيقاد مشاعل العلم وبدء مسيرة التعليم ولو من تحت ظلال الشجر وبمباركة القائد سابقت عمان الزمن لبلوغ الآمال وشهدت السنوات الفائتة من بدء النهضة المباركة حركة وانتشارا واسعا في مجال إقامة المدارس والجامعات والمعاهد الحكومية والخاصة حيث أصبح لدينا أكثر من 18000 ألف من حملة الدكتوراه والماجستير وأكثر من ربع مليون من حملة البكالوريوس في كافة التخصصات وأكثر من 650 ألف طالب وطالبة. وإذا كان التعليم مهما لبناء حاضر مستقبل أبناء عمان على هدى من العلم فإن بناء الجسم والاهتمام الصحي لا يقل أهمية وكما حدث في مجال التعليم وبناء صروح العلم سارت خطى الدولة سريعة تقتلع جذور الأمراض وتصن المجتمع ضدها من خلال إنشاء المستشفيات في جميع أنحاء السلطنة. في هذا الصدد حققت الخدمات في السلطنة تطورا كبيرا يواكب مسيرة النهضة المباركة.
لا شك أن الإنسان هو الاستثمار الحقيقي للأوطان لذا كان لابد من الوقوف أمام تركة الماضي وتقييم واقع المجتمع العماني بكل مفرداته ودراستها وتعيين مواقع القوة والضعف وبرمجة خطط العمل لتسير خطى البناء والنهضة بصورة سليمة وفى خط تكاملي في جميع الاتجاهات لتأخذ حركة التنمية مسارها الصحيح في سبيل إنجاز الآمال والوصول إلى الأهداف السامية الرامية إلى بناء عمان الحديثة. عمان أرض حباها الله بتنوع الثروات النسبية المختلفة من جبال من المعادن تمتد من مسندم في الشمال إلى ضلكوت في الجنوب، 3250 كيلومترا من الشواطئ. نطل على ثلاثة بحار ومحيط. هكذا اكتملت البنية الأساسية بالسلطنة، بعد 46 عاما من العمل الوطني الخلاق والدؤوب، وفي هذا الإطار اعتمدت الحكومة برامج لتنمية الاقتصاد الوطني يتماشى مع تطور الاقتصاد العالمي.
ولكي تكون توجهات العمل صحيحة والبناء متكاملا كان لا بد من ربط عمان داخليا وخارجيا بوسائل الاتصال والمواصلات الحديثة، كما يوجد في السلطنة أربعة مطارات دولية، وثمانية داخلية وأربعة موانئ عملاقة على بحر عمان وبحر العرب في المحيط الهندي والذي سوف يربط عمان بجميع قارات العالم من خلال مشروع الدقم الاقتصادي، بالإضافة للتطور الكبير في تكنولوجيا الاتصال والمعــــــلومات والتي تشكل في حد ذاتها إحدى الدعامات الرئيسية في مــــشاريع البنية الأساسية للسلطنة. حفظ الله مولانا صاحب الجلالة وأمده بالعمر الطويل، وكل عام وأنتم بخير.