ليبيا.. رفض متزايد للتدخل الفرنسي

الحدث الثلاثاء ٢٦/يوليو/٢٠١٦ ٠٩:٣٤ ص
ليبيا.. رفض متزايد للتدخل الفرنسي

طرابلس – – وكالات

لم يمر إعلان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن وجود عسكري لبلاده في ليبيا، دون جدل ونقدٍ لتدخل باريس عسكرياً، في وقتٍ أجمعت فيه دول جوار ليبيا، على رفض أي تدخل عسكري في تلك البلاد الغارقة في الانقسامات والصراعات.

إعلان هولاند

هولاند لم يعلن عن هذا التدخل إلا مضطراً، بعد مقتل ثلاثة من عناصر الاستخبارات الفرنسية، على الأراضي الليبية، الأمر الذي يفتحُ قوس السؤال: ما هو الدور الذي تقوم بهِ فرنسا في ليبيا؟، وما حجم الدعم والمساندة الذي تقدمهُ لهذا الفريق أو ذاك؟، وانعكاس هذا التدخل على الأزمة الليبية؟.
ليس جديداً الدور الفرنسي في ليبيا، إذ أن «عاصمة الأنوار» شاركت في عمليات «فجر الأوديسا»، والتي أطاحت بالرئيس الليبي السابق معمر القذافي ونظامه، يُضاف إلى ذلك؛ الدور الذي لعبهُ مبعوث فرنـــــسا برنار هـــــنري ليفي، الذي أعلن من قبل عن أن ولاءهُ المطلق هو لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
«الشبيبة» سبق أن تناولت عدة ملفات حول الشأن الليبي، حذر خلالها الخبراء من مغبة التدخل العسكري دون تنسيق مع ليبيا، ودول الجوار، إذ أن غياب التنسيق، والتدخل الأحادي، من شأنه أن ينعكس سلباً على ليبيا وجوارها.

مصالح فرنسية

في تقرير لوكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية، رأى مدير أبحاث «العالم الإفريقي»، بجامعة « إيكس مرسيليا» بفرنسا، «فرانسيس سيمونيس» إن «فرنسا لم تبتعد أبداً عن ليبيا في السنوات الأخيرة، حيث أبقت عينيها على هذا البلد الذي حرّرته منذ 5 سنوات»، موضحاً أن باريس تمتلك «الكثير من المصالح، وفي الظاهر، ترعى باريس اثنين من الأهداف في هذا البلد، وهما: محاربة (تنظيم) في إطار عمليتها العسكرية في الساحل (برخان)، وثانيهما التصدّي لسيطرة داعش على الأراضي».
من جهته، أشار الباحث المختص في شؤون المغرب العربي والساحل الإفريقي، «هاني نسايبية»، أن «لفرنسا أيضاً مصالح ذات علاقة بالطاقة (النفط والغاز) تماماً كغيرها من العديد من البلدان الغربية، كما أنها تريد السيطرة على ظاهرة الهجرة، وبيع أسلحتها، وغيره».
سيمونيس عاد ليقول أن «ما كشف عنه الرئيس الفرنسي مؤخراً لا يشي بتدخل جديد، وإنما هو فقط تأكيد لاستمرارية سياسة بدأها ساركوزي، واستكملها أولاند»، موضحاً أن «فكرة تدخل علني في ليبيا شبيهة بما حصل في 2011، أمر حساس للغاية، وله وقع سيء، لأنه يكفي النظر إلى الفوضى التي تسبب فيها التدخل الأول (تصاعد المجموعات الإرهابية، وأزمة المهاجرين وتهريب الأسلحة وزعزعة استقرار المنطقة)، وهذا ما من شأنه أن يشكل خطراً كبيراً بالنسبة لحكومة على أبواب انتخابات (رئاسيات 2017 في فرنسا)، ما يدفع ويفرض التحرك بشكل سري (في ليبيا)».
طرح لقي تأييدا من قبل المستشار الفرنسي «بيير بيرتي»، والذي لفت، في اتصال هاتفي مع الأناضول، إلى أنه «في حال تدخلت فرنسا بشكل علني، فمن شأن ذلك أن يفجر مشاعر الكراهية نحوها، سيما بفعل الفوضى والأضرار الجانبية التي تسببت فيها خلال تدخلها العسكري في 2011». الخبير تابع بالقول إن «الفرنسيين الذين يدفعون بالفعل ثمن تدخل بلادهم في الخارج (هجمات 13 نوفمبر التي تبنتها «داعش»)، لن يقبلوا أبداً بالتزام جديد من هذا النوع، وبأي حال، وحتى وإن ضغطت فرنسا وغيرها من البلدان الموجودة على الأراضي الليبية لصالح تدخل محتمل، فسيكون من الصعب تجاهل اتفاق الصخيرات، الموقع في المغرب بين مختلف الأطراف الليبية في 17 ديسمبر 2015، والذي ينص على أنه لا يمكن أن يتم أي تدخل أجنبي في البلاد بدون موافقة ليبيا».

استياء ورفض

من جانبها؛ أعربت حكومة الوفاق الوطني الليبية، عن «استيائها» من إعلان باريس وجود قوات فرنسية في ليبيا، مؤكدة رفضها لهذا الوجود العسكري، مشيرة إلى أن باريس لم تنسق معها بشأنه. ودعا المفتي العام لليبيا إلى قطع العلاقات مع فرنسا، معتبرا أن إعلانها مقتل جنودها غرب بنغازي، يرقى إلى إعلان للحرب على ليبيا.
وأشار بعض المحللين إلى وجود حالة من التناقض، التي فجرها الاعتراف الفرنسي بوجود قوات لباريس تعمل في بنغازي، خاصة مع إعلان القوات التابعة للفريق خليفة حفتر، أن القتلى هم «مستشارون عسكريون» لها ، وتشير رويترز في تقرير لها إلى أن القوات الفرنسية، تتعاون مع قوات موالية لحفتر الذي يقود عمليات في شرق ليبيا ضد متشددين إسلاميين، وخصوم آخرين في بنغازي وغيرها من مناطق شرق البلاد.
وفي السياق؛ كشف نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية أحمد معيتيق عن استدعاء السفير الفرنسي في ليبيا أنطوان سيفان، على خلفية مقتل 3 جنود فرنسيين في مدينة بنغازي في وقت سابق. وقال معيتيق، في مؤتمر صحفي: «المجلس الرئاسي يرفض التدخل الفرنسي في ليبيا»، لافتًا إلى أن تكاتف الجهود الدولية للقضاء على الإرهاب، لا يبرر أي تدخل دون علمه. وأشار نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، إلى أنه أجرى اتصالات مع الحكومة الفرنسية لمعرفة أسباب وحجم التواجد العسكري الفرنسي في ليبيا وملابساته.

إعلان النفير العام

من جهته، أعلن «مجلس ثوار بنغازي» (أكبر تنظيم مسلح في شرق ليبيا) النفير العام لمقاتلة القوات الفرنسية والأجنبية الموجودة على الأراضي الليبية. وفي بيان أصدره، وصف المجلس الوجود العسكري الفرنسي في ليبيا بأنه «عدوان سافر وغزو صليبي»، متعهدا بالعمل من أجل «صد هذا العدوان وكل عدوان آخر».
محلل شؤون ليبيا في المجلس الأوربي للعلاقات الخارجية ماتيا توالدو يرى أن فرنسيا تؤيد حكومة الوفاق الوطني بشدة، لكنها تسعى لتحقيق هدف صغير لمكافحة الإرهاب في شرق ليبيا من خلال مساعدة قوات حفتر.
وأضاف توالدو أن نية فرنسا هي محاربة تنظيم داعش، لكن الخطر هو الانزلاق للحرب الأهلية بليبيا. ورأى أن دعم فرنسا لفصائل مناهضة للحكومة الوطنية له تداعيات سياسية، فهذا الدعم الغربي سيقوي تلك الفصائل، بما له من نتائج عكسية على العملية السياسية.
وفي السياق؛ أفاد مراسل قناة الجزيرة في ليبيا، يوم أمس الاثنين، نقلاً عن مصادر في مجلس شورى ثوار بنغازي بأن طائرة فرنسية بدون طيار شنت عدة غارات على مواقع لمقاتلي المجلس شمال غربي المدينة، فيما تستمر قوات البنيان المرصوص في استهداف مواقع داعش وسط سرت.
وذكرت المصادر أن الطائرة شنت أكثر من أربع غارات على منطقة قنفودة التي تقع شمال غرب مدينة بنغازي، كما أكدت أن قصفاً مدفعياً بالدبابات وقذائف الهاوزر تتعرض له المنطقة التي تقطنها عشرات العائلات الليبية والعربية والأفريقية.

قصف جوي ومدفعي

واستهدف القصف الجوي والمدفعي مواقع لمقاتلي المجلس تقع في محيطها مساكن لمدنيين عالقين داخل المنطقة. وكانت غارات سابقة من طائرة بدون طيار قد أسفرت عن مقتل 12 من العمالة الوافدة، علاوة على استهداف مقاتلي مجلس الثوار خلال تحركاتهم في نطاق مواقعهم وتمركزاتهم، وفق ما أكدته مصادر داخل المدينة.
يذكر أن منطقة قنفودة تقع غرب بنغازي، ويوجد فيها ميناء المريسة وهو المنفذ البحري الوحيد لمقاتلي مجلس شورى ثوار بنغازي باتجاه مدن غرب البلاد، وتوجد فيها مواقع وتمركزات مقاتلي المجلس.
وتتعرض المنطقة -التي توجد بها نحو تسعين عائلة بأطفالها عالقة داخل بؤر الاشتباكات- بشكل يومي للقصف الجوي والمدفعي من قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر. وتواصل تلك القوات استخدام المدفعية والأسلحة الثقيلة لقصف مواقع يتحصن فيها عناصر داعش، فيما كثفت طائرات سلاح الجو غاراتها في وسط المدينة حيث يتمركز التنظيم.