مسقط - محمود بن سعيد العوفي
أكدت وزارة المالية خلال استعراضها الموازنة العامة للدولة اتخاذ كافة الوسائل التي تكفل الحفاظ على سلامة الوضع المالي للدولة ويضمن الاستقرار المالي في الوقت نفسه، حيث أثارت الموازنة العامة للدولة توقع وجود عجز مالي للعام 2016، والبالغ 3.3 بليون ريال عماني، أي بنسبة 38 في المئة من الإيرادات العامة ونسبة 13 في المئة من الناتج المحلي، إلا أنه يلاحظ بشكل عام، استمرار تكامل وترابط تلك الموازنة مع الخطة الخمسية التنموية 2016- 2020. بما ينسجم مع الإطار العام للسلطنة حيث تستكمل الموازنة الجديدة، حفز النمو الاقتصادي من خلال استمرار الإنفاق الإنمائي على المشروعات ذات الأولوية الاقتصادية والاجتماعية، واستمرار تقديم الدعم اللازم لتوفير بيئة مشجعة لحفز نمو واستثمارات القطاع الخاص، والمحافظة على مستوى الخدمات الأساسية والخدمات العامة المقدمة للمجتمع، تفعيل تخطيط المالية العامة بوضع إطار متوسط المدى وتحديد سقف للميزانية العامة، العمل على ترشيد الإنفاق العام وزيادة مرونته وكفاءته والوصول به إلى مستوى قابل للاستدامة، العمل على إعادة هيكلة الموارد العامة، بزيادة مساهمة الإيرادات غير النفطية في إجمالي الإيرادات وتقليل الاعتماد على الموارد النفطية، تقليل الآثار الاحتمالية المستقبلية لعجز الموازنة على الاستقرار المالي والاقتصادي للدولة، ورفع كفاءة الأداء للشركات المملوكة للدولة من خلال تأسيس شركات قابضة تقوم بوضع الخطط والاستراتيجيات والإشراف عليها وفقا لمبادئ حوكمة جيدة ورفع مساهمتها في الاقتصاد الوطني. وقدر الصرف على تنفيذ المشروعات الانمائية بنحو 35.1 بليون ريال عُماني، وهذا المبلغ يمثل السيولة النقدية المقدر صرفها خلال السنة وفقا لمعدلات التنفيذ الفعلية.
جملة الإيرادات والإنفاق
وتمثل إيرادات النفط والغاز في الإيرادات العامة في ميزانية العام 2016 نحو 6. 15 بليون ريال عُماني بنسبة 72 في المئة من جملة الإيرادات، في حين تبلغ الإيرادات غير النفطية «الضرائب والرسوم وعوائد الاستثمار» 2. 45 بليون ريال عُماني أي بنسبة 28 في المئة حيث تم تقدير جملة الإيرادات بمبلغ 8. 6 بليون ريال عُماني بانخفاض يبلغ 4 في المئة عن الإيرادات الفعلية المتوقعة لسنة 2015. في المقابل قدر إجمالي الإنفاق العام بنحو 11. 9 بليون ريال عماني بانخفاض قدره 1. 5 بليون ريال عُماني أي بنسبة 11 في المئة عن الإنفاق الفعلي المتوقع لسنة 2015. وبناء على ذلك سيكون يقدر عجز الميزانية نحو 3. 3 بليون ريال عُماني أي بنسبة 38 في المئة من الإيرادات العامة ونسبة 13 في المئة من الناتج المحلي، وستتم تغطيته من خلال وسائل التمويل المتاحة «الاقتراض الداخلي والخارجي والسحب من الاحتياطيات» وذلك بعد تقييم كافة الخيارات بما يكفل عدم التأثير سلبا على مستوى السيولة المحلية والائتمان المصرفي وعدم مزاحمة خطط القطاع الخاص واحتياجاته التمويلية.
وسيتم البدء في تنفيذ برنامج التخصيص وفقا للإطار العام المعد للسنوات الخطة الخمسية التنموية (2016 – 2020) وتحديد الأصول التي سيتم تخصيصها خلال العام 2016 فور الانتهاء من الدراسة الاستشارية الجاري إعدادها حالياً، ويهدف البرنامج إلى توسيع مشاركة القطاع الخاص في امتلاك وتمويل وإدارة المشروعات، وتوسيع قاعدة الملكية وتعميق دور سوق الأوراق المالية.
مصروفات ميزانية 2016
وتصدرت مصروفات الوزارات والوحدات الحكومية قطاعات المصروفات في ميزانية 2016، المرتبة الأولى بنحو 62. 4 بليون ريال عُماني بتخفيض تبلغ نسبته 12 في المئة عن تقديرات ميزانية 2015 وتشمل مخصصات رواتب ومستحقات الموظفين بمبلغ 3. 3 بليون ريال عُماني، كما تشمل المصروفات التشغيلية بمبلغ 1. 1 بليون ريال عماني.
وجاءت في المرتبة الثانية قطاعات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية حيث تبلغ الحصة المدرجة في الميزانية لهذه القطاعات نحو 4 بلايين ريال عُماني منها نحو 2. 5 بليون ريال عُماني لقطاع التعليم ومبلغ 1. 3 بليون ريال عُماني لقطاع الصحة، ومبلغ 163 مليون ريال عماني لقطاع الرعاية الاجتماعية.
ويشمل مصروفات الرواتب ومستحقات الموظفين والمصروفات التشغيلية وتكاليف تقديم الخدمات الصحية والتعليمية ومخصصات الضمان والرعاية الاجتماعية وكذلك السيولة النقدية للصرف على المشروعات الإنمائية التابعة للقطاعات كالمدارس والمرافق الصحية وغيرها.
في حين جاء قطاع الأمن والدفاع في المرتبة الثالثة حيث بلغت جملة المخصصات المقدرة لهذا القطاع 3. 5 بليون ريال عُماني بتخفيض تبلغ نسبته 12 في المئة عن المخصصات في ميزانية 2015، وتتكون المصروفات من رواتب ومستحقات الموظفين والمصروفات التشغيلية الأخرى والمصروفات الرأسمالية.
واحتل قطاع إنتاج النفط والغاز رابعا وقدرت مصروفاته بنحو 79. 1 بليون ريال عُماني بتخفيض تبلغ نسبته 14 في المئة عن تقديرات ميزانية 2015 ما سيؤدي إلى تخفيض التكلفة الإنتاجية للبرميل الواحد من النفط وتكلفة إنتاج وحدة الغاز.
أما المصروفات الإنمائية فجاءت خامسا وتم تقدير الصرف على تنفيذ المشروعات الانمائية بنحو 35. 1 بليون ريال عُماني، وهذا المبلغ يمثل السيولة النقدية المقدر صرفها خلال السنة وفقا لمعدلات التنفيذ الفعلية، وتبلغ نسبة التخفيض بنحو 18 في المئة مقارنة بالمقدر في ميزانية 2015.
وبلغت المخصصات المقدرة لقطاع الدعم الذي احتل سادسا في إجمالي الإنفاق 400 مليون ريال عُماني بتخفيض قدره 710 ملايين ريال عُماني أي بنسبة 64 في المئة عن المعتمد في ميزانية العام 2015 ويشمل هذا البند مخصصات لدعم الكهرباء والمنتجات النفطية ودعم القروض الإسكانية والتنموية والدعم التشغيلي للشركات الحكومية.
وأخيرا احتلت المصروفات الأخرى سابعا وتبلغ المخصصات المقدرة لها 240 مليون ريال عُماني بتخفيض قدره 10 ملايين ريال عُماني أي بنسبة 4 في المئة وتشمل المخصصات مساهمة الحكومة في رؤوس أموال الشركات والمؤسسات المحلية والخارجية بمبلغ 150 مليون ريال عُماني وفوائد الاقتراض بمبلغ 90 مليون ريال عُماني.
شفافية الميزانية
استنادا إلى الشفافية التي تضمنتها الميزانية، وبخاصة لدى التطرق لتأثير الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي تعاني منها كافة الدول، و بما في ذلك الدول المتطورة والغنية في العالم، وبخاصة الهبوط الحاد في الإيرادات المالية للدولة جراء الانخفاض الحاد في أسعار النفط والذي فقد أكثر من 50% مقارنة بنهاية العام 2014، وهنا علينا أن نقف عند الثغرات والعقبات التي تواجه اقتصادنا الوطني ومسار تطوره و التي لا تزال تعترض مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يعني عدم الاستكانة إلى المسكنات والحلول المؤقتة ومحاولة تدوير أو ترحيل الأزمة والمشكلات النابعة عنها والتي يأتي في مقدمتها إيجاد الحلول للمعضلة الرئيسية التي تجابه اقتصادنا الوطني وهي الاعتماد شبه الكامل على قطاع واحد وهو استخراج النفط.
اقتصادنا ريعي
وعلينا الانطلاق من حقيقة لا يمكن القفز عليها وهي كون اقتصادنا لا يزال إلى حد كبير ريعيا أحادي الجانب حيث إن مجمل العملية التنموية والدخل الإجمالي والميزانية العامة للدولة أسيرة لتذبذبات أسعار النفط ارتفاعا وهبوطا ما يعكس اختلالا وتشويها واضحا في التوازن الاقتصادي المطلوب. وفي الواقع فإن مجمل العملية الاقتصادية والتنموية وتأثيراتها على المستوى الاجتماعي، تعود إلى اعتماد اقتصادنا على إنتاج سلعة واحدة «النفط» ناضبة مهما طال عمرها الافتراضي، لهذا نرى التأرجح والتذبذب الصارخ على صعيد الموارد والميزانية العامة للدولة والدورة الاقتصادية ومستوى دخل الفرد وأوضاعه المعيشية والحياتية التي ترتبط بدرجة أساسية بمواردنا من النفط وهذه حالة غير صحية على الإطلاق. إذ لا يمكن لأي اقتصاد نام أومتطور في العالم أن يستمر في الاعتماد على إنتاج سلعة واحدة مهما بلغت أهمية واستراتيجية هذه السلعة، بخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الضغوط المختلفة التي تتعرض لها بلدان العالم المتخصصة أو المعتمدة على إنتاج المواد الخام أو سلعة واحدة.
ثمة العديد من القضايا الرئيسية الجدية العالقة التي لا تزال عصية على الحل لأسباب وعوامل مختلفة في بلادنا لم تستطع الموازنات السنوية وخطط التنمية المتتالية والبالغة ثماني خطط خمسية إيجاد حلول ناجعة لها حتى الآن. وذلك لا يعني بتاتا إغفال أو تجاهل ما تحقق من منجزات حقيقية على مدى العقود الماضية على صعيد التنمية وقطاع الخدمات والموارد البشرية والمشروعات الاجتماعية، وقد أسهمت الإيرادات النفطية بدور رئيسي في ذلك.