المساواة مع جميع خريجي الجامعات!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٤/يوليو/٢٠١٦ ٢٣:٥٦ م
المساواة مع جميع خريجي الجامعات!

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

المسح الذي أجرته دائرة مسح الخريجين بوزارة التعليم العالي مؤخرا مع المسؤولين التنفيذين لأرباب العمل في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص أسفر عن أمر يجب الاهتمام به من قبل مسؤولي المؤسسات المعنية في القطاعين العام والخاص. ومرد هذا الأمر يعود إلى نتيجة هذا المسح ، حيث أكد حوالي 80% من التنفيذين في المؤسسات العمانية بأنهم لا يفرقون بين خريج الجامعات المعتبرة في العالم وغيرها من الجامعات الأخرى سواء المحلية أو الخارجية. وربما يعود هذا الأمر إلى مبدأ المساواة مع جميع الخريجيين بغض النظر عن أسماء وقوة الجامعات وسمعتها التعليمية على المستوى العالمي. إلا أن 20% من هؤلاء التنفيذين كان لهم رأيا آخرا وهو أنهم يفضلون توظيف الخريجين من جامعات وكليات محددة.
ما نعرف عن هذا الموضوع هو أن المؤسسات والشركات وكذلك الوزارات في عدد كبير من دول العالم تبدي إهتماما كبيرا بأن يكون العاملين لديها من جامعات وكليات مرموقة، ولها سمعة طيبة في عملية البحث العلمي، خاصة في التخصصات التي تعمل فيها تلك المؤسسات. ففي دول أجنبية كأمريكا واليابان والدول الأوروبية وبعض الدول الأسيوية أيضا نجد أن الكثير من الكليات في الجامعات لا تقبل طلبة الثانوية العامة، إلا أذا كان درجاتهم عالية في التخصصات التي يريدون الدراسة بها.
وهناك اليوم مؤسسات وشركات تقدّم طلباتها لجامعات معينة بحيث يتم تحويل الطلبة المتخرجين لديها في التخصصات التي تحتاج إليها فور تخرجهم وفق جدول تعيناتها السنوية، بل أن بعض المؤسسات والشركات تنتظر تخرجهم من تلك الجامعات لتقدّم لهم العروض المغرية للعمل لديها. وقد شاهدت هذه الظاهرة بجامعة بوسطن بولاية ماساتشوسس الأمريكية عام 1987 عندما كنت مشاركا في برنامج دبلوم الاعلام الاقتصادي الذي كانت تقدمه وكالة الاعلام الأمريكية للصحفيين العرب. وضمن دراستنا في هذا البرنامج، كان علينا تقديم عرض لطلبة كلية الاعلام والعلاقات العامة بالجامعة حول بعض القضايا الاقتصادية المتعلقة بين الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية. وقبل الأنتهاء من هذا العرض شاهدنا أن معظم الطلبة الحاضرين بدأوا في مغادرة القاعة بعشر دقائق قبل انتهاء موعد العرض. وعرفنا لاحقا بأن عدد من المسؤولين وممثلي شركات العلاقات العامة والاعلام والاتصالات من ولايات أمريكية مختلفة حضروا لإجراء المقابلات من الطلبة الذين سيتخرجون من هذه الجامعة بعد شهر لتقديم عروض العمل لهم فور الانتهاء من تعليمهم ، في الوقت الذي كان بعض الطلبة يعمل في تلك الشركات والمؤسسات في فترات المساء لاكتساب الخبرات المطلوبة. وأخبرنا المسؤول في الجامعة بأن هذه الشركات تقوم باصطياد الطلبة للعمل لديها نظرا لسمعة الجامعة في هذا التخصصات التي تهم العالم. وهذا يعني بأن مسؤولي تلك الشركات والمؤسسات يبدون حرصا كبيرا بأن يكون العاملين لديهم من جامعات وكليات مرموقة، ولها باع كبير في العمل الاكاديمي والبحث العلمي.
اليوم نرى هناك آلافا من خريجي الجامعات في الدول العربية، إلا أن مراتب معظم تلك الجامعات العربية في حضيض وتحتل مراكز متأخرة في قائمة الجامعات العالمية. وهذا الأمر يستدعي بأن تكون هناك نظرة فاحصة في المؤسسات والشركات عند اختيار الخريجيين للعمل لديها. ففي الدول العربية تلعب العلاقات الاجتماعية دورا كبيرا في تعيين الاشخاص في المؤسسات سواء الحكومية أو القطاع الخاص، والواسطة لها أيضا دور كبير في هذه التعيينات والترقيات، بغض النظر عن التخصص والتقييم النهائي وسمعة الجامعة التي ينتمي إليه الخريج. وهنا لا نقلل من قيمة أية جامعة، ولكن كمسؤولي الشركات والمؤسسات والدوائر الحكومية يجب ألا تقل نظرتنا لاحتياجاتنا من الخريجين عن نظرة المسؤول الياباني أوالكوري أوالامريكي وغيره، حيث أن هؤلاء حريصون على توفير العمل للخريج الذي ينتمي إلى جامعة مرموقة وفي تخصص تحتاج إليه مؤسساتهم، وهذه هي العدالة، لأن خريج الجامعة المرموقة عاش في ظروف تعليمية صعبة بسبب حجم ونوعية الدراسة والبحث العلمي الذي تطلب منه أداؤه، عكس الجامعات التي تبحث عن زيادة عدد الطلبة لديها لتحسين مستواها المالي فقط على حساب سمعة الخريج الذي لا يفقه كثيرا عند تخرجه سواء في تخصصه أو في أمر آخر، لأن الآخرين قاموا بعملية اعداد البحوث والدراسات له لكي يحصل هو على الشهادة الجامعية فقط.
وأخيرا أشير إلى أمر آخر في هذا المسح هو أن حوالي 60% من أرباب العمل أشاروا أنه لا يوجد تفضيل في توظيف الخريجين من الجامعات والكليات في السلطنة أو خارجها، بينما أشار 31% منهم أنهم يفضلون التوظيف من الجامعات والكليات من داخل السلطنة، وما نسبتهم أكثر من 9% أنهم يفضلون خريجي الجامعات و‏‏الكليات من خارج السلطنة. وهذه النسب بالتأكيد ستغيير في المستقبل عندما تكتشف المؤسسات بأن خريج جامعة معينة أحسن بكثير من زميله من جامعة أخرى. عندها ستنتظر تلك المؤسسات اختيار الخريج الذي ينتمي إلى الجامعات المرموقة.