عبدالناصر والعرب

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٤/يوليو/٢٠١٦ ٢٣:٥٥ م
عبدالناصر والعرب

احمد المرشد

يحدوني الأمل من يوليو ليوليو أن يكتب الله لي عمرا لكي أضيف جملة عن ثورة يوليو المباركة، ثورة الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر التي رفعت من شأن العرب ووحدت كلمتهم ضد الاستعمار، وكانت الثورة إحدي عوامل انهيار عصر الإمبريالية في كثير من الدول.

عندما نجح عبد الناصر في زرع بذرة الثورة لتنال الشعوب حرياتها وثرواتها المسلوبة، لم يغب عن وعيه في هذه الآونة أن الدول الاستعمارية ستعيد الكرة مرة اخري لتقتحم مناطقنا، ليس بقوة السلاح كما كان في السابق، ولكن السلاح اختلف هذه المرة، فكان تحت شعار "الديمقراطية " وهو شعار زائف لم نجن منه سوي الدمار والمر والعلقم، فبذرة الحرية التي زرعها عبد الناصر فينا ينتزعها المستعمر بسلاح نشر الفوضي الخلاقة في منطقتنا، وهو السلاح الذي توعدتنا به كوندوليزا رايس وزيرة خارجية جورج بوش الإبن، هذا الصهيوني المسيحي اليميني الذي دمر العراق بحجة تملكه أسلحة دمار شامل، ليأتي تقرير شيلكوت البريطاني ليبرأ العراق ، وليدين مباشرة توني بلير وجورج بوش الذي يدعي أن العالم أفضل بدون صدام حسين.

طبعا لمثل هؤلاء الأقزام، فإن العالم أفضل بدون عبد الناصر ، فناصر مثل لهم كابوسا لم يفيقوا منه سوي بوفاته، حتي في لحظات انكسار مصر ونكسة 1967 استطاع الجيش المصري تحت قيادة عبد الناصر الواعية والمتحفزة لتحقيق النصر في لملمة وحداته بسرعة استعدادا لمعركة النصر، فكانت حرب الاستنزاف التي لا يزال العسكريون يكتبون عنها مؤلفات كثيرة، تؤكد جميعها عظمة عبد الناصر في شن معركة ما قبل حرب اكتوبر بما مهد للمصريين الفرصة لتحقيق انتصارهم الكبير مدعومين بسلاح وجنود عرب.

لقد ذهب جمال عبدالناصر، وهو رجل عظيم، منح بلده وأمته وقارته وعالمه الحرية وزرع فيهم بذرة الكرامة، ليكون من أشهر ثوري العالم وأعظمهم عطاء وانجازا، وهو ما ندعو اليه شعوبنا العربية اليوم لكي تتأسي بهذا الرجل، الوحدوي، العروبي
الذي ضحي بنفسه وصحته وحياته من أجلنا جميعا، فلنواصل مسيرة الوحدة والعروبة.

ولعلي أقول كلمة لكل أولئك الذين يسنون سكاكينهم لذبح ذكري يوليو من عقولنا ونفوسنا، ويستغلون ذكري ثورة يوليو ليشنوا عليها هجومهم المكرر وليبثوا فينا روح اليأس، لن تفلح محاولاتكم الخبيثة، وتحديدا في ذكري هذا العام التي تأتي بعد أيام من قليلة من تقرير شيلكوت البريطاني الذي أعلن براءة صدام حسين من تهمة تسليم العراق للأمريكيين، فالغرب هو الذي تآمر علي جمال عبد الناصر ومن بعده صدام حسين، ولعلي أقول لكل المتأمرين من بني جلدتنا، من بني العرب، ستخيب مساعيكم الخبيثة ولن تنالوا من زعماء الوحدة العربية، فعبد الناصر وحد أمريكا اللاتينية وإفريقيا وأسيا، وكان زعيما لمنظمة الوحدة الإفريقية وعدم الانحياز، وسيظل عبد الناصر رمزا للثورات العربية والإفريقية والأسيوية وأمريكا اللاتينة، وسيظل اسمه محفورا بحروف من دهب، ويكفيه صوره وتماثيله التي تملأ ميادين العالم وشعاراته التي يحفظها كل ثوري في العالم.

ولكل من يقول أن عهد عبد الناصر انتهي ولم يعد له وجود، أذكرهم بالعودة الي الميادين المصرية خلال ثورات المصريين علي مدي السنوات القليلة الفائتة، ليروا بأم أعينهم كيف كانت صور عبد الناصر تملأ الميادين، فمن الذي استدعاها من الذاكرة مع تميز تلك الثورات بعنصر الشباب، إنه إرث عبد الناصر ، فعبدالناصر هو الزعيم الذي غرس فى وجدان الشعوب الثورية شعارات الحرية والكرامة والعيش والعدالة. فهذا الإرث يشرف كل مصري، وعربي، وإفريقي، وأسيوي، وأمريكي لاتيني.

من أفضل قراءاتي عن الزعيم جمال عبد الناصر حكاية يرويها الأديب المصري بهاء طاهر، فقد زار ضمن وفد لمنظمة اليونسكو التي كان يعمل بها كينيا.. وتوجه مع الوفد الي إحدي القري النائية ليشاهد صاحب محل صغير يعلق صورة جمال عبدالناصر علي الحائط .. فكان من الطبيعي أن يسأل بهاء طاهر صاحب المحل عمن يكون صاحب هذه الصورة التي يعلقها ولم يعلق صورة لرئيس دولته كما جرت العادة في العالم الثالث.. اندهش الرجل من سؤال بهاء طاهر، حيث لم يكن يتوقع أن أحدا في العالم لا يعرف جمال عبدالناصر. فأجاب علي سؤال بهاء طاهر بقوة : "إنه (أبوإفريقيا)". يقول بهاء طاهر أن صاحب المحل تعمد ألا يذكر اسم جمال عبدالناصر في إجابته، لأنه فضل أن يختار لقب (أبو إفريقيا)، وهنا واصل بهاء طاهر أسئلته للرجل:" ومن هو (أبو إفريقيا)؟"، وهنا أجاب الرجل بتؤدة وقوة معا مفتخرا برده: "وهل هناك غيره ، إنه جمال عبدالناصر".

يستكمل بهاء طاهر روايته عن الواقعة، ليؤكد أنه لم يشعر بفخر في حياته مثلما كان هذا اليوم، ويزيد قائلا: المواطن الكيني البسيط شعر بعدم الراحة وأبدي امتعاضه لأنه صادف أحد سكان العالم لا يعرف جمال عبدالناصر، فماذا لو عرف هذا الرجل الكيني أن بعض المصريين الآن يلومون جمال عبدالناصر بسبب وقوفه مع الثورات وحركات التحرر الإفريقية وهو السبب في حصوله علي لقب (أبوإفريقيا)؟.. وماذا لو عرف هذا المواطن الكيني أن بعض المصريين والعرب لا هم لهم سوي الهجوم علي عبدالناصر في وقتنا الراهن؟. هذا هو جمال عبد الناصر (أبو إفريقيا والعروبة) إذ تشهد له الثورات الجزائرية واليمنية وأهل السودان وسوريا.

واتذكر أنه عندما فاز رئيس البرلمان المصري فتحي سرور في أواخر التسعينات برئاسة البرلمان الدولي، أن علق علي فوزه الساحق بقوله :" جمال عبد الناصر هو سبب فوزي، فكل البرلمانات الإفريقية صوتت لصالحي تحية لذكري عبد الناصر". إنه عبد الناصر الذي قال فيه زعيم جنوب إفريقيا الشهير نيلسون مانديلا عندما فازت بلاده بتنظيم بطولة كأس العالم عام 2010، إن بلاده ولا غيرها لم تكن لتجرؤ أن تنافس مصر علي تنظيم تلك البطولة في وجود جمال عبد الناصر.

علي شعوب دول ما يسمي بـ"الربيع العربي" أن يدركوا جيدا كيف كانت ثورة يوليو نبراسا لكل شعوب العالم، عربا وأفارقة وأمريكا اللاتينية وأسيا، لكي ينالوا استقلالهم وحريتهم.. وعلي هذه الشعوب أن تعي ضرورة استعادة الروح الوحدوية لمواجهة المخططات الأمريكية والبريطانية والروسية، فما أجهضه عبد الناصر زمان يسعي للنيل من منطقتنا ودولنا وشعوبنا وحاضرنا ومستقبلنا. وعلي هذه الشعوب أن تتوحد كما توحدت الشعوب في عهد عبد الناصر للقضاء علي المخططات الدولية التي تكاد تقترب مننا وتعيد احتلال الدول مرة اخري، بعد أن نجحت تدريجيا في تفتيت كيانات الشرق الأوسط الي دويلات صغيرة لتسهل لنفسها عملية الانقضاض عليها.

لقد تغيرت السياسة بمصر مرات عديدة، ولقي إرث عبد الناصر الغني بالقوة والإرادة مقاومة شديدة من قبل البعض علي مر سنوات كثيرة، ليعيد زعيمها الحالي عبدالفتاح السيسى كتابة تاريخها الحديث بانجازاته العديدة التي اضحت ملموسة للشعب المصرى رغم أنه لا يزال ينتظر الكثير، فالرئيس المصري يدرك حجم التحديات الهائلة التي استطاع استطاع التغلب علي معظمها ، وأهمها توفير الطاقة حيث كانت الكهرباء تنقطع بإستمرار خاصة فى فصل الصيف ، كما اقتحم السيسى المناطق العشوائية الخطرة وقرر تنفيذ مشروع قومى للقضاء على العشوائيات ، وفى الصحة ومن خلال صندوق تحيا مصر قرر القضاء على مرض "فيروس سى" ، ولا شك ان المواطن المصرى يعرف جيدا أن قيادته وضعت الوطن على أول طريق الإنجازات وأن القادم أفضل.

إن الإنجازات التى حققها الزعيم المصري عبد الفتاح السيسى لم تتحقق منذ سنوات، لدرجة جعلت بعض المؤسسات المصرية تطالب بتسمية يوم " 6 اغسطس" من كل عام "يوم الإنجازات المصرية" بمناسبة افتتاح قناة السويس الجديدة وتقديرا لإنجاز مشروع القناه فى عام بقرار من القيادة وتمويل من الشعب وتنفيذ قواته المسلحة. فكل الإنجازات التى حققها السيسى تجعله ان يكون قائدا للإنجازات لعام 2016، وربما كان أهمها قراره كوزير دفاع مصر في عهد الإخوان أن يتخذ القرار الصعب ليقف الجيش بجوار شعبه ليكون سنده ونصيره في ثورته ضد الإخوان الذين حاولوا سلب مصر من شعبها وماضيها وتاريخها لتكون في عهدة المرشد، ومن هنا جاء الربط بين ثورة يوليو التي قام بها الجيش ووقف الشعب بجانبها يؤازرها بكل قوته وإرادته وثورة 30 يونيو التي فجرها الشعب ليجد جيشه نصيرا له في ثورته وداعما له في مطالبه بإزاحة كل من أراد تحويل مصر الي دولة دينية.

كاتب ومحلل سياسي بحريني