بريطانيا المغلقة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٤/يوليو/٢٠١٦ ٢٣:٥٤ م
بريطانيا المغلقة

دومنيك مويسي

لقد أعلن الرئيس الأمريكي فرانكلين د روزفيلت في أحدى المرات أن "الشيء الوحيد الذي يجب أن نخافه هو الخوف نفسه " . إن إستفتاء المملكة المتحدة على الخروج من الإتحاد الأوروبي والذي أختار أكثر من نصف الناخبين فيه الخروج من الإتحاد الأوروبي أثبت أن كلام روزفيلت غير دقيق تماما حيث يتوجب علينا أن نخاف من أشخاص مثل القادة الشعبويين في بريطانيا والذين يستغلون مخاوف الناس من أجل تحقيق نتائج مخيفة بحق وفي هذه الحالة فإن هذه النتيجة قد تؤدي لتفكك الإتحاد الأوروبي.
بعد 43 سنة من عضوية الإتحاد الأوروبي قررت بريطانيا بإفضل طريقة ديمقراطية ممكنة الإنغلاق على نفسها ولكن بغض النظر عن براجماتية وواقعية البريطانيين ، إلإ إنهم قرروا التصويت ضد مصالحهم . ربما أن البريطانيين برفضهم للإتحاد الأوروبي قد حكموا على بلدهم بالفقر التدريجي وربما أيضا بالتفكك الذي قد لا يكون تدريجيا حيث ذكر زعماء اسكتلندا وإيرلندا الشمالية والتي صوتت بشكل ساحق للبقاء في الإتحاد الأوروبي أنهم يريدون الخروج.
لقد كان يتوجب على البريطانيين الخوف من الخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي ولكن المنطق الذي تم الدفاع عنه بشكل ضعيف من قبل ممثلي السلطة الذين يفتقدون للإلهام والثقة لم يستطع الصمود أمام مخاوف ما قد يأتي من خلال باب تم تركه مفتوحا لبقية أوروبا وبقية العالم.
إن المفارقة الحقيقية هي أنه عندما قال البريطانيون لا لإوروبا ( على خطى الفيتو الشهير لشارلز ديجول على طلب بريطانيا الأول للمشاركة في الإندماج الأوروبي) فإنهم الأقرب من الناحية العاطفية لمواطني بقية أوروبا وهذا في واقع الأمر يعتبر مشكلة.
إن الناس في طول أوروبا وعرضها وفي جميع أنحاء العالم يخافون من العولمة والتي برأيهم قد جلبت مصدر تهديد يتمثل "بالآخرين "لحياتهم اليومية وقوضت سبل عيشهم بينما أفادت فقط النخب. أن هولاء الناس يشعرون بالخوف على أمنهم ووظائفهم وهم يشعرون بالغضب من القادة الذين فشلوا في الدفاع عن مصالحهم.
إن النتيجة هي أن "الناس الذين لا يملكون " ينقلبون بشكل متزايد على النخب التي تتمتع بالإمتيازات وهكذا على الإنفتاح الذي تفضله تلك النخب حيث يطالبون بالعودة إلى ما ينظرون إليه على أن ماضي أكثر قابلية للتنبؤ وأكثر أمنا .إن الحنين كان عاملا محركا لحملة الخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي بالإضافة إلى الرغبة في معاقبة الأوغاد المسؤولين .
إن التصويت على الخروج البريطاني لم يأتي بالصدفة أو كان مفاجئا بل كان نتيجة لمخاوف وإحباطات عميقة على الرغم من أن المرء لم يكن ليتوقع أنه بالنسبة للعديد من البريطانين فإن الغريزة ستصبح نقطة وصول وليس نقطة مغادرة وعلى أية حال فإن تلك الغرائز ما كانت لتأخذ المملكة المتحدة خارج الإتحاد الأوروبي قبل بضعة سنوات . لقد كان ذلك سوء تقدير سياسي خطير جعلت هذه التراجيديا السياسية ممكنة.
إن أحد أهم الدروس من حملة الخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي هو أنه عندما يحاول السياسيون التلاعب بمشاعر المجتمع لغاياتهم الخاصة كما فعل رئيس الوزراء ديفيد كاميرون فإن الأمور قد تخرج عن السيطرة بسرعة كبيرة. إن صب البنزين على نار الخوف والإحباط قد يكون قد مكن كاميرون من الفوز هو وحزبه بإنتخابات 2015 ولكنه أنتج حريق أتى على حزبه وإرثه وبلاده.
إن المشكلة بالنسبة لبقية أوروبا هي أن الخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي قد يؤدي لتسريع المشاعر الشعبوية مع قيام شخصيات شعبوية غير مسؤولة بصب الزيت على النار وحتى دونالد ترامب المرشح الجمهوري المفترض للرئاسة الأمريكية عبر عن دعمه للخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي وعلى الرغم من جهله فإنه يعرف مدى قوة الوعد "بإن يستعيد المرء بلده" والناس مثل ترامب لا يبدو أنهم يشعرون بالقلب من العواقب فهولاء ليسوا ونستون تشرشل المعاصر.
إن مدى تفكك أوروبا وعواقب تلك العملية ما تزال في علم الغيب ولكن من المنطقي التوقع بإن تشعر الحركات الشعبوية والإستقلالية في أوروبا وخارجها بتجدد نشاطها بسبب ذلك الخروج . إن من المؤكد أن صورة أوروبا التي تبدو في تراجع نهائي ستقوض قوتها الناعمة.
إن الدور الأوروبي على الساحة الدولية يتعرض لتهديدات وعليه يتوجب على قادة أوروبا وبشكل عاجل أن يقوموا بتقييم ذاتي كبير حرفيا ومجازيا فهم بحاجة لإن يعرفوا ما الذي فعلوه –أو لم يفعلوه- لخسارة ثقة مواطنيهم وصياغة خطة على المستوى الوطني ومستوى الإتحاد الأوروبي لإستعادة تلك الثقة.
إن من المهم للغاية أن مثل هذا التقييم يجب أن يسبق أي دفع بإتجاه المزيد من الإندماج ولو أطلق الإتحاد الأوروبي جهودا مذعورة للتقدم للإمام فإنه سيثبت بذلك عدم فهمه لما يحدث حقا.
إن تاريخ 23 يونيو لن يسجل في التاريخ كيوم إستقلال المملكة المتحدة كما وعد بوريس جونسون عمدة لندن الاسبق وزعيم حملة الخروج من الإتحاد الأوروبي بل سوف يذكره الناس على أنه اليوم الذي إستيفظت فيه أوروبا أخيرا وأدركت أنه حتى تؤمن وتحفظ مستقبلها فإن خيارها الوحيد هو الإلتزام بإعادة تشكيل نفسها.

أستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس وهو مستشار رفيع في المعهد الفرنسي للشؤون الدولية