تركيا.. أردوجان يرسخ سلطته

الحدث الأحد ٢٤/يوليو/٢٠١٦ ٢٣:٤٨ م
تركيا.. أردوجان يرسخ سلطته

أسطنبول – ش – وكالات
تشهد تركيا - الواقعة عند مفترق الطرق بين أوروبا المقسمة والشرق الأوسط باضطراباته - صراعا على السلطة بين حليفين سابقين هز مؤسساتها الديمقراطية وأثار من التساؤلات ما يمس مسارها مستقبلا.

المعركة مستمرة
ومنذ الانقلاب الفاشل الذي وقع في 15 يوليو الجاري أصبحت الغلبة لحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي أسسه الرئيس رجب طيب أردوجان في معركته مع شبكات سرية في مؤسسات الجيش والقضاء والجهاز الإداري كلها موالية لرجل الدين فتح الله جولن الذي يقيم في الولايات المتحدة، وتهدف معركة أردوجان إلى ترسيخ سلطته من جانب، واستئصال نفوذ جولن.
وقد أزعج هذا الصراع المرير الغرب وهز أركان تركيا ذات الثمانين مليون نسمة المتاخمة للعراق وسوريا بما يشهدانه من فوضى وهي في الوقت نفسه حليفة للغرب في الحرب على تنظيم داعش.
ويتهم أردوجان جولن بتدبير المحاولة الانقلابية التي نفذتها مجموعة داخل القوات المسلحة وقد اعتقلت حكومته أكثر من 60 ألفا في عملية يأمل أن يطهر بها تركيا مما وصفه "بفيروس" جولن.
وتنفذ تركيا عملية التطهير في وقت تواجه فيه هجمات من تنظيم داعش وتجدد الصراع مع المسلحين الأكراد ويتجاوز نطاقها من تم احتجازهم من رجال القوات المسلحة وعددهم أكثر من 100 جنرال و6000 جندي أو من القضاة ويقارب عددهم الثلاثة آلاف.
فقد شملت الاعتقالات 21 ألف مدرس وعددا كبيرا من أساتذة الجامعات واستهدفت كذلك شخصيات جديدة في عالم الإعلام رغم ما شهده في السنوات السابقة من فصل للعاملين وغرامات وأحكام بالسجن بل وإغلاق مؤسسات إعلامية.
وقال أردوجان لرويترز في مقابلة يوم الخميس "هم خونة" ووصف شبكة جولن بأنها مثل "السرطان" وقال إنه سيعامل أتباعه مثلما يعامل أتباع "منظمة انفصالية إرهابية" وسيجتثهم من جذورهم أينما كانوا.
وينفي جولن (75 عاما) التآمر على الدولة وقال في اليوم التالي للمحاولة الانقلابية إنها ربما كانت مدبرة من قبل السلطات لتبرير الحملة على أتباعه.
ولا يعرف الملايين من أعضاء حركة "خدمة" التي أسسها جولن أنفسهم علنا بأنهم من أنصاره. ومنذ محاولة الانقلاب عمد كثيرون إلى الاختباء ورفضوا الرد على المكالمات بل وحاول البعض مغادرة البلاد.

أتباع جولن يهربون
وقال نديم سينر الصحفي الاستقصائي بصحيفة بوسطة الذي ألف كتابا عن جهود حركة جولن للتغلغل في الدولة ودخل السجن عام 2011 حيث أمضى فيه أكثر من عام إن بعض أتباع جولن عمدوا إلى التخلص مما بحوزتهم من كتب في الغابات وإن ناشرين يتخلصون مما لديهم من مخزونات.
وتحدث أحد كبار الصحفيين بجريدة تربطها صلات بجولن مشترطا عدم نشر اسمه خوفا من الانتقام منه فقال إنه كان يخاف هو وبقية المحررين من الذهاب إلى مقر الجريدة في الأيام التي أعقبت المحاولة الانقلابية وإن المطابع التي يتعاملون معها رفضت الاستمرار في طبع الجريدة.
وأضاف "نصحت زملائي بعدم الذهاب إلى المقر حرصا على سلامتهم. فقد أصبحت الجريدة عبئا. وقد اختفت.. وأنا خائف على أسرتي وعلى حياتي. الخروج أصبح خطرا."
وسئل عما إذا كان من أتباع تعاليم جولن فقال "الإجابة على هذا السؤال قد تستخدم الآن كدليل ضدي. الآن من الممكن أن أقدم للمحاكمة بسبب كتاب احتفظ به في البيت. الكل خائف من الاتصال بأصدقائه وخائف من أن يتسبب ذلك في اعتقاله. المناخ أصبح مناخ خوف في كل مكان."
وقال محلل متخصص في الشأن التركي طلب عدم ذكر اسمه خاصة أن إعلان حالة الطوارئ قد يمس من يوجهون انتقادات للدولة "هو في جوهره ليس صراعا فكريا بين العدالة والتنمية وتيار الخدمة، لأن أفكارهما العقائدية متشابهة جدا. فكلاهما يريدان تحويل تركيا إلى مجتمع إسلامي أكثر محافظة." وأضاف "هو صراع على السلطة وقد انفض هذا التحالف بسبب الخلاف على اقتسام السلطة."
حلفاء الأمس
وعندما تولى حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا، وكان الرئيس رجب طيب أردوجان، في بداية مشواره السياسي، تحالف المحافظون من أحزاب إسلامية، لمواجهة الجنرالات المفرطين في العلمانية داخل الجيش، إلى جانب مواجهة القضاة الذين حلوا سلسلة من الأحزاب الإسلامية.
وفيما أعقب ذلك من مناوشات وبعد أن حاول الجيش والمحاكم إقصاء حزب العدالة والتنمية في 2007-2008 اتجه أردوجان إلى طلب المساعدة من جولن الذي كانت حركته قد اجتذبت أتباعا موالين لها في صفوف الشرطة والقضاء وأجهزة الخدمة المدنية.
وكان جولن الداعية الإسلامي الذي يعيش في منفى اختياري بولاية بنسلفانيا منذ عام 1999 قد أنشأ سلسلة من المدارس في تركيا ومختلف أنحاء العالم يروج من خلالها لأهمية التعليم والتقدم العلمي والتعايش فيما بين الأديان ومحاربة الفقر.
وبعد الصعود للسلطة أصبح أردوجان وحزب العدالة والتنمية يعتمدان على أتباع جولن في حرب الطرفين المشتركة على الجيش. وكان مدعون عموميون من أتباع جولن هم الذين أقاموا في الأساس محاكمتين كبريين لعدد من كبار قادة الجيش بتهمة التآمر على الدولة وذلك بعد أن نجا أردوجان وحزبه بأعجوبة من قرار يحظر عليهما العمل بالسياسة في عام 2008.
وفي هاتين القضيتين تم إقصاء أكثر من 40 جنرالا واستبعاد خصوم للحزب الحاكم وحركة خدمة في الوقت نفسه. واتضح في وقت لاحق وبعد إسقاط كثير من الاتهامات أن أدلة مزيفة استخدمت في إدانة الضباط.
غير أن ما حققه أنصار جولن من نجاح في مساعدة أردوجان على كسر قبضة الجيش على الحياة السياسية في تركيا شجعهم على المطالبة بمزيد من السلطات في أجهزة الأمن والجيش.

*-*
حل الحرس الرئاسي التركي على إثر محاولة الانقلاب الفاشلة
أعلنت السلطات التركية نيتها حلّ قوات الحرس الرئاسي بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت مؤخراً، بينما أعلنت مصادر أن أحد كبار مساعدي الداعية فتح الله جولن تمّ اعتقاله شمال البلاد.
وأعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أن السلطات التركية ستحل الحرس الرئاسي، وذلك بعد توقيف نحو 300 من عناصره اثر محاولة الانقلاب. وتزامناً مع ذلك أوقفت السلطات أحد كبار مساعدي الداعية فتح الله جولن الذي تتهمه السلطات بتدبير الانقلاب الفاشل في 15 يوليو، بحسب ما ذكر مسؤول حكومي.
وأوضح المسؤول الذي لم تكشف هويته أن القوى الأمنية أوقفت هايلز هانجي في محافظة طرابزون في شمال البلاد على البحر الأسود، مشيراً إلى أن هانجي هو "الذراع الأيمن" لجولن والمسؤول عن نقل الأموال التي تصل إليه.
وقال يلدريم في حديث تلفزيوني: "لن يكون هناك حرس رئاسي، ليس هناك سبب لوجوده، لسنا بحاجة إليه". وأشار إلى أن عناصر من الحرس الجمهوري كانوا بين أعضاء مجموعة دخلت مبنى التلفزيون الرسمي "تي ار تي" خلال محاولة الانقلاب الأسبوع الماضي. وأجبرت هذه المجموعة مذيعة على قراءة بيان يعلن الأحكام العرفية وفرض حظر التجول.
ورفعت تركيا السبت إلى ثلاثين يوماً فترة التوقيف على ذمة التحقيق وقامت بحل أكثر من ألفي مؤسسة، محذرة أوروبا من انها مستمرة في ردها على أنصار الداعية فتح الله جولن الذي تتهمه بتدبير محاولة الانقلاب في 15 يوليو.