آمنة الوردية: القراءة هي الوريد الخصب للكتابة في شتى الموضوعات

مزاج الأحد ٢٤/يوليو/٢٠١٦ ١٢:٢٧ م
آمنة الوردية:

القراءة هي الوريد الخصب للكتابة في شتى الموضوعات

مسقط –
ترى الكاتبة الشابة آمنة الوردية أن الذاكرة هي من تجعل من الكتابة ثورةً تحول الماء الراكد في بنية الورق لشلالات مشاعر وتدفع لمطر الشعور لأن ينهمر بوقع العزف المنفرد. في الحوار التالي نبحر مع الوردية في عوالم الكتابة ونتعرف على الدوافع التي تحفز الكاتب ليعبر عن مشاعره وآماله وآلامه.

الكتــــــابة ذات صلة بالجذور الــــــعمرية، كيـــــف تشكّلت طفولتك الـــــذاتية آن ذاك؟

كثيرًا ما أشكر القدر، حين أنجبني وسط عائلة مُحبة للقراءة. طفولتي كانت خالية من المسلسلات الكرتونية التي كانت لا تبرح أي منزل أو بالأحرى هي كانت خالية من التلفاز تمامًا. وذلك لتوجه والدي -حفظه الله- بمنع التلفاز من منزلنا لأجل التربية السديدة. فبعيدةً عن التلفاز، قريبةً من القصص كانت المرحلة العمرية الأولى من طفولتي.

توجهتُ لقراءة قصص الأنبياء وقبل كل ذلك طبعًا القرآن الكريم. فأعتقد من هُنا كانت البداية حيث طفولة بلا شوائب الكرتون.

متى حصل أول عبور إلى تفاصيل ذلك الكتاب خارج منظومة الروتين الدراسي؟

حقيقةً لا أدرك رقمًا معينًا من سني، ولكن بهذا السؤال ذاكرتي تعود لسنة 2002 ميلادية. حَيثُ الصف الثالث الابتدائي أتذكر في ممرات مدرستي كانت بين يداي قصة سيدنا يوسف عليه السلام. ولكن أعتقد أول عبور للكتاب كان قبل هذا العُمر للقرآن الكريم.
بعد ذلك ما يقارب سنة 2007 تَعمَقتُ في قراءة كتاب (لا تحزن) لعائض القرني. أبحرت بين أبجدياته الجميلة وطقوسه الكتابية الفذّة. ربما هذا العبور لهذا الكتاب جعل أرض حرفي خصبة.

في العادة، تأتي الكتابة من بوابة ذاكرة الحواسّ وما تصنعه في الوجدان الشعوري المحفّز على الكتابة، كيف كنتِ تتعاملين مع اللغة في نسقها الكتابيّ الأول؟

كانت لغة بسيطة جدًا وسطحية، ذات مفردات دارجة ومستهلكة ربما. الكتابة هي رسالة بين الكاتب والمتلقي بغض النظر عن القوالب المستخدمة.

وأيضًا ما ينطبق على ذلك هو ترجمة لمشاعر داخلية على هيئة حروفًا ونثر. كُنت أتعامل معها كقرص دوائيّ يزيل الصداع المُتراكم في أعلى نقطة من رأسي. وكذلك كانت تفريغ لكل الشحنات السالبة أُخرجها على هيئة حرف وعزف.

كتابتك تشير إلى أنك تنتبهين إلى تكريس التجارب وتحويلها إلى نصوص، هذا مؤشّر عمري يقود إلى تخمين أن مرحلتك العمرية عشرينية، كيف تتعاملين مع هذه المرحلة؟

مرحلة ذهبية وجميلة جدًا؛ ولكن لابد من التعامل معها بحذر. في هذه المرحلة تتكون الشخصية والتوجهات الحياتية. يستقل الفرد برأيه يعرف صوابه من خطأه. هذه المرحلة بالذات تجعلني أكرس جهدي في القراءة أكثر والاطلاع على عوالم الكُّتاب، تجعلني لا أرضخ للواقع ولا أستسلم أن أمضي ثابته.

من المقدسات في هذه المرحلة العمرية شعوري بالفخر إزاء نفسي، حتى لو كان الإنجاز لا يساوي الكثير في عيون الآخرين، عيني تفوز دومًا بأنها المقياس الذي أثق به المقياس الذي يجعلني أرى في عملي ما لا يراه الآخر ما لا يستطيع فهم ما اجتهدتُ فيه أنا. في هذا العُمر تواجهنا الكثير من التحديات والمطبات وهُنا تكمن شخصية الفرد نفسه في كيفية تجاوزها وتخطي ما صُعب عليه.

وهُنا هَمسة أقولها لـطالما من حولي قد حفظها: إن الطريق نحو النجاح والقمة ليس طريقًا محفوفًا بالورود والزهور، وإنما مليء بالصعاب والتحديات.. وتحتاج لعزيمة، إصرار، مثابرة وتخطيط.

لاحظتُ - في سياق شخصي- أن كتابتك تميل إلى تعديد الأشكال الدلالية، وترتبط بالمزاجي واللحظي، ولكنها تنتمي إلى ذاكرة الأثر المكتوب (التأثر القرائي)، كيف توازنين بين حصاد الذات من الفلسفة الحياتية، وبين مناخات العوالم القرائية؟

ليست كُل كتاباتي تميل للأثر المكتوب أو التأثر القرائي. في الطرف الآخر هُنالك من يُلهم الروح فيخرج الحرف مُنساب بأريحية تامة. وفي كثير من الأحيان أحول الصُور إلى سرد وحكاية. لا أظن أن أحتاج لموازنة ما بين الأمرين.

فأنا حين أكتب أعي جيدًا تحت ماذا يندرج هذا وذاك. من وجهة نظري الشخصية أن مناخات العوالم القرائية هي مُكمِلة لحصاد الذات من فلسفة حياتية. ومنها ما يندرج في مخزون المفردات المستخدمة والقوالب الكتابية الدارجة. تبقى الكتابة هي رسالة ومتنفس ورئةً أولى قبل أن تكون ثالثة.

ثمة ما يشير - من واقع مرئيّات بعض منشوراتك في صفحتك الفيسبوكية- أن ثمة خزين من الغضب، أو ربما ذاكرة، تتحوّل إلى لغة غاضبة أحياناً، ما صلة هذا بالنص الذي تكتبينه؟ أتعتمدين تقنية الإسقاط الشعوريّ على سبيل المثال؟

الذاكرة، هي من تجعل ثورةً في الكتابة وتحول الماء الراكد في بنية الورق لشلالات مشاعر وتجعل لمطر الشعور أن ينهمر بوقع العزف المنفرد؛ لتفجر طاقة الجماليات بطريقة غير مألوفة وفريدة. إن الكتابة هي كُتلة شعورية على شكل حرف وسطر. والشعور يتباين ما بين الفرح، الحزن، الغضب، الحُب والخيبة. كل ذلك قد ينصب في قالب كتابيّ تُرجمة للحالة الشعورية للكاتب. ولكن ليس كل ما يكتبه الكاتب فهو يمثله.

فأقرب ما يكون إلي هو خيالي اكتب بالخيال أكثر من أيِّ شيء آخر.

التجربة الكتابية نوعية وليس مرتبطة بالعمر، وهي تراكمية وليست تسجيلية، ماذا تعني لك وسائل التواصل الاجتماعي من زاوية التجربة الكتابية؟

وسائل التواصل الاجتماعي لها النصيب الأكبر من ممارساتي الكتابية وتطور منهجية حرفي وعرض قوالب الكتابة بأنواع شتى.

هي من جعلتني أن أكتب أكثر كي أَتَلقى نقدًا يدفعني للأمام ويجعل عجلة كتاباتي تسير بطريق أفضل وأجمل. هذه المواقع عرّفتني بشريحة كبيرة جدًا من الكُّتاب، أشعلوا بروحي حُب التفرد والمواظبة نحو حرف أجزل وأعمق، ثم جعلت حرفي كطير حُر يحلق في سماوات أوسع.

تعبُرين بالكتابة نحو ماذا ؟

للإنسانية، الحُب، السلام، الحُرية والخيال.

أعبر بالكتابة لعوالم مجهولة وربما لا تمت واقعي بصلة. فأكتب عن الحب والخيبة؛ هي هكذا الحروف لا تستأذن الكاتب فيما يكتب تنصب من قلبه لقالبه الشعوريّ وقلمه. أكثر ما يلهمني: أمي، المطر، الشتاء، الليل، الصباحات عناوين الكُتب ونصوصها. فأعبر بينهما وأطرزُ الحرف بخيالات عميقة ولطيفة. الكتابة هي جسر التواصل، هي الوصول لأعمق شعور وأنبل إحساس. الكتابة هي الرئة الثالثة والصلاة السادسة. لا شيء كمثل الكتابة يوصلني إلى من أريد.

مرجعياتك القرائية حين تقرئين تعكس قراءة نوعية، وهذا يعني تلقّياً نوعيّاً بالضرورة، ما الذي سيكرّسه هذا الاختلاف لاحقاً في منظورك الكتابيّ؟

القراءة هي المُغذي والوريد الخصب لسواحل الكتابة في شتى الموضوعات، وهي الركيزة الأساسية لـ الصعود إلى عالم الكتابة، كما أنها تُثري الكاتب بمخزون مُفرداتيّ متنوع ومُزهر. بِلا شك سيكون هنالك اختلافا ملحوظا في تطور المفردات الكتابية بجانب القراءة المُثرية والمتنوعة. كل أملي أن أترك أثرًا طيبًا في كل حرف أصيغه.