الدبلوماسية العُمانية.. رؤيـة بلورتها حكمة السلطان

الحدث السبت ٢٣/يوليو/٢٠١٦ ٠٢:٤٧ ص
الدبلوماسية العُمانية..

رؤيـة بلورتها حكمة السلطان

مسقط -
بلور جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – رؤيةً حكيمة ومحددة لقواعد العمل الدبلوماسي في السياسة العُمانية، انطلاقاً من عدة ركائز، تستندُ إلى الإرث الحضاري العريق للسلطنة، وتاريخها السياسي الرائد، والدين الإسلامي، وحقوق الإنسان، الأمر الذي ولَّدَ نتائجَ طيبةً على صعيد علاقات السلطنة مع الخارج.

قيم عليا

يؤمن صاحب الجلالة بقيمٍ عُليا تتمثلُ في الانفتاح، ورفض التحزب، والانغلاق، والتسامح، إذ لطالما دعا إلى تجاوز الماضي انطلاقاً من «عفا الله عما مضى»، معايناً بذلك الأمور من منطقِ الحكمةِ والتوازن.

هذا المنطق، والفكر، وتلك القيم، أفرزت سياسات متوازنة إقليمياً، وعالمياً، أصبحت محطَ أنظار العالم، ومثالاً يٌقتدى لتعزيز السلام، وفض النزاعات، وتقريب وجهات النظر.

ويمكنُ للمراقب أن يلتمسَ، وبوضوح، أن الفكر السياسي لجلالة السلطان، أسهمَ ليسَ وحسب في تهدئة التوترات والنزاعات في بعض المناطق في العالم، وإنما أيضاً ساهمَ في إبعاد السلطنة عن التوتر، والتنازع مع الدول والتكتلات الإقليمية والدولية؛ لأن السلطان رفضَ بالمطلق منطق المحاور بمختلف مسمياتها، واختار الحياد الإيجابي، والتوسط لحل النزاعات، والمساهمة في دفع عجلة السلام إلى الأمام.

ويمكنُ لنا، أن نجدَ أمثلةً عديدة حول ذلك، من بينها الملف النووي الإيراني، الذي يعدُ الأكثر إشكاليةً، في منطقةٍ تشتعلُ بالحروبِ، والنكبات، فكان دور السلطنة، عاملاً رئيسياً، ومهماً، في إخمادِ نار نزاعٍ محتمل بينَ طهران والدول الغربية، وهو الأمر الذي أقرهُ وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عندما قال إن زيارتهُ لعُمان العام 2011 فتحت باب محادثات مع إيران، وفي المقابل أكد مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللهيان في تصريحات له على دور مسقط قائلا: «إن عمان لعبت دوراً إيجابياً في بناء واستئناف وتعزيز مسيرة المفاوضات النووية».

قبول السلطنة عالميا، يأتي من توازنها فـ «التوازن يزيل الخطر، وعدم وجود التوازن يزيد الخطر»، هذا ما أكدهُ السلطان في أحدِ تصريحاته الصحفية، وإلا «فإذا رجحت كفة جهة على أخرى فإن ذلك سيشجع الأولى على اتخاذ خطوات قد تكون مضرة»، وهو الأمر الذي يرفضهُ صاحب الجلالة إذ أن عدم التوازن من شأنه أن «يجعل المنطقة أكثر اشتعالا».

مبادئ السلام

ولا تخرجُ السلطنة في رؤيتها التي بلورها السلطان منذ بزوغ فجر النهضة المباركة عن الالتزام بمبادئ السلام بأفقهِ الإنساني الواسع؛ فهي ضد الحروب، والنزاعات، وانتشار السلاح، والإرهاب، وضمن مواقفها هذه، فالسلطنةُ تمتلكُ رؤيةً خاصةً في كيفية معالجة هذه الآفات.

خليجياً؛ تؤمن السلطنة أن مواجهة التهديدات التي يتعرض لها أمن الخليج تتطلب من دول المنطقة توحيد الرؤى واتخاذ الترتيبات اللازمة التي تكفل الأمن والاستقرار الإقليمي القائم على الحوار وتبادل المصالح، والعمل على إيجاد قدرة دفاعية ذاتية لدول المنطقة، وتنسيق التعاون الدفاعي الجماعي والتعاون مع الأشقاء والأصدقاء.
أممياً؛ أكدت السلطنة بأن عملية تطوير وتحسين أداء الأمم المتحدة، لابد أن يكون مستمراً وشاملاً وغير مرتبط بفترة زمنية أو تواريخ محددة وأن تشمل كافة الأجهزة التابعة للأمم المتحدة مع الأخذ بواقع المتغيرات التي طرأت على الساحة الدولية بدرجة يراعى فيها تحسين أداء العمل الدولي المشترك وسرعة الاستجابة للتحديات التي يواجهها عالمنا المعاصر.

التفاعل والانفتاح

في دراسة تحليلية له، صدرت أكتوبر الفائت، عن المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية في مصر، يرى الباحث مصطفى شفيق علام أن جلالة السلطان، ومنذ فجر النهضة المباركة، أخذ يبني أسس السياسة الخارجية للسلطنة، بعد أن أرسى دعائم الاستقرار الداخلي في البلاد، لتنطلق السلطنة من «الانكفاء الداخلي، إلى مرحلة الفاعلية والانفتاح، ولكن وفقًا لرؤية كلية، أرسى دعائمها السلطان قابوس، تنطلق من ضرورة الأخذ بالحداثة مع عدم إغفال الموروث التاريخي، والانفتاح الثقافي مع التأكيد على الثابت الديني والحضاري».

ويضيف الباحث في دراسته التي حملت عنوان «نهج استقلالي: سياسة عُمان الخارجية في سياقات إقليمية استقطابية»، أن سياسة «حققت للسلطنة نكهة سياسية واضحة ومميزة لسلوكها الدبلوماسي أضحت سمة بارزة للسياسة الخارجية العمانية طوال العقود الخمسة الفائتة».

ويقول حول ذلك شفيق علام: لقد خطّت مسقط لنفسها، تحت حكم السلطان قابوس، سياسة حيادية ومتوازنة، منحت سلطنة عمان قدرًا كبيرًا من أهمية الدور وحرية الحركة والفاعلية، على الصعيدين الإقليمي والخليجي، ما جعلها حليفًا وثيقًا للولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وعضوا مؤسسا رئيسًا في مجلس التعاون الخليجي، وفي الوقت ذاته شريكًا رئيسا لإيران، مع عدم إغفال علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والقوى الآسيوية الكبرى، وعلى رأسها الصين والهند وباكستان.
ويعزو الباحث نجاح هذه السياسة في جمع كل ما سبق إلى السلطان قابوس الذي «جمع بين كل هذه الأطراف المتضادة في علاقاته الخارجية، والحفاظ على نمط من العلاقات الودية مع الجهات الفاعلة والمؤثرة في المنطقة، والتوفيق بينها وتقريب وجهات النظر بين الأطراف ذات المصالح المتعارضة».