تفاؤل ليبي بالدبلوماسية العُمانية المشهودُ لها بفض النزاعات

الحدث السبت ٢٣/يوليو/٢٠١٦ ٠٢:٤٥ ص
تفاؤل ليبي بالدبلوماسية العُمانية المشهودُ لها بفض النزاعات

مسقط -
راكمت السلطنة في حراكها الدبلوماسي المستمر منذ عقود قواعد ثابتة في العمل السياسي لحلِّ النزاعات، وتقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمات، انطلاقاً من رؤية جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه –، الأمر الذي شكل صورةً ناصعة البياض لعُمان على مختلف المستويات؛ إقليميا وعالميا.

قواعد عمل ثابتة

وكان للسلطنة في هذا السياق، خلال الأعوام الخمسة الفائتة، وبالنظر إلى ما شهدتهُ من صراعات، ونزاعات إقليمية وعالمية، دوراً رياديًّا في حلحلةِ بعض الملفات، بل وفي الدفع بملفاتٍ إلى الحل، عبر الوساطة، وجمعِ الفرقاء على أرضِ عُمان المحايدةِ، والفائضةِ بالسلام، فكانَ أن تفاهم الإيرانيون والقوى الغربية في مسقط، حول البرنامج النووي، وهو التفاهم الذي قادَ لاحقاً إلى الاتفاق النووي مع طهران.

وهذا العام، كان الدور الدبلوماسي العُماني بارزاً ومتميِّزاً على صعيد الملف الليبي، الذي شهد توافقاً على صياغة مشروع الدستور في مشاورات صلالة، كما واحتضنت السلطنة، وبدعوةٍ منها، فخامة رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح عيسى، والوفد المرافق له، للاجتماعِ مع المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر، والذي استكمل مشاوراته حالياً، في محطتها الأخيرة، الأسبوع الفائت في تونس، في مسعى أممي للوصول إلى صيغة إجماع ليبي على اتفاق الصخيرات الموقع في المغرب.

لم يكن ممكناً للسلطنةِ، أن تؤدي هذا الحراك على الصعيد الدبلوماسي، دون وجودِ قواعدَ عملِ ثابتةٍ، تنطلقُ من رؤية «صفر أعداء»، وتوازن في المواقف، تستندُ إلى الحكمةِ، والعقل، وترجيحِ كفَّةَ السلمِ، والصلحِ، في ميزان النزاعات، على النزاعِ، والشقاقِ، والخلافٍ، الأمر الذي جعل من مسقط، محطَّ أنظارٍ، تتجهُ إليها عيونُ الدول، والعالم، حينما تشتدُّ الأزمات، وتعصفُ بالشعوب.

النظر بإيجابية للدور العُماني

في تحليل سياسي للكاتب محمد الجنافي، بعنوان «مسقط ومبدأ الحياد في دبلوماسية الوساطة»، نشرته يومية «الأيام» الليبية، مطلع الشهر الجاري، أشار فيه إلى أن سياسة السلطنة المتوازنة، وقدرتها الحياد، أهلتها لأداء دور الوساطة في الملف الليبي، بدءا من مشاورات صلالة لهيئة مشروع صياغة الدستور الليبي، وليس انتهاءا باللقاء الذي جمع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح مع المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر.
ويشير الجنافي أن الوساطة العُمانية، على الصعيد العربي، «لم تستثن أزمة إلا وحاولت بدورها ترسيم خطوط انفراجها»، واستناداً إلى الرصيد العُماني الغني في الوساطة، يرى الكاتب أن هذه الأسباب هي من دفعت المراقبين للنظر بإيجابية وتفاؤل إلى جهود السلطنة في الملف الليبي.

مشروع الدستور الليبي

ولأن الذاكرة تستحضرُ القريب، فإن الملف الليبي، الأقرب زمنيًّا إلى الدور الريادي للسلطنة، حيث اجتمع في صلالة، وبطلبٍ ليبي، أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي، برعاية الأمم المتحدة، ونجحت هذه المشاورات في الوصول إلى التوافق المطلوب حول مسودة مشروع الدستور، دون تدخلٍّ من السلطنة.
وخلال افتتاح اللقاء شكر رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور معالي د.الجيلاني عبدالسلام أرحومة محمد بعثة الأمم المتحدة على دورها، وعلى ما يبذلونه من جهد في دعم الهيئة التأسيسية، وأضاف «شكرنا الخاص كذلك لسلطنة عمان سلطاناً وشعبا وحكومة على مبادرتها الكريمة باستضافة الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور على أراضيها بغاية توفير وتهيئة بيئة مناسبة للتشاور والحوار».

أثر إيجابي

رئيس ديوان الهيئة التأسيسية عبد الله سليمان الصيفاط، وفي حوار سابق مع «الشبيبة»، أكد أن حضور أعضاء الهيئة إلى السلطنة كان له إثر إيجابي على عملها، مشيرا إلى أن السياسة الرشيدة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد – حفظه الله ورعاه – ودعمه للسلام والاستقرار في ربوع الوطن العربي والعالم كان الدافع وراء اختيار الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي للسلطنة لعقد المشاورات.
وفي تصريحات لـ «الشبيبة»، قالت مقررة لجنة العمل في الهيئة التأسيسية د.نادية عمران، إن اختيار السلطنة، جاء من قبل اللجنة التأسيسية نظراً لما تتمتع به الدبلوماسية العمانية من حيادٍ وعدم تدخل في شؤون الدول الأخرى، موضحةً: للسلطنة دور كبير للوصول إلى التوافق والتفاهم، ونحن سعداء لأنها دولة عربية، وليست أجنبية لها أهداف أخرى؛ إذ كانت هنالك خيارات أخرى لعقد المشاورات، ومنها ماليزيا وجنوب أفريقيا، ولأن السلطنة بعيدة عن التدخلات، وليس لها أجندة سياسية معينة، وسياستها الخارجية تعتمد على عدم التدخل، لذا وقع اختيارنا عليها.
لم يكن للسلطنةِ تدخلٍ حتى في مشاورات الأشقاء الليبيين، وهو ما أكدته عمران قائلة: الإقامة في صلالة مريحة، والجو العام الذي أقمنا فيه أسهم في تقاربنا، والنقاش يدور في مكان محايد، وفي ضوء هذا السياق حدثت تقاربات وتفاهمات بين أعضاء الهيئة التأسيسية، لم يكن من المتوقع أن تحدث، وبقاؤنا خارج ليبيا والإشكاليات التي تحدث فيها، دفعتنا نحو التوافق.

إشادة وسعادة وسرور

وفي بداية مراسم الجلسة الختامية للقاء التشاوري ألقى سفير السلطنة المعتمد لدى ليبيا سعادة د. قاسم بن محمد الصالحي كلمة السلطنة التي أعرب من خلالها عن البهجة والسرور لإعلان مسودة دستور ليبيا الجديد على أرض السلطنة والذي يحقق العدل والمساواة والأمن والاستقرار بين الليبيين بكافة أطيافهم ومكوناتهم.
يشار إلى أن البرلمان العربي أعرب عن تقديره للدور الذي لعبته السلطنة في إنجاح التوافق على مشروع الدستور الليبي الجديد والذي تم التوصل إليه أبريل الفائت. يذكر أن مشاورات الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي بدأت في مدينة صلالة في الـ 19 من مارس من العام الجاري، برعاية الأمم المتحدة، وانتهت مطلع شهر أبريل الفائت بتوصل أعضاء الهيئة إلى تفاهمات حول النقاط الخلافية في مسودة المشروع، وهي التفاهمات التي تم الإجماع عليها، بعد عودة أعضاء الهيئة التأسيسية إلى ليبيا.

محادثات ليبية أممية

لم يتوقف العطاء العُماني على المستوى الدبلوماسي، عندَ مسودة مشروع الدستور الليبي، وإنما شملَ أيضاً محاولةً جديدة تتمثلُ في تقريبِ وجهات النظر بين الفرقاء، حيث احتضنت السلطنة نهاية يونيو الفائت، محادثات ليبية أممية، جمعت فخامة رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح عيسى، بالمبعوث الأممي لدى ليبيا مارتن كوبلر، ناقشا خلاله الوضع السياسي في ليبيا، وآخر المستجدات حوله، وأوجه الاختلاف حول الاتفاق السياسي ومخرجاته، وكيفية وضع حلول سياسية تتلائم مع حل المشاكل السياسية داخل ليبيا.
وأشاد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عيسى، بجهود ودور السلطنة، وقال في تصريحات للصحفيين بعد اجتماعه مع المبعوث الأممي مارتن كوبلر: جهود السلطنة معروفة نحن نعول عليها كثيرا، هنالك وفود ليبية تذهب إلى البلاد العربية، لكن بدأنا من السلطنة لما لها من موقف حيادي واحترام لدى الجميع. وتابع: أتوقع أن يكون الدعم من سلطنة عُمان للمجهودات الليبية من أجل الحصول والوصول إلى وفاق حقيقي بين الليبيين، وتنال الثقة من مجلس النواب، وتؤدي اليمين، طبقاً لما هو معمول به في كل تشريعات العالم.

نثق بالسلطنة

من جانبهِ: قال المستشار الإعلامي لرئاسة مجلس النواب الليبي فتحي عبدالكريم المريمي، في تصريح خاص لـ «الشبيبة» إن: سلطنة عُمان تعد دولة محايدة في الوطن العربي، فهي لم تدخل في انحيازات معينة، ولم تقف مع طرف بعينه، سواءا داخل البلدان العربية، أو بالاصطفاف مع دولة ضد دولة، هي دائما على حياد، فبالتالي هي تحظى بتقدير واحترام الدول العربية، وهو ما يجعلنا نحن نثق بسلطنة عمان، بأنها تتناول الشأن الليبي، وتسعى معنا في استقرار البلاد، وتحقيق الأمن والأمان في ليبيا. وأشاد المريمي بتجربة التوافق الليبية السابقة في صلالة، قائلا: كانت هنالك اختلافات كثيرة حول الدستور، وانتهت خلافاته وقضاياه هنا في السلطنة، عبر اجتماعات الهيئة التأسيسية في صلالة، وقد أثمرت هذه الجهود، والآن قدمت لجنة الدستور مقترح مسودة الدستور التي سوف تعرض على الشعب الليبي قريبا جدا.

كوبلر سعيد

المبعوث الأممي مارتن كوبلر عبر عن سعادته للدور العُماني، وقال في تصريحات للصحفيين: أنا سعيد جدا بالدور الذي تقوم به السلطنة، فمن المهم جدا الاهتمام بالارتباط بين الجانبين العُماني والليبي، ليس من الناحية السياسية، وإنما الاجتماعية أيضا، مشيراً إلى أن هنالك في ليبيا.. مشاكل حقيقة، خصوصا بعد سقوط نظام القذافي، ومن المهم جدا استخدام العلاقات العُمانية الليبية، الوثيقة جدا، لاسيما في المجال الاجتماعي، من أجل عودة المؤسسات والدولة في ليبيا.