أيقونة معمارية وثقافية وحضارية الأوبرا السلطانية مسقط في يوم النهضة المباركة

مزاج السبت ٢٣/يوليو/٢٠١٦ ٠٢:٣٧ ص
أيقونة معمارية وثقافية وحضارية

الأوبرا السلطانية مسقط في يوم النهضة المباركة

مسقط – ش

في خطوة نوعية على المستوى الحضاري والثقافي، شهد العام 2011، افتتاح دار الأوبرا السلطانية مسقط بالتشريف السامي لجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- في 12 من أكتوبر إيذاناً منه ببدء مرحلة جديدة من العطاء العماني على المستوى الفني.

تأسيس هذه الأيقونة المعمارية والحضارية معاً، جاء انطلاقاً من الرؤية السامية لجلالته حول الدور الذي يمكن أن تقوم به مثل هذه المرافق الثقافية الفنية على مستوى الرقي بالذوق الإنساني، وتعزيز التواصل بين الشعوب والثقافات من خلال تقديم كل منها لمحات من إرثها الثقافي للآخر.
وتعد الدار مؤسسة رائدة في مجال الفنون والثقافة في السلطنة، وتكمن رؤيتها في أن تكون مركزاً استراتيجياً لبناء جسور التواصل الفكري الراقي مع مختلف دول العالم، بهدف إثراء الحياة ببرامج فنية وثقافية وتعليمية خدمةً لمبادئ السلام والتعاون والمحبة والإخاء.
وتعتبر الأوبرا السلطانية، أول دار للأوبرا في دول مجلس التعاون الخليجي، والثالثة على مستوى الشرق الأوسط، كما تعد محلياً ثاني معلم يُعنى بالفنون الموسيقية بعد السيمفونية السلطانية، وقد بُنيت الدار بأمر من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه.
وجاء بناؤها بحسب المسؤولين بهدف التنمية الثقافية وتنشيط السياحة في سلطنة عمان.
يشار إلى أن الدار شهدت منذ افتتاحها في أكتوبر عام 2011، عروضا لمشاهير العالم في الموسيقى، منهم بوتشيللي وبوتشيني وروبرتو ألانيا، بالإضافة إلى تقديم عروض أوبرالية شهيرة مثل أوبرا عايدة، وقد شهدت القاعة ذاتها أيضا عروضاً موسيقية عربية، إضافة إلى الفنون العمانية التقليدية لجذب الجمهور المحلي وإيصال جزء من الثقافة والتراث العماني العريق للعالم أجمع.

أيقونة معمارية في قلب العاصمة

شيدت دار الأوبرا السلطانية التي تتكون من ثمانية طوابق -ثلاثة منها تحت الأرض- على مساحة شاسعة تبلغ 80 ألف متر مربع في منطقة قريبة من شاطئ القرم بمسقط، وتبلغ المساحة المبنية ما يربو على 25 ألف متر مربع. وتتسع قاعتها لـ1100 شخص، وتتميز الدار بمسرحها الذي يُعد بمثابة قلبها النابض، حيث يحتوي على نظام تحكم صوتي متطور، وخشبة مسرح قابلة للتعديل، وبرج مسرح يحتوي على معدات تعليق لوازم المسرح ونظام تحكم بالمشاهد ونظم آليات مسرحية أخرى.

وتبلغ مساحة المسرح 460 متراً مربعاً، بينما تشمل صالة الحضور على مقاعد مقدمة القاعة، وثلاث شرفات، وعدد من مقصورات الجلوس الجانبية.. هذه القاعة تتسم باستلهام تصاميم التراث العربي والإسلامي، وتتميز بالفخامة بما يناسب اتساعها، ويكثر في التصميم استعمال خشب الساج في العوارض والشرفات والمسطحات الخشبية والألواح المفرغة. كما تتميز بروعة نقوشها وزخارفها الدقيقة المتشابكة، وهنا أيضا توجد نقوش «الزواق» المطلي باليد في السقف.
ما جهزت الدار تجهيزاً تاماً بما يتناسب مع متطلبات أي فعاليات موسيقية أو فنون أدائية من قبل شركات موسيقية أو فنون أدائية محلية وإقليمية ودولية.. كما صممت الساحة المفتوحة في الدار لاستضافة العروض الخارجية، حيث تم تزويدها بوسائل خاصة للدعم الصوتي والضوئي بحيث تمكنها من إقامة مسرحيات وحفلات موسيقية في الهواء الطلق.
وتظهر داخل هذا المبنى أشكال العمارة العربية والإسلامية في كل مكان، كالأرضيات والأسقف والممرات والقاعات، فيما يميزها أيضاً إمكانية استخدام آلة الأرغن، سواء للعزف المنفرد أو لإحياء أمسيات موسيقية خاصة مثل فن الأوبرا، حيث تعتبر هذه الآلة أكبر وأثقل أرغن متحرك في العالم، إذ يبلغ وزنها 500 طن، ويتم تحريكها على سكة حديدية يبلغ طولها 20 متراً.
عدد قليل من دور الأوبرا العالمية يقتني مثل هذه الآلة التي توجد عادة في الكاتدرائيات الكبرى. كما يشار إلى أن بعض الآلات الموسيقية التي تظهر في ممراتها، عبارة عن هدايا قدمت لجلالة السلطان قابوس- حفظه الله ورعاه.

أفضل العروض العالمية

منذ افتتاحها وحتى يومنا هذا، استضافت الدار ما يزيد على 272 عرضاً مختلفاً من كافة دول العالم، يجمع بينها شهرتها الفائقة ووقوف كبار الموسيقيين والعازفين والمغنين وراءها. هذه العروض استطاعت أن تجذب أعداداً متزايدة من الجمهور المحلي والإقليمي مرة بعد مرة، حيث يؤكد القائمين على الدار ملاحظتهم لارتفاع أعداد الزوار من المواطنين العُمانيين سواء في العروض العربية أو غير العربية. بالإضافة إلى ذلك، لوحظ زيادة في أعداد الحضور من الوافدين الذين تابعوا بعض الفعاليات العربية، الأمر الذي يفخر به مشرفوا الدار كونه يؤكد على قدرة تلك الأخيرة على استقطاب جمهور ذواق وتنمية رغبته في تجربة كل ما هو جديد من أشكال الموسيقى العالمية التي تُعد لغة التواصل الأولى بين بني البشر. من جانب آخر، استطاعت الدار أن تثبت حضورها كمعلم سياحي رئيسي لابد وأن يوجد على برنامج الزائر أياً كانت الوجهة التي قدم منها.

فريق عمل متميز

تعاقب على الدار عدد من المشرفين الذين لهم باع طويل في عالم الأوبرا والحفلات الموسيقية العالمية، كما أن للدار مستشارين على درجة عالية من الخبرة والممارسة في هذا المجال. ويعمل في الدار اليوم ما يصل إلى 221 موظف وموظفة، 80 % منهم من العمانيين، الأمر الذي يُسجل للدار في قدرتها على جذب هذا العدد الكبير من المواطنين للانضمام إلى مشروع أقل ما يمكن أن يوصف به أنه خطوة نوعية على صعيد التواصل العالمي عبر الفن والموسيقى وإيصال رسالة المحبة والسلام العماني إلى كافة دول العالم.

رقي بالذوق العام

منذ يومها الأول، تعهدت دار الأوبرا السلطانية مسقط أن تكون مركزاً تعليمياً يولي أهمية خاصة للتعليم وللحوار، وهي تعمل جاهدة للوفاء بهذا الوعد، حيث قامت دائرة التعليم والتواصل المجتمعي في الموسم الفائت بإنجاز العديد من المبادرات التعليمية إيماناً منها بأهمية الرسالة التعليمية كجسر للحوار مع المجتمع ومؤسساته الثقافية والاجتماعية، والتي تهدف بدورها إلى إثراء الفكر ودعم التواصل عن طريق الفنون والاحتفاء بالتراث الإنساني المشترك مع التشديد على قيمنا العُمانية والعربية والإسلامية، فجاءت فعاليات «البيت المفتوح» تتويجاً لمنهج الاعتزاز بالحرف العُمانية والفنون التقليدية ودعماً للمواهب العُمانية الشابة حيث تعرف المئات من الزوار على الجمال المعماري والرسالة الثقافية للدار في أجواء حميمية وعائلية بمشاركة الشركات الزائرة والعشرات من طلبة المدارس إثراء للمشاركة الطلابية والمجتمعية في فعاليات الدار.

كما قام القائمون على الدار في الموسم الفائت أيضا بنقل هذه المبادرات التعليمية إلى المسرح عن طريق تقديم عروض عائلية وتعليمية لتعريف الجمهور بتقنيات المسرح وأقسام الأوركسترا والآلات الموسيقية والأنماط الأوبرالية وقوالبها المختلفة لتعزيز التفاعل مع برامج الدار، كما تواصل تقديم العديد من الحفلات المجانية التعليمية للطلبة يذكر منها حضور المئات من طلبة المدارس الحكومية والخاصة لمشاهدة فيلم عالمي صامت بمصاحبة آلة الأرغن والتعرف من خلالها على إمكانيات الآلة المهيبة لتصوير المعنى الدرامي وسرد الدراما بمصاحبة الأنغام الموسيقية الحية.
كما استمرت «محاضرات ما قبل العروض» بحضور متزايد في إثراء الوعي والتفاعل الفني مع الجمهور قبل العروض الأوبرالية والسيمفونية وعروض البالية انطلاقاً من أهمية تعميق الثقافة الفنية وزيادة التفاعل مع العروض المقدمة.
واستمرارا لرسالتها الثقافية والمجتمعية، قامت دائرة التعليم والتواصل المجتمعي بنقل أنشطتها إلى خارج حدود الدار، حيث قامت وبالتعاون مع النادي الثقافي في تقديم سلسلة من المحاضرات والعروض تعزيزاً للحراك الثقافي في العاصمة. وجاءت «ندوة جدل» نتاجاً يبث التعاون بين الدار والمؤسسات الثقافية حضرها العشرات من عشاق الموسيقى العربية وبحضور الفنان اللبناني المتميز مارسيل خليفة.
ولم تقتصر مشاركة هذه الدائرة على المستوى المحلي، بل قامت بتمثيل دار الأوبرا السلطانية في ملتقيات ومؤتمرات عالمية في دولة الإمارات العربية المتحدة والمغرب وتركيا وألمانيا وفرنسا على سبيل المثال، مؤكدة على الحضور الفعال لهذه المؤسسة الرائدة في المحافل الدولية ودورها البناء في إثراء الحوار بين الثقافات.
وفي مارس الفائت، مثل عرض أوبرا «الناي السحري» لموتسارت تظاهرة تعليمية وثقافية رائدة، حيث كانت أول أوبرا تفاعلية تقيمها الدار في المنطقة. وجاء اختيار هذه الأوبرا لكونها رحلة روحانية وخيالية وسحرية لكل الأعمار تغرس قيم المعرفة والتسامح ونبذ الكراهية وتشدد على مبادئ انتصار الخير على الشر. حيث قام هذا الإنتاج الجديد بالعمل مع المئات من طلبة المدارس على مدى شهور من التحضير والإعداد المسبق وشارك في العروض الطلابية أكثر من 2400 طالب وطالبة مزودين بأدوات خاصة قاموا بإبرازها خلال العرض ترمز إلى الحدث الدرامي على المسرح في عرض تفاعلي مبهج. وقام الطلبة بمشاركة الفنانين على المسرح بالغناء باللغتين الإيطالية والعربية.

استمرار العروض بمشاركة الطلبة

كما تخطط الدار للاستمرار في تقديم هذه الفعالية خلال المواسم المقبلة بقوالب وعناوين جديدة وبمشاركة المئات من الطلبة. كما ستستمر الملتقيات وورش العمل والمحاضرات وبرامج الأطفال والبرامج التعليمية العائلية كأسس ثابتة في سياسة الدار وبرنامجها السنوي المتنوع والهادف مع التركيز على المشاركة العُمانية والعربية في جميع هذه البرامج والفعاليات، حيث سيشارك فنانون من جمعية هواة العود والأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية والفرق الفلكلورية وطلبة المدارس في فعاليات دائرة التعليم والتواصل المجتمعي. كما يجدر التنويه هنا إلى أن المشاركة العُمانية لم تقتصر على الأداء فقط، بل تجاوزت ذلك لتصل إلى تقنيات المسرح كالإضاءة والصوت بعد إلتحاق عدد من العاملين العمانيين في الدار خلال الصيف الأخير بدورات متخصصة لكسب الخبرة والعمل التقني في مسارح عالمية. كما شملت المشاركة العُمانية أيضاَ في الأداء المسرحي الأوبرالي في تعزيز الأدوار الأوبرالية وإثرائها وكسب الخبرات بالعمل مع فرق عالمية في المجال المسرحي، حيث قام العشرات من المتطوعين من الهواة العُمانيين والمقيمين بالمشاركة في أدوار ثانوية إضافية في العروض الأوبرالية بهدف اختبار التجربة بشكلها العملي.

الأوبرا جالاريا.. فخامة عالمية

إلى جانب هذه التحفة الفنية والثقافية المتمثلة بدار الأوبرا السلطانية، نجد الأوبرا جالاريا التي تعتبر بمثابة مركزا تجاريا يضم عدداً من أرقى العلامات التجارية العالمية في مجال الأزياء والعطور ومواد التجميل، إضافة إلى نخبة المطاعم والمقاهي العالمية. ومن أهم العلامات التجارية الموجودة حالياً في الأوبرا جالاريا، نجد «باريس غاليري» التي تُعد العلامة التجارية الأولى في الشرق الأوسط في مجال العطور والتجميل والتي تمتد صالاتها في الأوبرا على مساحة 1200 متر مربع تقريباً، كما نجد بوتيك مجوهرات «جراف» المصنفة كإحدى أفخم العلامات التجارية في مجال المجوهرات في العالم، حيث يُعد السوق العماني ثالث الأسواق التي تتواجد فيها هذه العلامة على مستوى الشرق الأوسط.

كما تخطط الأوبرا جالاريا لاستضافة عدد من المحلات الجديدة خلال الفترة المقبلة مثل محل دار الأوبرا السلطانية والذي سيتم افتتاحه مع بداية الموسم المقبل للدار والذي سيتخصص في بيع الهدايا التذكارية للدار بمختلف أنواعها، كما سيحوي المحل منفذاَ جديداً لشباك التذاكر تسهيلاً لمن يرغب في شراء تذاكر العروض الفنية. كما تم التوقيع مع مجموعة عبدالصمد القرشي لافتتاح أول فرع بالسلطنة لعلامتهم الجديدة «عود ميلانو» خلال الأشهر المقبلة. كما يتم التفاوض حالياً مع مجموعة من العلامات المرموقة في مجال الأزياء النسائية والرجالية والتي سيعلن عن نتائجها لاحقاً.
وفي مجال المطاعم والمقاهي ودعماً لرؤية الدار بأن تكون الجالاريا الوجهة المفضلة للمطاعم الفاخرة والمميزة في العاصمة مسقط، يجري العمل حالياً من قبل مجموعة الزمان على تجهيز مطعم «كراميل» ذي المطبخ النيويوركي الشهير لافتتاحه في سبتمبر المقبل من هذا العام، ليضيف إلى جوار المطاعم الحالية المتنوعة خياراً جديداً لمتذوقي الطعام، كما سيشهد الموسم المقبل للدار إضافة جلسات خارجية لمطعم الأنغام وكافيه فوشون في ساحة الميدان للاستمتاع بالأجواء الجميلة لفصل الشتاء سواءً لرواد عروضنا الفنية أو زبائن الجالاريا، وذلك بعد نجاح الفكرة بمقهى ريشو هذا الموسم والذي شهد إقبالاً كبيراً من الزبائن وإشادة مميزة من مجموعة ريشو العالمية في لندن.
وعلى صعيد العلامات العمانية في الجالاريا، فقد بلغت نسبة العلامات العمانية 22% من إجمالي عدد المحلات بالمركز، بالإضافة إلى 11% من المحلات الأخرى لعلامات عالمية يمتلكها رواد أعمال عمانيون، ليرفع نسبة تواجدهم إلى 33% من إجمالي محلات الجالاريا، وهي بلاشك نسبة كبيرة تدعو للفخر. كما تلقت الدار بحسب القائمين عليها طلبات جديدة من بعض العلامات التجارية المتواجدة في الجالاريا للتوسع سواء من حيث المساحة أو عبر افتتاح محلات أخرى لعلامات جديدة لها، ما يؤكد نجاح المركز ونموه التجاري.

يوم العزة

ويتشرف الرؤساء التنفيذيين ومستشاري الدار بأن يرفعوا آسمى أيات التهاني إلى المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- بمناسبة يوم النهضة المباركة وإلى الشعب كافة وهو اليوم الذي شكل علامة تاريخية فارقة انطلقت معها عمان دولة وشعبا ومجتمعا إلى آفاق العزة والانطلاق إلى بناء دولة عصرية وتاريخية قادرة على تحقيق التقدم والسعادة والرخاء لأبنائها ومواكبة التطور الإنساني من حولها والتعايش مع الحضارات المختلفة والتقارب الثقافي بينها وبين دول العالم.