مسقط - محمود بن سعيد العوفي
شكل الـ23 من يوليو المجيد، يوم النهضة المباركة علامة تاريخية فارقة انطلقت معها عمان دولة وشعبا ومجتمعا إلى آفاق العزة والانطلاق إلى بناء دولة عصرية قادرة على تحقيق التقدم والسعادة والرخاء لأبنائها ومواكبة التطور الإنساني من حولها. واستطاع حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- توظيف إمكانات البلاد المادية والبشرية خلال 46 عاما من مسيرة النهضة الظافرة لتحقيق وضع اقتصادي مرموق أساسه ضمان التطور، عبر توفير قطاع خدمات ينهض بالمواطن العماني ويؤهله لحياة عصرية مستقرة ومتنامية، كما ينهض بمصادر الدخل الوطني التقليدية والمستحدثة، وبالتالي انتهجت السلطنة في بناء اقتصادها الوطني على خطط تنموية خمسية تهدف إلى تحقيق الرفاه للمجتمع وتتم مراجعتها باستمرار.
استقرار الاقتصاد الكلي
وركزت السلطنة منذ الوهلة الأولى لعصرها الجديد 1970 على عدد من الأهداف الاقتصادية في مقدمتها المحافظة على استقرار الاقتصاد الكلي من أجل معالجة القضايا الأساسية في الدولة ومن بينها التضخم ومعدل الباحثين عن عمل، والسعي إلى زيادة رفاهية المجتمع عن طريق تحقيق الاستقرار في المستوى العام للأسعار وتوفير فرص العمل وتحقيق العدالة في توزيع الدخل، وتحقيق أقصى قدر ممكن من الناتج المحلي والدخل القومي، وقد عملت السلطنة على جذب الاستثمارات بإيجاد مناخ مشجع لجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحفيز رأس المال المحلي.
سياسات متناسقة لإرساء التنمية
لقد كان الهدف من البداية بناء سياسات متناسقة لإرساء التنمية على قواعد ثابتة تضمن للاقتصاد الوطني العماني التنوع والتكامل والتوازن والاستعداد لمجابهة تحديات العولمة، وتأسيس اقتصاد قائم على التنافسية والانفتاح على الأسواق العالمية، وضمان مساهمة القطاع الخاص في حركة التنمية، وتنويع مصادر الدخل، وقد قدمت السلطنة للقطاع الخاص فيها كل دعم ومساندة لتمكينه من القيام بدور رائد في التنمية الاقتصادية للبلاد.
وتنتهج السلطنة نهج الانفتاح الاقتصادي، وتعزيز مبدأ التنافس الحر العادل الذي يمكن المجتمع من التقدم والرقي ضمن الضوابط الثقافية المكتسبة خلال الفترات الزمنية الطويلة. بالإضافة إلى السعي الدؤوب لتحقيق الرؤيا في التنمية الشاملة المستدامة والتنوع الاقتصادي، وفي ظل التطورات والمتغيرات الاقتصادية والسياسية على المستوى الدولي والإقليمي وتأثيره على اقتصاديات الدول المعتمدة على إيرادات النفط ، ومن هذا المنطلق توجب على الحكومة التوجه نحو التركيز خلال الفترة المقبلة على التنويع الاقتصادي من خلال مراجعة التشريعات والقوانين المنظمة لبيئة الاستثمار.
الرؤية الاستراتيجية للتنمية
وتسير خطط وبرامج التنمية الوطنية في السلطنة بخطوطها الأساسية في إطار الرؤية الإستراتيجية للتنمية من ناحية، وتستجيب بتفاصيلها لأولويات وأهداف كل خطة من الخطط الخمسية المتتابعة من ناحية ثانية، في تتابع وتراكم وتواصل يسير نحو الأهداف المنشودة، وأن الدراسة العلمية للخطط الخمسية وللمشروعات التي تتضمنها، والاتساق والتتابع بين الخطط المتتالية جعل من جهود التنمية الوطنية عملية متكاملة، تعتمد كل خطة على ما أنجزته الخطط السابقة في المجالات المختلفة. وقد أدى هذا الأسلوب إلى الحفاظ على كل الجهود وحشدها جميعها من أجل تحقيق مزيد من التقدم والرفاهية والسعادة للإنسان العماني، وذلك من خلال التنمية المستدامة لكل محافظات وولايات السلطنة وفق الأولويات المحددة والإمكانات المتاحة بالنسبة لكل خطة من الخطط الخمسية.
التنويع الاقتصادي
ويشار إلى أن ثمار هذه السياسات الواضحة الرؤية، والمتأنية، والتي تتسم بالواقعية، قد أعطت، وتعطي ثمارها، سواء على الصعيد الوطني وفي كل قطاعات الاقتصاد، ووضعت السلطنة التنويع الاقتصادي نصب أعينها منذ العمل بخطط التنمية الخمسية في مطلع العام 1976، وقد تمكنت من تحقيق تقدم ملموس في هذا المجال. ولقد جاء الانخفاض المتواتر في أسعار النفط منذ يونيو 2014 ليمثل تحديًا لمسيرة التنمية، وفي نفس الوقت يتيح فرصة ملائمة لإحداث تغييرات هيكلية في بنية الاقتصاد العماني. وتزامن ذلك مع بداية العمل في إعداد خطة التنمية الخمسية التاسعة (2016- 2020) والذي يمثل هدف التنويع الاقتصادي فيها ركيزة استراتيجية.
وعلى الرغم من انخفاض أسعار النفط العالمية إلا أن السلطنة قد استبقت تلك الأزمة منذ العام 2014 وقامت بإجراء حزمة من الإجراءات الداخلية للنهوض بالاقتصاد العماني عن طريق تنويع مصادر الدخل القومي والاهتمام بالثروات الطبيعية التي تملكها السلطنة.
القطاع المصرفي يواصل هيمنته
وقد واصل القطاع المصرفي هيمنته على المشهد المالي في السلطنة، حيث حافظ على زخم النمو رغم الظروف الاقتصادية المليئة بالتحديات، وتمكن من الحفاظ على رؤوس أموال مرتفعة وتحقيق الأرباح والاحتفاظ بمستوى سيولة جيد إلى حدٍ ما كما تم احتواء مخاطر الائتمان بصورةٍ جيدة من خلال الإبقاء على صافي معدّل القروض المتعثّرة أقل من 5 % مع الاستمرار في ضبط حجم مخاطر السوق. ولا تزال السلطنة تواصل مسيرتها لتطوير القوانين وتعزيز الإشراف في ما يتعلق بسياسة التقليل من المخاطر المالية الكلّية والجزئية، وذلك من خلال عدة خطوات تمثّلت في عقد اجتماع اللجنة المشتركة للاستقرار المالي مرّتين خلال العام 2015 لتقييم مدى استقرار النظام المالي الكلّي، وجهود البنك المركزي العماني في تعديل العديد من القوانين حسب تغيّر الظروف، بالإضافة إلى سريان خطة تنفيذ بازل 3 وفقاّ للجدول المرسوم لها، كما قام البنك المركزي العماني بتطوير إطار اختبارات الضغط ليشمل تأثير قطاع العقارات، وتم الانتهاء من المرحلة الأولى لمخطط التعافي والصمود لأحد البنوك ذي الأهمية النظامية المحلية ووصلت آلية الإنذار المبكّر الخاصة بالسلطنة إلى مراحل تطوّر متقدّمة تؤكد عدم وجود أية تهديدات مباشرة على الاستقرار المالي في السلطنة.
الخطة الخمسية التاسعة
وخلال الأشهر الفائتة خرج الإطار العام لدور القطاع الخاص في الخطة الخمسية التاسعة من حيز النظرية إلى واقع التطبيق، وتم إنجاز العديد من الخطوات العملية المهمة والتي تعد ترجمة فعلية لأهداف الخطة من حيث زيادة الدور الذي يلعبه القطاع الخاص، حيث تم الإعلان عن شراكات جيدة تجمع بين صناديق الاستثمار الحكومية خاصة صندوق الاحتياطي العام وبين شركات من القطاع الخاص في مجالات محددة تستهدف دعم وتعزيز القطاعات الأساسية التي يرتكز عليها النمو خلال فترة الخطة الخمسية مثل الصناعة والتعدين والسياحة، وبوتيرة سريعة لم تكن معتادة في بيئة الأعمال المحلية تم الإعلان عن بدء تنفيذ واحد من أضخم الاستثمارات الأجنبية الخاصة التي شهدتها السلطنة وهو مشروع المدينة الصناعية الصينية في المنطقة الاقتصادية بالدقم، كما يجري حاليا وبوتيرة متسارعة أيضا الانتهاء من المسودة الخاصة بتعديلات قانون الاستثمار الأجنبي والذي من المنتظر أن يؤدي إصداره إلى نقلة نوعية جديدة في تحسين مناخ الأعمال ودعم تنافسية الاقتصاد.
الأنشطة غير النفطية
وتشير بعض التقديرات أن الأنشطة غير النفطية ستنمو بالاعتماد على الأسعار الثابتة بمعدلات مرتفعة خلال سنوات الخطة الخمس وتفوق نسبة ستة بالمئة. كما من المرجح أن يحقق قطاع السمكية معدل نمو مهم يبلغ في المتوسط 6.5 في المئة ومن ورائه قطاع التعدين الذي من الممكن أن يحقق نموا خلال الخماسية بمعدل ستة في المئة.
ومن المتوقع أن تبلغ الاستثمارات المجمعة على مدى الخمس سنوات 41 بليون ريال عماني (106 بلايين دولار).
وتراهن الحكومة على مساهمة القطاع الخاص في هذه الخطة وهو ما يحملها إلى الدفع بسرعة لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من المشروعات أمام القطاع الخاص، للاستثمار.