علي ناجي الرعوي
قبل اسبوع تقريبا تساءلت احدى الفضائيات العربية عن الدوافع التي جعلت بعض الانظمة العربية تحرص بشدة على انعقاد مؤتمر القمة العادية السادسة والعشرون في العاصمة الموريتانية نواكشوط بعد اربعة اشهر من اعتذار المغرب عن استضافة هذه القمة لأسباب موضوعية ووجيهة من اهمها حالة التوتر بين العواصم العربية واستحكام القطيعة بين هذه العواصم وعدم توفر الظروف الملائمة لانعقاد قمة عربية ناجحة وانسداد الافق امام اية فرصة لخروج هذه القمة بانجاز يذكر سيما وان القمم التي سبقتها لم تكن سوى مجرد مناسبة لإلقاء الخطب لقيادات تسير بدون وعي في اتجاه لا تعلم نهايته معتمدة على ما ستحمله لها ولشعوبها الاقدار.
التساؤل التي استخدمته تلك الفضائية مدخلا لتذكير العرب بموعد اجتماع قياداتهم في موريتانيا يومي 25 و26 يوليو الجاري وان لم يحدثنا عن مسرحية (القمم العربية) التي صارت تتكرر سنويا فتزيد السوء سوءا فانه الذي امسك بصيغة من صيغ (انحلال العمل العربي المشترك) والذي كشف عن جانب منه اعتذار المغرب والذي جاء مشفوعا بجملة من المبررات والاستفسارات الواقعية والمنطقية التي تضمنتها رسالته للجامعة العربية لعرضها على اجتماع وزراء الخارجية العرب المنعقد في العاشر من مارس الفائت حيث يفهم من المعلومات التي سربت عن تلك الرسالة انها من ارادت التعجيل بلحظة الحساب مع الذات والكشف عن المستور حيال ما يتعلق بالاخطار والتحديات التي تجابه العرب الذين لم يعودوا في الوقت الراهن يشكلون بمجموعهم (قوة اقليمية) بل لم يعد للعرب مجموع بعد ان انقسموا على انفسهم وصارت كل دولة من دولهم منغمسة في ذاتيتها القطرية وأولوياتها الوطنية وتعمل منفردة على ترتيب علاقاتها الخارجية مع الاطراف الدولية والإقليمية في سياق من الاستقلالية وبمعزل عن التفاهمات المتوازنة التي تعبر عن مصالح المنظومة العربية كلية الامر الذي اصبح معه العرب ليس اكثر من مواضيع او عناوين لقضايا هي الان في ايدي غيرهم وهم من يقومون غالبا بحسم هذه القضايا نيابة عن العرب.
اعتذار المغرب عن استضافة القمة العربية القادم لم يكن الاول في تاريخ الجامعة العربية فقد اعتذرت سلطنة عمان عن تنظيم القمة العربية الثالثة والعشرين لظروف وأسباب موضوعية ايضا يجري القفز عليها على الطريقة نفسها التي جرى التعامل بها مع الاعتذار المغربي الذي لاشك وانه من ترك حيزا كبيرا للوقوف على الخطر الذي يدفع بالنظام العربي نحو هاوية سحيقة على مرأى ومسمع نخبه الرسمية الذين لا تخفى عليهم مسارات التداعي التي انهالت على الواقع العربي في السنوات الاخيرة بعد ان حلت به لعنة تفرق ايادي سبأ الذين دعوا الله ان يباعد بين اسفارهم فمزقهم الله بين رياح الارض ليكونوا عبرة وآية لكل الامم المتعاقبة على مر التاريخ.
كان الامل ان يشكل الاعتذار المغربي عن استضافة القمة القادمة جرس انذار لإعادة استنهاض العمل العربي المشترك والتوقف عن سياسات حرق المراحل لكن ما حدث كان صادما وغير متوقعا على الاطلاق فقد عمد الجميع الى الهروب من مناقشة المبررات التي كانت وراء هذا الاعتذار حيث تجاهل وزراء الخارجية في اجتماعهم مناقشة تلك المبررات واكتفوا بالموافقة على نقل القمة الى موريتانيا عملا بقوله سبحانه وتعالى : (لا تسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم).
سيذهب القادة العرب الى مؤتمر القمة القادم بانقساماتهم وخلافاتهم وسيظهرون كالعادة امام ركام من الازمات والحروب التي تفوق قدرتهم على ايجاد الحلول لها كما انهم الذين سيتناولون في نقاشاتهم اسئلة مفصلية حول واقع المنطقة ومستقبلها وسط صراع على الموارد والخرائط وفي الخلفية دائما سيأتي الارهاب الذي يهدد الامن والاستقرار والتنمية والاقتصاد في بلدانهم وسيتكرر المشهد نفسه في هذه القمة عند الحديث حول الحروب التي تدور رحاها في سوريا واليمن وليبيا والعراق والصومال وغيرها من الساحات العربية والتي تتزامن مع ارتفاع التعبئة الطائفية والمذهبية والاثنية في غالبية البلاد العربية لكنهم في الشوط الاخير سينتهون الى بيان ضعيف لا يحمل أي توافق بشأن الحلول لمثل هذه الازمات والحروب المفتوحة والمشرعة ليس فقط امام التدخل الاجنبي بل ايضا على مشاريع التقسيم التي تنخر الان في جسد الامة.
لقد تعرضت امم كثيرة خلال العقود الفائتة الى ما هو اشد من الازمات والتحديات التي تواجه العرب الان ومع ذلك فقد تجاوزت تلك الامم كل ذلك الخليط من المشكلات واتجهت الى بناء نفسها على اسس سليمة مستفيدة من تجاربها والدروس التي مرت بها فيما استمر العرب يكررون اخطائهم ويعيدون انتاج ازماتهم مرحلة بعد اخرى بعد ان سقط العقل العربي بكل فضاضة في ثقافة العصور الجاهلية وحروب داحس والغبراء التي تتهدد وحدة الاوطان والكيانات وتصدع المجتمعات العربية من داخلها وتحولها الى شرائح متشرذمة وجماعات متربصة ببعضها.
من غير المنتظر ان تختلف القمة العربية القادمة في نتائجها وقراراتها عن القمم التي عقدت في العقود الثلاثة الفائتة وذلك امر طبيعي في ظل حالة التيه التي تسيطر على العرب الذين يبدون اليوم بلا قضية واحدة وبلا قيادة جامعة وبلا مشروع عربي واحد يجمع الطاقات ويجابه التحديات فهاهي جامعتهم بعد سبعة عقود من انشائها تظهر في منتهى الهلهلة ولا ندري بماذا سيختلف احمد ابو الغيط عن نبيل العربي الذي كان انجازه الوحيد انه من قسم العرب الى فريقين او ثلاثة ووسع من حجم التشققات داخل البيت العربي.
ستعقد القمة العربية في نواكشوط لكنها لن تكون قادرة على اجتراح الحلول لكل مشاكلنا التي تلتهب وتتقيح وصراعاتنا التي تستفحل وتزداد احتقانا وعمقا وكل ما ستخرج به هو التأكيد على ان رؤوسنا ستبقى ترتطم بالجدار طالما ظل الضمير العربي يعيش نوعا من فقدان الذاكرة او تشوش الذهن او تغييب الوعي التي يبدو انها تصيب النخب كما تصيب الامم.
كاتب يمني