طلاق.. الهواتف

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٠/يوليو/٢٠١٦ ٠٠:٠٦ ص
طلاق.. الهواتف

محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby

لا تبدو الإجابة ضربا من الخيال، أو السخرية، إن سألنا أحدهم من أقرب الأشخاص إليك؟ فنقول له: هاتفنا النقال، مع أنه ليس من الأشخاص، لكنه أصبح.. كل الأشخاص.

في زمان مضى، ويبدو حقا محسوبا على القرن الماضي، كان في البيت هاتف واحد، لا يكاد يرن حتى نهرع إليه قبل أن يغلق الطرف الآخر السماعة معتقدا أنه لا أحد في البيت يجيبه على طلبه الضروري، وربما يقول إن الاتصال بالغلط، ولذلك مبررات، بعضها يمكن القبول به، وأكثره من باب «الخروج عن النص».
لكن هاتف اليوم تحول إلى هواتف، سكنت جيوبنا، وقلوبنا، لدرجة الالتصاق به.. إنما، هذا المقرب جدا، من أي أحد آخر في حياتنا، هل يمكننا طلاقه؟! وإن كان طلاقا رجعيا في مرحلة ما، لعلنا نعتاد تجربة سنشعر بها، مهما بدت توقعاتنا عالية في سلبية التقبّل.
رأيت أولئك الذين يقبلون على الله في صلواتهم وهواتفهم في جيوبهم، مرة تطلق رناتها، ومن فرط خشوع البعض كأنه لا ينتبه إلى ذلك الصوت النشاز في المساجد المنطلق في هاتفه!! وبعضهم يجعلها على الوضع الهزاز، فإذا جاء الاتصال خرج الصوت من جيبه كأنما منشار يعمل بحيوية يحسده عليها أشباهه، وما إن يتحرك نحو باب المسجد إلا ويده في جيبه يخرج الهاتف لعل اتصالا بالغ الأهمية جاء في هذه اللحظة الحاسمة، ففاته خير كثير!!
ومن فرط هذه العلاقة أنها تتحول إلى مميتة في بعض الأحيان، حيث ننسى النصائح والإرشادات التي تحفّزنا للحفاظ على حياتنا، فننسى أننا نضع أنفسنا أمام احتمالية حادث سير سيتحول إلى كارثة في لحظة غباء إذ ننحاز إلى كتابة رسالة مضحين بحياتنا (وما يعقب ذلك من مأساة لا يمكن التنبؤ بامتداداتها على أسرتنا) وبحياة آخرين قدّر الله أنهم في طريقنا، لحظة كتابة رسالة أو قراءتها، كأنما الكون سيتوقف إذا تخلينا عن ذلك مؤجلين فعله حتى نخرج من منطقة الحظر /‏ الخطر.
لماذا نلقم هذا الهاتف أوقاتنا ونجازف بحياتنا؟ ومن أجل ماذا؟
هناك دراسات تشير إلى أن الأسواق الناشئة، يعني نحن ضمن نطاقها، الأكثر ارتباطا بالهواتف حدّ أن معظمنا ينظر إلى هاتفه أكثر من مائة مرة في اليوم، ونسبة كبيرة تفتح أعينها على الهاتف فور الاستيقاظ، وأعدّ الأمر حالة مرضيّة وقعنا في فخّها، أخذنا الهاتف بعيدا عن أنفسنا واهتمامات كان يمكنها أن ترقى بنا، وبمستقبلنا.
ولأني أحب الكتابة من منطلق تجارب شخصية فقد بدأت رحلة البعد عن الهاتف، بدءا من وضع خط أحمر دون الدخول في أي مجموعات «واتسابية» ووجدت في ذلك مزايا كثيرة، أهمها البعد عن «الإشاعات» و»السوالف» التي لا تضيف شيئا سوى ضغائن وجدتها بادية العيان لا تحتاج إلى أدلة، وأيضا عدم حمله إلى المسجد (إلا إذا تعذر مكان أضعه فيه).. والأهم تركه على وضعية الطيران، ربما تيمنا على أني مسافر، إذ أغط في النوم مبكرا، كأنما أنتقم من سنوات العمل الصحفي والسهر الطويل حتى مشارف الفجر.
جرّبوا العودة إلى أنفسكم، بدلا من النظر الدائم إليها من خلال شاشة هاتف.