أصحاب البقاء واصحاب المغادرة في عالمنا

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٠/يوليو/٢٠١٦ ٠٠:٠٥ ص
أصحاب البقاء واصحاب المغادرة في عالمنا

لوسي ماركوس

لقد أثار نقاش المملكة المتحدة الذي دار حول انسحابها من الاٍتحاد الأوروبي ضجة كبيرة، "المغادرة " أم "البقاء" في الاٍتحاد الأوروبي هو الخيار الصعب الذي يواجهه الناخبون في استفتاء الأسبوع المقبل. لكن البريطانيين ليسوا وحدهم: ينقسم العالم على نحو متزايد بين العقليات التي تدعم حملات "المغادرة" أو "البقاء". هل يريد القادة والمواطنون العمل مع الآخرين من أجل قدر أكبر من والاٍزدهار، أم يعتقدون أنهم سيكونون في حال أفضل من خلال عزل أنفسهم وراء جدران حقيقية أو افتراضية؟
أولئك الذين يفضلون "المغادرة" ينظرون إلى العالم من منظور هوبز، يخافون أن يلحقهم ضرر من قبل الناس الذين لديهم عواطف جياشة وغير منظمة في كل مكان. وبالنسبة لهم فقط الطاغوت القاهر يضمن النظام والأمن.
هذه هي نظرة العالم الأساسية - التدرج نحو التطرف - لحزب الحرية النمساوي والفجر الذهبي اليوناني وحزب الاستقلال للمملكة المتحدة، وحزب فيديس الحاكم في المجر، وقوات مماثلة في جميع أنحاء أوروبا والغرب، فهم يتبعون سياسة الخوف وتحريض القوى المتطرفة التي توجد في كل مجتمع.
وكما سبق ورأينا في كل من نقاش بريكست في المملكة المتحدة وحملة الاٍنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، لن تقوم الحقائق ولا الأسباب بتغيير نظرة الناخبين حول "المغادرة". وكما لاحظ الخبير الاٍقتصادي الحائز على جائزة نوبل دانيال كانيمان مؤخرا في حملة خروج بريطانيا، إن "الحجج تبدو غريبة: فهي تبدو قصيرة الأمد، مبنية على التهيج والغضب." ورغم ذلك تعطي نتيجة.
في الاٍنتخابات الرئاسية الأمريكية، الاٍختيار بين هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية، ونظيرها الجمهوري، دونالد ترامب، يعكس معركة لا لبس فيها بين أصحاب "المغادرة" و أصحاب "البقاء".
مع خطابه المعادي للأجانب وولعه بالمستبدين مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الديماغوجي الذي يحقد على الجيران ولا يغزوهم)، يجسد ترامب عقلية "المغادرة": وهو شخص مريب، ومتسم بالأبهة والغلو، ومعادي لجميع الذين يتحدونه أو يختلفون معه (سواء أكانت الصحافة، التي يعاتبها ويحاول منعها، أو القضاة الذين يترأسون الدعاوى القضائية الخاصة به).
بعض الجمهوريين الكبار، من أجل سمعتهم، قد تنصلوا من هذا الجهد المضلل لدفع الأميركيين إلى هاوية العزلة والتعصب. لكن واجه كثيرون آخرون حملته المستمرة ويبدو أن ذلك قد هدأ ضمائرهم.
كلينتون، من ناحية أخرى، وعلى الرغم من اعتبارها ''صقر'' السياسة الخارجية اٍلا أنها لا تزال تدعم منطق "البقاء" – وهي تعرف قيمة التجارة، والمناقشة، والتسوية. وقالت إنها تدرك أيضا قيمة "القوة الذكية" - وأن القنابل ليست دائما الأدوات الأكثر نفعا في السعي وراء تحقيق الأهداف المنشودة. وقالت إنها ستسعى لتحسين الإرث الذي سيتركه الرئيس باراك أوباما، والذي خصص رحلاته إلى فيتنام وكوبا واليابان هذا العام للاٍنتقال من ماض صعب للغاية لمستقبل جديد أكثر تفاؤلا.
وقد أثبت منطق "البقاء" أهميته مرارا وتكرارا. وبفضله يستفيد العالم من الدخول في معاهدات اقتصادية واحتضان الترتيبات التعاونية. فمن خلال العمل بالتنسيق مع الدول الأخرى ومن خلال المؤسسات العالمية، ستصبح البلدان أكثر ازدهارا. فانتصار عقلية "المغادرة" - الذي تنظر إلى الرحمة، والحقيقة والاستقامة كما لو كانت أطرافا أثرية - سيكون باهظ الثمن، في أحسن الأحوال. ونتيجة لذلك سوف تتراجع الاٍقتصادات ، وستزيد الصراعات العنيفة ، وستعاني النساء والأقليات والصحفيون لأن حركات "المغادرة" تستخدم تكتيكات التخويف التي تشجع التطرف.
ومن السخرية أن كل هذا يأتي في وقت تسعى فيه شركات التكنولوجيا في السليكون فالي وخارجه، للتحرك بأسرع ما يمكن "للبقاء"، وهي التي تم انتقادها طويلا على أنها اٍنعزالية، ومهووسة بنفسها،. ولهذا أصبح تيم كوك في مايو الماضي أول رئيس تنفيذي لشركة أبل يقوم برحلة إلى الهند، تلتها رحلة الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا نادالا. وبالمثل، كرس الرئيس التنفيذي لشركة الفيسبوك مارك زوكربيرج جهدا كبيرا لتعلم لغة الماندرين قبل زيارته للصين في مارس.
وتستثمر الشركات في بناء برامج ترجمة أكثر فعالية لجعل العمل بسيط وسلس في أي مكان ومع أي شخص. فالشركات المتعددة الجنسيات في جميع أنحاء العالم تعرف أنه من أجل النمو والاٍزدهار، ينبغي أن تنظر إلى الأسواق والعلاقات خارج حدود بلدانها الخاصة. فحقيقة الشركات العالمية تنطبق على البلدان: تلك التي ليست مع "البقاء" سيتم حتماً استبعادها.

لوسي ماركوس: المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة ماركوس الاستثماري للاستشارات المحدودة، وهي أستاذ القيادة والحوكمة في كلية IE الأعمال.