نزع فتيل الهجرة

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٠/يوليو/٢٠١٦ ٠٠:٠٤ ص
نزع فتيل الهجرة

بيتر سثرلاند

لقد فعل الناخبون في المملكة المتحدة ما لا يمكن تصوره وهو الإختيار بالخروج من الإتحاد الأوروبي- وهو مشروع نبيل بحق تمكن من الترويج للسلام والإستقرار في طول القارة وعرضها لإكثر من نصف قرن على الرغم من عيوبه - . لقد تراجعت الأسواق وأعلن رئيس الوزراء البريطاني إستقالته والآن المملكة المتحدة منقسمة أكثر من أي وقت مضى وعواقب ذلك –على المملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي والعالم –ربما تكون قد بدأت للتو .
إن الخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي يمثل إنتصارا للخوف على المنطق . لقد إستغل القائمون على حملة "الخروج" بأساليب كاذبة ومتهورة إنعدام ثقة الناس بالنخب الحاكمة وإستياءهم من تصاعد إنعدام المساواة والتغيير الإجتماعي السريع من أجل تحقيق مصالحهم الذاتية وفي حملة لا هوادة فيها ضد الهجرة قام دعاة خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي مع الصحافة الشعبية بالترويج لحقائق مشوهة وأكاذيب صريحة عن تأثير الهجرة مما أقنع الناخبين الخائفين والمحبطين بإن الهجرة والإتحاد الأوروبي الذي يتطلب حرية التنقل بين الدول الأعضاء يتحملان المسؤولية عن جميع مصاعب بريطانيا الإجتماعية تقريبا والعديد من اللاعبين الرئيسيين في حملة خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي كانوا معادين للإتحاد الأوروبي منذ عقود .
إن من الممكن رؤية هذا النزعة في أجزاء كبيرة من الدول المتقدمة حيث يجادل الديماغوجيون الشعبويون بإن الهجرة تستنزف الموارد الوطنية وتعمل على تآكل السيادة الوطنية والطريقة الوحيدة لإستعادة السيطرة حسب إدعاءهم هو بإغلاق الأبواب والإنسحاب من التحالفات الدولية والبقاء داخل الحدود الوطنية .
بالطبع ليس كل الذين صوتوا للخروج من الإتحاد الأوروبي أو غيرهم في أنحاء العالم الذين يشعرون أيضا بإنه قد تم التخلي عنهم ، فعلوا ذلك لإسباب تتعلق بالتعصب والقومية المتشددة ولكن العديد منهم تقبلوا القصة السخيفة التي يروج لها الشعبيون بإن بلادهم تتعرض لإجتياح المهاجرين مما سيفاقم التحديات الإجتماعية والإقتصادية التي تواجههم وفي أوروبا فإن أزمة اللاجئين في البحر الأبيض المتوسط -التي كان السبب الرئيسي وراءها التهجير القسري للناس الذين يفرون من الحرب والعنف – قد سلطت الضوء على تلك المخاوف في الأشهر الإخيرة .
إن إجراء أي نقاش عقلاني عن الهجرة يتطلب أولا تحدي الخطاب المدمر الذي يروج له أولئك المصابون بفوبيا الخوف من الأجانب فالحقيقة هي أن الهجرة لا تستنزف الميزانية الوطينة بل على العكس من ذلك فإنها يمكن أن تضخ ديناميكية جديدة في المجتمعات المضيفة التي تعاني من الشيخوخة . إن مما لا شك فيه أن هناك تحديات تواجه دمج المهاجرين ولكن تلك التحديات يمكن التغلب عليها.
لكن حتى الآن فإن المواقف التي أتخذها بعض أعضاء المجتمع الدولي وخاصة الإتحاد الأوروبي قد قوضت وجود إستجابة جماعية كافية لإزمة اللاجئين ولقد عانى الإتحاد الأوروبي الفشل ولكن هذا الفشل لا يتعلق بمؤسساته بل بالعديد من الدول الأعضاء فيه وفي واقع الأمر أقترحت المفوضية الأوروبية بشكل عام طرقا مناسبة لمعالجة الأزمة والعديد من الدول الأعضاء وخاصة ألمانيا والسويد إستجابت للإزمة بشكل مناسب .
لقد حثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على وجه الخصوص أعضاء الإتحاد الأوروبي على أن يظهروا إلتزامهم بالإخلاق الإنسانية وذلك من خلال تحمل مسؤولياتهم الدولية لحماية طالبي اللجوء ولكن القادة في دول الإتحاد الأوروبي الأخرى وخاصة في وسط وشرق أوروبا لم يظهروا أنهم يتحلون بإي صفة من صفات القيادة البناءة.
يعيش 250 مليون إنسان حول العالم خارج بلدانهم الأصلية ولقد تشرد 65 مليون إنسان منهم بسبب الصراعات والكوارث الطبيعية والظروف الصعبة الأخرى وحتى الآن هذا العام وصل حوالي 227 ألف شخص لإوروبا من خلال البر أو البحر كما غرق 3000 شخص آخر تقريبا في البحر الأبيض المتوسط وهم يحاولون الوصول لبر السلامة وما يزال هناك عشرات الآلآف من المهاجرين واللاجئين عالقين على حافة القارة.

إن هذه أزمة إنسانية ولكن العديد من الدول الغنية لم ترقى بعد لمستوى التزاماتها ولم توفي حتى بتعهداتها المحدودة المتعلقة بإعادة التوطين. إن الحقيقة المؤلمة التي ظهرت من التصويت البريطاني على الخروج من الإتحاد الأوروبي هو أن الوقت قد حان للمجتمع الدولي وخاصة الإتحاد الأوروبي أن يغير من نهجه المتعلق بتدفقات الهجرة أو سيواجه تكلفة أكبر.
إن من المهم معرفة أن لا أحد يجادل لمصلحة الهجرة غير المنضبطة وعوضا عن ذلك فإن دعاة الهجرة بما في ذلك أنا شخصيا نروج لحماية اللاجئين ولتدفقات منضبطة للإشخاص عن طريق جعل الممرات القانونية متاحة بشكل أكبر وهذا سيتطلب تعاون على المستوى الدولي بدعم من الإجراءات الوطنية والمحلية المناسبة.
إن مثل هذه المقاربة ستتضمن تحسين مراقبة الحدود ولكن تركيزها سيمتد إلى ما هو أبعد من الحد من تدفقات المهاجرين ليشمل خلق فرص وتوفير موارد كافية للخدمات العامة من أجل التخفيف من تأثير القادمين الجديد والتحقق من أن المقيمين المحليين لا يشعرون بالتأثير السلبي لإستقبالهم المهاجرين في مجتمعاتهم ولقد تبنت ألمانيا مؤخرا إجراءات جديدة لتوفير التدريب على اللغة وتسهيل إندماج اللاجئين وفي كندا يمكن للمجتمعات تبني القادمين الجدد برعاية من القطاع الخاص.
تظهر الأبحاث بإن الإستثمار المبدئي يمكن إسترداده في فترة لا تتجاوز الخمس سنوات فقط وذلك بسبب زيادة النشاط الإقتصادي الناتج عن القادمين الجدد والمفتاح هو تمكين الهجرة القانونية وبهذه الطريقة وعوضا عن السماح للمهربين وأصحاب العمل المستغلين بكسب البلايين على حساب المهاجرين فإن بإمكان الدول جمع المزيد من الضرائب من خلال التوظيف الرسمي .
نحن نحتاج بشدة لرؤية جديدة جريئة معززة بقيادة ملتزمة من أجل التعامل مع تلك القضايا المعقدة من أجل طمأنة الناخبين مما سيمنع المزيد من البلدان من الإنغلاق على نفسها وتهديد عقود من التقدم متعدد الأطراف المتعلق بحقوق الإنسان وكما يتضح من موجة التأثيرات الناتجة عن الإستفتاء البريطاني فإنه لا يوجد بلد- بما في ذلك بريطانيا نفسها- يعتبر جزيرة في عالمنا الذي يعيش في ظل العولمة اليوم.
يوجد لدينا سبب للشعور بالأمل فحقيقة أن الجيل الشاب في بريطانيا صوت بأغلبية ساحقة لصالح البقاء في الإتحاد الأوروبي يعني أن المفاهيم التقليدية المتعلقة بالهوية الوطنية والسيادة لا تحمل نفس القوة العاطفية لدى جيل الألفية مقارنة بالأجيال الأكبر سنا فالشباب الذين نشأوا مع حرية أكبر للوصول للعالم الخارجي من خلال السفر والإنترنت يشعرون براحة أكبر في تعاملهم مع التنوع الثقافي والهويات المتعددة كما يوجد لديهم فهم أفضل للفرص التي توفرها العولمة على الرغم من أن بطالة الشباب ما تزال مشكلة مزمنة في العديد من البلدان .
وكما هو الحال مع الشباب البريطاني ، يتوجب علينا التطلع للمستقبل وليس للماضي وتبني التعاون الدولي وليس الإنعزالية . إن مهمة إستنباط الحلول المبتكرة هي مهمة صعبة للغاية ولكن يمكن تحقيق مقاربة أفضل في التعامل مع الهجرة وهي مقاربة مفيدة لجميع الأشخاص المعنيين والبديل سيكون باهظ للغاية من الناحية الإنسانية والسياسية والإقتصادية والخوف يجب أن لا ينتصر في نهاية المطاف .

الممثل الخاص للإمين العام للأمم المتحدة للهجرة الدولية والتنمية .