تبذل الامم المتحدة جهودا حثيثة من اجل التحضير لجولة ثالثة من المفاوضات بين الاطراف المتصارعة في اليمن وذلك بعد فشل جولتي جنيف عن تحقيق أي اختراق في جدار الازمة المتفاقمة في هذا البلد منذ ان اعلن التحالف العربي بقيادة السعودية تدخله ضد جماعة الحوثيين في مارس 2015م .. وفيما لم تعلن المنظمة الدولية عن موعد ومكان الجولة القادمة لفت مبعوثها الى اليمن اسماعيل ولد الشيخ الى ان الجولة الجديدة من المفاوضات ستأتي مغايرة عن سابقتيها اذ انها التي ستستند في مناقشاتها الى جدول اعمال يجري التحضير له بروية وعدم استعجال عبر التواصل مع كافة الاطراف بهدف التوافق على وقف اطلاق النار وإنهاء الاعمال الاستفزازية على الحدود اليمنية السعودية والسير في اتجاه بناء الثقة كمدخل لضمان نجاح الجولة المقبلة من المفاوضات التي ستبحث في تسوية دائمة للازمة واحتواء تداعياتها السلبية على الاوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد وتصاعد نشاطات التنظيمات الارهابية.
وعلى خلفية هذه التحركات الاممية والجولة المكوكية التي يقوم بها حاليا الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون لدول المنطقة والمباحثات التي سيجريها مع قياداتها بشأن تطورات الازمة اليمنية سعت مجموعة من الخبراء الغربيين الى تحليل ديناميات الصراع والسلام باليمن في محاولة من هؤلاء لتحديد أي مستقبل ينتظر افقر بلدان الشرق الاوسط والذي عانى وما يزال من الانقسامات الجهوية والجغرافية والقبلية والمذهبية حيث نشر مانويل ألميدا المتخصص في شؤون الشرق الاوسط قبل بضعة ايام تحليلا موسعا على موقع ناشونال انترست تساءل فيه دون الغوص في تعقيدات المشهد اليمني بالقول : متى تنتهي الحرب في اليمن ؟ وهو التساؤل الذي بدا يتصدر الكثير من الوسائل الاعلامية بما فيها الامريكية والأوروبية في الاونة الاخيرة ليوحي للمتابع عن انفراج وشيك وقرب نهاية الازمة اليمنية الا انه وعلى الرغم من كل المحاولات التي تبذلها الامم المتحدة والمؤشرات المتفائلة التي تتداولها وسائل الاعلام فذلك لا ينفي ان ثمة عقبات عديدة يمكن ان تضعف من احتمالات التوافق على تسوية سلمية مستدامة على الاقل في المدى المنظور وهي عقبات تتصل بتباين طرفي الازمة حول القضايا الخلافية التي سوف تكون محور التفاوض وتمسك كل طرف بشروطه المسبقة وهو ما بدا جليا في التصريحات الاخيرة للمبعوث الاممي الذي اشار الى ان ما يجري في اليمن معقد ومتداخل بين اطراف نزاع داخلية وإقليمية ودولية بدرجة تجعل من حل الازمة سواء سياسيا او عسكريا يتأرجح بين معادلتي الفشل والنجاح لكن العارفين بخفايا التطورات الحاصلة في اليمن يدركون ان لكل طرف من اطراف الازمة اجندته وأهدافه .. فالتحالف العربي بنى استراتيجيته العسكرية من منظور ان الصراع داخل اليمن يتركز في تجلياته على الطابع الطائفي بين المحورين السني والشيعي وان هذه الصورة التي اصطبغ بها هذا الصراع وان لم تحسم بكسر القوة الحوثية والقوى المتحالفة معها فان تأثيرات الصراع على مستقبل الاوضاع في الدول الخليجية ستكون ذات انعكاسات كارثية لقناعة الدول العربية المشاركة في هذا الصراع ان الطرف الايراني الذي جاء معه بآلية المليشيا الحوثية كقوة موازية ومنافسة للدولة اليمنية التي جرى الانقلاب عليها انما هو الذي ينطلق من هوية مذهبية عابرة يروم من خلالها الى خلخلة بنية الدولة الوطنية العربية عن طريق نشر ثقافة المليشيا في دول الجوار في الوقت الذي يحرم هو هذه الثقافة على اراضيه.
وانطلاقا من هذه القناعة فان السعودية والإمارات والبحرين التي تظهر اكثر تحملا للتكلفة المالية والبشرية من بين باقي دول التحالف تصف حربها في اليمن بالمصيرية والمفصلية اذ انها وكما اشار الكاتب البارز في صحيفة الحياة غسان شربل لن تهدأ حتى يرضخ (انصار الله) ومن يتحالف معهم وينتظموا في اطار الشرعية التي تمثلها حكومة عبدربه منصور هادي بل ان هذا الكاتب يعتقد وكما جاء في مقالته الاخيرة ان الرياض وايا كانت النتائج ومهما طالت الحرب لا يمكن لها ان تقبل بقيام (جيش رديف) على حدودها يناصبها العداء ويساهم في تطويقها وهو ما يعني معه ان الرياض وغيرها من دول التحالف تتعاطى مع الصراع في اليمن وفقا لحسابات ترتبط بطبيعة التنافس الاقليمي مع ايران وبالذات بعد رفع العقوبات الغربية على طهران الامر الذي يجعل من اليمن الساحة التي يمكن عبرها تكريس دور المحور السني في المنطقة في مواجهة النفوذ الايراني الشيعي مما يشي بدرجة او بأخرى الى ان ايقاف الحرب والتوصل الى حل سياسي او مخرج للازمة اليمنية في المستقبل القريب سيظل امرا مستبعدا الى حين تتحقق اهداف التحالف مهما كانت فواتير هذا الهدف مكلفة.
ومن نافلة القول ان هذه ليست العقبة الوحيدة امام انهاء حالة الحرب في اليمن فالثابت ان الازمة اليمنية باتت على اعتاب فصل جديد من التصعيد الميداني على كافة الجبهات ففي الوقت الذي تم فيه التعويل على ان الفترة الفاصلة بين مفاوضات (جنيف 2) والجولة المقبلة ستشهد نوعا من التهدئة فان ردود الفعل من الجانبين اخذت منحى تصاعديا في الميدان وبشكل غير مسبوق ما يحمل معه وهو تطور الابرز فيه يتمحور في رفض الطرف العسكري الداخلي اجراء اية مفاوضات من دون تغيير مسارات تسوية وإيقاف العمليات الحربية من قبل التحالف ناهيك عن ان الرئيس السابق علي عبدالله صالح هو من بات يتمسك بإستراتيجية جديدة للتعامل مع تطورات الازمة اذ اعلن مؤخرا انه لم يعد من الصواب التحاور مع حكومة هادي فيما ان المشكلة هي مع دول التحالف التي تشن حربا مفتوحة على اليمن لذلك فقد دعا الى ان تكون المفاوضات القادمة مع السعودية مباشرة برعاية روسيا ومشاركة الامم المتحدة وهي الفكرة ذاتها التي ايدته فيها حركة الحوثيين اما التطور الاخر فانه الذي يكمن في رهان حكومة هادي ومن وراءها التحالف على تفكك وانهيار التنسيق القائم بين الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام برئاسة صالح وهو رهان وان كان لم يختبر بعد فان امكانية حدوثه تبقى ضئيلة مع احتمال تأجيله او تجميده مرحليا الى فترة ما بعد الحرب والتي ستشهد بكل تأكيد اعادة صياغة التوازنات داخل اليمن في ضوء ما ستفضي اليه الحرب القائمة.
ووفقا للمعطيات الراهنة والمستقبلية للصراع في اليمن يتبين تماما ان ما تحتاجه الاطراف المتورطة في هذا الصراع ليس المزيد من التمترس وراء اجندتها وانما تقديم التنازلات للوصول الى تسوية معقولة تتولى تأهيلها قوى ذات نفوذ على جميع الاطراف في هذه المنطقة حتى وان كانت التسوية هي اسوأ الممكن على اعتبار انه لا اسوأ من الحروب الا الحروب التي تورث الاحقاد والضغائن والثارات التي تلقي بظلالها على مستقبل الاجيال وبالتالي فقد آن الاوان لكي تتوقف لغة القوة ويحل محلها منطق السلام في اليمن الذي سيبقى جزءا لا يتجزأ من جغرافية الجزيرة العربية والخليج ونسيجها الاجتماعي ونافذتها الجنوبية على العالم.
كاتب يمني