تركيا.. الإعلام حسم المعركة مع الانقلاب

الحدث الثلاثاء ١٩/يوليو/٢٠١٦ ٠٠:٢١ ص

أنقرة – أسطنبول – ش – وكالات
كان يكفي قبل عقودٍ مضت، أن يصدرَ العسكر "البيان رقم 1"، أو "البيان الأول" كما درجت العادة على تسميته، لتثبيت الانقلاب، أو تغيير نظام الحكم بالقوة، من خلال شاشة التلفزيون الصغيرة، وذلك قبل البث الفضائي، حينما كانت أجهزة التلفاز تعتمد على شبكات محلية أرضية، إلا أن الأمر اليوم لم يعد كما كان سابقاً؛ فالإعلام والتكنولوجيا تجاوزا الشاشة الصغيرة؛ فثمةَ وسائل تواصل اجتماعي، وخدمات إنترنت، وتطبيقات الهاتف المحمول، وإذاعة رقمية، وخدمات الحاسوب الثابت والمحمول، علاوةً على الفضائيات.
عدم انقطاع الانترنت، واستمرار عمل مواقع التواصل الاجتماعي، مع وجود قنوات فضائية، وتطبيقات حديثة، ساهمت جميعها في قلب المعادلة في تركيا، فحوصرت بذلك مجموعة الضباط والجنود المنقلبين في زاوية واضحة، ومحددة؛ فوسائل الإعلام أظهرت أن هذا التحرك لا يحظى بقيادات الجيش وباقي الفرق والمجموعات العسكرية، وأن رئيس الأركان محتجزٌ من قبل الانقلابيين، والأهم أن التكنولوجيا الحديثة، ومنها وسائل الإعلام، أتاحَت فرصةً للمسؤولين الأتراك في إطلاق التصريحات والبيانات، فظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوجان، عبر تطبيق "سكايب" لوجه خطابا للشعب التركي، يدعوهُ فيه للنزول إلى الشوارع والميادين والمطارات، ليكسر بذلك "قرارات الانقلاب" بفرض حظر التجول، ثم ظهر الرئيس السابق عبد الله جول بخطابٍ "ناري" لم يسبق للرجل الهادئ أن ظهر به من قبل، ومن الشخصيات البارزة أيضاً، الوزير السابق، أحمد داوود أوجلو، الذي استقال، بعد خلافات مع أردوجان، والذي عبر عن رفضهِ لهذا التحرك العسكري، رغم خلافاتهِ مع حليفهِ سابقاً، ورفيقه في الحزب.

أهمية الإعلام
ولأن العسكر المنقلب يدرك أهمية معادلة الإعلام، فإنه حاول منذ بداية التنفيذ العمل على حجب قنوات التلفزية الرسمية عن العمل، فسيطر على قناة TRT، كما وبث عبر إحدى قنوات هذه الباقة التلفزيونية البيان الأول بعد أن أجبر مذيعةً على قراءته.
المذيعة التركية التي أعلنت البيان الذي أصدره قادة الإنقلاب الفاشل روت تفاصيل احتجازها من قبلهم وإجبارها على التعاون معهم ووجهت الشكر للمواطنين الذين اقتحموا مقر التلفزيون الرسمي وأنقذوها من أيديهم وساهموا في إسقاط الإنقلاب.
المذيعة في قناة TRT الحكومية تيجان كاراش، ستظل بثوبها الأزرق وتعبيرات وجهها الحازمة عالقة في ذاكرة الأتراك الذين شاهدوها على كل القنوات الرسمية، وهي تعلن سيطرة الجيش على البلاد وإيقاف العمل بالدستور، ولكن الإنقلاب فشل بعد بضع ساعات إثر دعوة الرئيس رجب طيب أردوجان المواطنين للنزول للشوارع.

التكنولوجيا تحسم المعركة
تطبيقات التكنولوجيا حسمت المعركة، إذ أن الانقلاب انهزم أيضا أمام تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين فعندما حاول مهندسي الانقلاب الإطاحة بالرئيس بأردوجان وحكومته، لم يأخذوا بعين الاعتبار تغير الزمن، وأن هنالك وسائل للتواصل الاجتماعي، وتطبيقات في الهاتف المحمول، وليس التلفاز وحدهُ الذي من الممكن أن يحسم المعركة عبر البيان الأول.
جاريث جينكينز، الباحث والكاتب في الشؤون العسكرية ومقره أسطنبول يرى أنه "من الواضح أن هذا الانقلاب تم التخطيط له جيدا جدا لكن باستخدام دليل تكتيكات يعود للسبعينيات" .. كان الأمر أشبه بما حدث في تشيلي في عام 1973 أو أنقرة في عام 1980 أكثر منه أمر يحدث في دولة غربية حديثة عام 2016.
أما المحلل التركي سنان أولجن من مركز كارنيجي فقال إن أكبر عائق واجههم هو أنهم تصرفوا خارج تسلسل القيادة العسكرية وبالتالي افتقروا للموارد الكافية للسيطرة على مواقع السلطة الرئيسية. ورأى أولجن وهو أيضا دبلوماسي تركي سابق أنّ "مخططهم أيضا لم يكن فعالا حيث فشلوا في البداية في السيطرة على أي منشآت عسكرية في تركيا أو أي من القيادات السياسية".
وقد استخدم أردوجان، تكنولوجيا الاتصالات الحديثة بفطنة لإيصال رسالته للأتراك عددهم نحو 80 مليونا ليتفوق على تحرك المتآمرين.
ومن خلال تطبيق "فيس تايم" وهو تطبيق فيديو على الهاتف الذكي وجه أردوغان رسالة حية على الهواء على محطة "سي أن أن ترك"، وقال أردوجان في رسالته: “دعونا نحتشد كأمة في الميادين.. أعتقد أننا سنتخلص من هذا الاحتلال الذي وقع في فترة وجيزة. أنا أدعو شعبنا الآن للنزول".