أحداث تركيا تعيد التذكير بـ "مندريس"

الحدث الأحد ١٧/يوليو/٢٠١٦ ٢٣:٥٣ م

أنقرة – ش – وكالات
ما حدثَ للرئيس التركي طيب رجب أردوجان، مؤخراً من محاولة الانقلاب عليه عسكريا، يمثل مشهدا واحدا من فصلٍ طويل تعرضَ له رئيس وزراء تركيا الأسبق علي عندنان مندريس (1950-1960)، الذي قُضِيَ عليه بانقلابٍ محكم، رغمَ أنه وصل إلى الحكم بانتخاب ديمقراطي وشرعي.
الفارق بين أردوجان ومندريس، أن الأخير مثل التجربة الأولى للحكم المدني تحت سلطة عسكرية تُمسكُ بزمام الأمور، على عكس أردوجان، الذي قطفَ تجارب تركية لعقود سابقة، شهدت مواجهةً بين العسكر والساسة، إلى أن قُيِّدَ نوعاً ما، العسكر في ثكناتهم، وعلى الحدود كحرسٍ للوطن، دون أن يكون لهم دورٌ في السلطة السياسية، التي يحكمها برلمان منتخب، ورئاسة تفرزها صناديق الاقتراع.
وبعد اندلاع الساعات الخمس ليل السبت الفائت، عاد مندريس إلى الذاكرة مجددا، إذ أحكم العكسر الانقلاب، وقادوهُ إلى حبلِ المشنقة، ليبدأ بعدها مسلسل طويل من الانقلابات في السلطة التركية، أعدمَ خلالها 4 رؤساء، من بينهم مندريس.
صور مندريس، وتاريخهُ، وقصة إعدامه على يد العسكر في محاكمةٍ صورية، وانتقال الحكم في تركيا عام 1960 من الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني إلى العكسر، كلها ملفات استرجعت بعد فشل الانقلاب العسكري الأخير في تركيا على أردوجان، حيث نشطت وكالات الأنباء، ومواقع التواصل الإجتماعي، في استرجاع تلك اللحظة المفصلية التي مرت بها تركيا.
مندريس كان عضوا ونائبا برلمانيا عن حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك، لكنه انفصل عام 1945 إلى جانب ثلاثة نواب آخرين ليشكلوا حزبا جديدا هو الحزب الديمقراطي بزعامة مندريس متحدين إجراءات منع الأحزاب آنذاك. فشارك الحزب الجديد عام 1946 في الانتخابات العامة، ويحصل على 62 مقعدا فقط، ثم عاد وشارك في انتخابات عام 1950 ليفوز بأغلبية ساحقة شكل على إثرها مندريس حكومة جديدة وضعت حدا لهيمنة حزب أتاتورك.
استمر مندريس في رئاسة الحكومة بعد فوزه بأغلبية ساحقة في انتخابات عام 1954. فانضمت تركيا في عهده إلى حلف الناتو، وأقام علاقات قوية مع الولايات المتحدة وساند مخططاتها كإرسال قوات تركية إلى كوريا ووضع تركيا في مواجهة المد اليساري القومي العربي بزعامة جمال عبد الناصر.
وجهت إلى مندريس تهم عديدة منها إهتمامه بإرضاء مشاعر الفلاحين الدينية أدى إلى ظهور تيار ديني مطالب بخلط الدين بالسياسة وعودة الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية وكاد أن يطيح بالاتاتوركية، وبالرغم من تصريحات مندريس المتكررة بالالتزام بالنظام العلماني وعدم قبول إلغائه أو استبداله.
كان إحساس الكثير من الأتراك أن مندريس قتل ظلما، واستمر هذا الإحساس يتصاعد شهرا بعد شهر وعاما بعد عام حتى عام 1990 عندما التقط الرئيس تورجوت أوزال نبض شعبه فاتخذ قرارا جريئا بإعادة الاعتبار لمندريس ورفيقيه بولتكان وزورلو، وأوعز إلى نواب حزبه (الوطن الأم) الذين كانوا يمثلون الأغلبية في المجلس الوطني الكبير (مجلس النواب) بإصدار قانون يردُّ الاعتبار لمندريس ورفيقيه وهذا ما قام به البرلمان التركي الذي أصدر في 11 أبريل 1990 القانون رقم 3623 الذي قضى بإعادة الاعتبار لعدنان مندريس وزملائه الذين أعدموا في نفس القضية، وسارع إلى إصدار مرسوم جمهوري بالقانون، ثمَّ أصدر أمرا بنقل رفاتهم من جزيرة ياسي أضه حيث دفنوا بعد إعدامهم إلى مقبرة خاصة أقامتها بلدية إسطنبول على تلة مطلة على أحد أوسع شوارع منطقة توب كابي، وفي 17 سبتمبر 1990 في الذكرى 29 لاعدامه شارك أوزال بنفسه مع أركان الدولة وقادة الجيش ورؤساء الأحزاب وجماهير غفيرة من الشعب في استقبال الرفات، وواكب بنفسه مراسيم إعادة دفن رفاتهم في القبور الجديدة، وقرأ الفاتحة على أرواحهم ووصفهم في كلمة تأبينية خلال الحفل بشهداء الوطن، وخرجت الصحف في اليوم التالي لتصف عدنان مندريس وفطين زورلو وحسن بولتكان بشهداء الوطن والديمقراطية .
تم تسمية مطار مدينة إزمير باسمه والعديد من الشوارع والجامعات والمدارس مثل جامعة عدنان مندريس.. امتناناً لدوره في الحياة المدنية التركية.. و إدانة و دفناً لإرث العسكر وانقلاباتهم.
وفي عام 2010 جاءت نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي تُجرًّم الانقلابات العسكرية ليعاقب عليها القانون بأثر رجعي ، بمثابة إعادة اعتبار شعبي له بعد خمسين عاما من الانقلاب العسكري الذي أطاح به .
وفي نهاية العام 2012م، تقدم “برهان كوزو” رئيس اللجنة الدستورية بالبرلمان التركي بطلب إلى البرلمان بإعادة الاعتبار إلى رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس الذي أعدم شنقا في أعقاب الانقلاب العسكري عام 1960. وقال كوزو إنه يسعى لاستصدار حكم بعدم شرعية محاكمة رئيس الوزراء عدنان مندريس والحكم عليه بالإعدام مع وزيري الخارجية والمالية في حكومته، فهم لم يقترفوا من الجرائم ما يدعو لذلك، كما ان الأحكام العسكرية كانت بدون أدلة.