محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
مؤكد أن ذلك المسمى أردوجان ليس مجرد عابر للبيت السياسي التركي، فهو المؤسس الجديد لتركيا الجديدة، كما فعل أتاتورك قبله، ووصولا إلى سلاطين بني عثمان وهم يجتاحون البلدان أرضا إثر أخرى..
وفي بلد اعتاد على الانقلابات العسكرية مـــن الصعـــب استبعاد تكرر الفعل، مهما بدت تركيا مختلفـــة، وناهضة، على يد نجم سياستهــــا الأبرز وهو يجيد السير بثقة رغم مزالق حولـــه تمتد من العراق وسوريا وإيران، ووصولا إلى أوروبا التي تحاسبه على مئات الآلاف من المهاجرين المتدفقين إلى أراضيها يزلزلون هدوءها، وإلى الولايات المتحدة الراغبة في لاعب تثق به يلعب دور شرطي المنطقة بعد اختلافها مع الشرطي القديم، في إيران.
أخذ أردوجان حذره، ومنذ بداية صعود نجمه السياسي، من شهوة العسكر في ضبط العلاقة بين ما هو ديني وعلماني، وأن ينازعهم في السلطة الأتاتوركية أحد، حاول تقليم الأظافر، مسنودا من شعبية جارفة يتمتع بها حزبه، ومن قوة اقتصادية بناها خلال سنوات حتى بدت نموذجا لبلدان تريد النهوض بإخلاص قادتها، حيث المستحيل يبدو ممكنا..
تقلب أردوجان كثيرا في مواقفه السياسية، وفي اللحظات التي يسير خلالها إلى التخفف من عداوات الجيران والأصدقاء، فإنه وجد دبابة العسكر تقف أمام قصره، وتلفزيونه الرسمي يتحدث بلغة سعى أن تبقى بعيدة عن الواجهة، وشوارع اسطنبول التي تعمل على استعادة ثقة السياح بها لتنهمر الدولارات في فترة الصيف فإنها تعتمد مشاهد مرعبة يسيل فيها الدم، ولم يزل رخام مطار المدينة رطبا من عمليات إرهابية استهدفته قبل أيام.
تحاصر الأزمات هذا الرئيس/ الظاهرة، لكنه واثق من قدرته على اللعب مع الأفاعي والحيتان والأسود، وفي كل أزمة يجد فرصته للمضي في مشروعاته الشخصية أكثر، ماذا يهم إن امتلأت السجون بالكولونيلات والجنرالات طالما أن تركيا تعيش مجدا سياسيا واقتصاديا، وتبدو لاعبا مهما للغاية، إن تحدث الأوروبيون عن طموحات الاقتصاد أو مخاوف السياسة، أو إذا تعثر جندي أمريكي في العراق أو سوريا وهو يلاحق الدواعش وغيرها من الجماعات الإرهابية..
قفز فوق أزمته مع الجنرال بوتين، ورأى أن روسيا صديقة لا يفترض إلا مصالحتها، ومصافحة نتنياهو أهم من تبادل حديث النوايا الطيبة مع مشعل أو غيره من قادة حماس المتوارين خلف أقنعة متعددة وحصارات أكثر تعددا، والنظام الأسدي يمكن التحاور معه لاستعادة شراكة تبدو ممكنة طالما أن الدب الروسي استطاع قلب المعادلة لصالح النظام السوري..
وبعد انقلاب الأمس، وفشله كمشروع شامل رغم نجاحه في خلخلة الكثير داخل البيت التركي، فإن أصابع أردوجان ستمتد أكثر قوة، وبعنف أكبر، لاجتثاث المعارضين، هذا هو العذر بين يديه يأتيه جاهزا، ولن ترتجف يداه وهو يقتلع جنرالا من هنا، وكولونيلا من هناك، حيث مفردات من نوع «الخيانة» و»الانقلاب» على الديموقراطية والشرعية تمنح مساحة واسعة لتقليم الأظافر، إن لم يكن إقامة المشانق بكل أريحية، ولن تجد معارضة كبيرة ممن يحملون شعارات من نوع حقوق الإنسان وردود الفعل المبالغ فيها.
تخاذل الانقلابيون، أو خذل بعضهم بعضا في اللحظات الحاسمة، إلا أن حماة المشروع الأردوغاني وثقتهم فيه جعلهم يفترشون أجسادهم أمام دبابات العساكر، ربما المشهد الذي لم يحسبون له حسابا، فظنوا أن أردوجان يشبه محمد مرسي، لكن الفارق بيّن، والشارع له حساباته.