خطورة دواعش البيوت!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٧/يوليو/٢٠١٦ ٠٠:٠١ ص
خطورة دواعش البيوت!

احمد المرشد

اعتقد أن معظمنا قرأ أو سمع عن حكاية المواطن الكويتي الذي اتصل بوزارة الداخلية وطلب منها اعتقاله والتحفظ عليه، لماذا؟.. لأنه يخشي علي نفسه وأسرته من أن يرتكب بحقهم جريمة قتلهم والتخلص منهم. فالمواطن الذي تنبه لخطورة حالتة توصل الي قرار صائب بضرورة أن يتم التحفظ عليه، فهو قال في طلبه :" أنا أحمل الفكر الداعشي وأخشى على نفسي وعلى أسرتي أن ارتكب جريمة أو أن أدفع دفعاً لذلك".
وكانت الكويت قد استيقظت قبل هذه الحكاية علي فجيعة تدمي لها القلوب، علي وقع جريمة بشعة، حيث قتل داعشي شقيقه نحرا، ولدي التحقيق معه في سبب الجريمة، إدعي الجاني أن شقيقه لا يصلي ولا يصوم. وهنا أصيب المحقق بغثيان شديد لدرجة لم يتمكن من مواصلة التحقيق مع هذا "الداعشي" الذي تجرأ علي شقيقه ليطعنه طعتين قبل نحره من الرقبة بسبب مزاعمه.
وليس بعيدا عن هذا الحادثة التي هزت السعودية في أحد أيام الجمعة في شهر رمضان الفائت ، عندما أقدم شابين علي قتل أمهم وإصابة والدهما وأخاهما غدرا في الشهر المبارك.
من الواضح أن الفكر الداعشي لم يصبح مقصورا علي المناطق التي يسيطر عليها التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق وليبيا وهنا وهناك في منطقتنا الخليجية ومصر وربما المغرب العربي، فالفكر الضال الشاذ يتوغل الي عقول أطفالنا، وهنا لب المشكلة، بل المشكلة ذاتها. فكم من منازلنا يوجد بها "داعشي صغير" أو "داعشي طفل"، والأخطر هو عالم الانترنت الملئ بفيديوهات وأفلام تعلم أطفالنا كيف يكونوا "داعشيين" رغم ابتعادهم عن دولة الخلافة المزعومة. فلم يعد الانضمام للتنظيمات الإرهابية صعبا كما كان في السابق، فليس مطلوبا من المنضم حديثا أن يطيل لحيته وشعره ويرتدي قميصا أسود وتظهر علي جبهته علامة الورع.
ومن سمع عن أو قرأ تعبير " الذئاب المنفردة" فهو يعني هؤلاء الذين ينضموا لداعش من الخارج، سواء أوروبا أو أمريكا، أو منطقتنا، فهؤلاء ينضمون الكترونيا الي التنظيم وينتظرون تلقي التعليمات بالقتل والتخريب في مناطقهم ودولهم، وكان ثمن انضمامهم تفجيرات فرنسا وبلجيكا وبقية الدول، وليس ما تعرضت له مؤخرا السعودية سوي حلقة ضمن حلقات الإرهاب عن بعد، وكانت السلطات السعودية قد أعلنت أن الإرهابي منفذ تفجير القنصلية الأمريكية ليس سعوديا ولكنه يتبني تفكير داعش.
والداعشيون الجدد ليسوا بحاجة الي وسائل مواصلات أو سفر أو مغادرة بلدانهم، فكل الأمور ميسرة ، فقط سيعترف بك التنظم الأم عندما تنجح في تجنيد المزيد من الداعشيين في منطقتك، ليس شرطا أن تعلمهم فرائض الوضوء، ويكفي أن تعلمهم سنن الذبح وفي أي منطقة بالرقبة يكون الذبح نافذا وأشد تعذيبا، إغسل دماغهم بفردوس داعش، فتصبح من الجند المساهمين في بناء الدولة الداعشية.
وبمناسبة الحديث عن خطورة داعش في منازلنا، نعيد للأذهان حادثة تعد الأكثر فظاعة، عندما أقدم شاب سوري في العشرين من عمره، وينتمي إلى تنظيم داعش الإرهابي، على إعدام والدته على الملأ، بعدما طلبت منه ترك التنظيم. ومن الهول أن نعلم أن الشاب الداعشي أبلغ التنظيم بأنها "حرضته على ترك التنظيم والهروب معها خارج الرقة"، وحذرته من أن غارات التحالف الدولي ستقتل جميع عناصر التنظيم، فاعتقل التنظيم الأم على الفور واتهمها بالردة، ليقوم ابنها بإعدامها رميا بالرصاص أمام مئات المواطنين.
خطورة داعش أنه زرع الضغائن بين الأبناء والأمهات والأباء، ويتفاخر التنظيم بأن جراحا سوريا ينتمي له قرر تنفيذ قرار قتل والده بنفسه عقد أصدار قيادات داعش أمرا بذلك بزعم أن والد الجراح يمارس السحر.
ومن حكايات الكبار الي الأطفال، فداعش لم يتركهم في حالهم ولم تحميهم براءتهم، ففي أغسطس الفائت ذكرت أمرأة أيزيدية، في مقابلة مع صحيفة الدايلي ميل البريطانية، أن طفلها ذا الأربع سنوات تم اختطافه ضمن عدة أطفال من طائفته ، وفي المعسكر تم تعليمه كيفية ذبح أمه، ولكنها نجحت في الهروب منه من آتون هذه المحرقة. وذكر طفل سعودي في أكتوبر الفائت لقناة "المواطن" السعودية أن عناصر من داعش حرضته على قتل أمه، من خلال التواصل معه عبر ألعاب البلاي ستيشن.
ولنا هنا وقفة مع البلاي ستيشن، فثمة فيديو منتشر علي اليوتيوب يتضمن لعبة تنقل للطفل الذي يلعب بها، كيفية الانضمام لداعش، الفيلم الذي لم يستغرق سوي دقيقة واحدة نجح في ضم الطفل الي صفوفه، حيث أغراه بهذا الانضمام بحجة الدفاع عن الإسلام في مواجهة الكفرة أهل الغرب، بل نحن أيضا الذين لا نحافظ علي صحيح الدين، ثم يختتم الفيلم بكلمة "الله أكبر الله أكبر" للدلالة علي أن الطفل قد انضم فعلا للتنظيم وأصبح أحد أعضائه.
وحسنا فعلت وزارة التعليم عندما أنتجت فيلما تعليميا يحذر من خطورة ترك أبنائنا بمفردهم لساعات طويلة أمام أجهزة الكمبيوتر والألعاب الألكترونية، فبعض هذه الألعاب ينقل للطفل طرق القتل والذبح التي تتبناها داعش في عملياتها الإرهابية التي لم يأمر بها لا دين سماوي أو أي غير سماوي. فالفيلم الذي اتحدث عنه يحذر كل ولي أمر من أن يترك أبنه للتنظيم.نعم للتنظيم، وأعي ما أقول، فماذا ننتظر من طفل يمارس القتل والإرهاب من خلال ألعاب البلاي ستيشن، هل سينمو طفلا عاديا سويا؟ بالقطع لا، فهو مارس في العالم الافتراضي تجارب ربما يفضل أو يتخيل أنه سينفذها في الواقع، هذا الواقع الذي جعلنا نعيش تجارب مؤلمة كثيرة، منها الإبن الذي قتل أمه، والشاب الذي قتل أبناء عمومته الذين تربوا معا في منزل واحد بحجة عدم التزامهم بصحيح الدين، فما كان منه سوي قتلهم علي طريقة داعش، ثم يدعي في التحقيقات أنه فعل الأمر الصواب أو صحيح الدين كما يدعون، ثم تصل الصفاقة أبلغها ليهدد الداعشي المجرم المحقق بقتله مالم يفرج عنه ويجعل يغادر البلاد.
كل هذا من العاب البلاي ستيشن المدمرة، فماذا ننتظر من طفل يحتال، يقسو، يضرب بلا رحمة، فكل هذا تعلمه في الالعاب الخطيرة علي تشكيل الحالة النفسية والمزاجية للطفل. وماذا ننتظر من طفل يفقد المشاعر الإنسانية بسبب مكوثه لساعات طويلة أمام الكمبيوتر وممارسة الالعاب الالكترونية؟..طبيعي أن يداهم الخطر منازلنا، ويتسع المجال لتبني الفكر المتطرف، ليتضاءل مع ذلك التمسك بتقاليد الدين السمحاء. وماذا ننتظر من طفل قضي ساعات نهاره وليله يتحدث مع أناس عبر الأنترنت لم نعرف هويته وجنسياتهم؟ أو ماذا ينقلون له في عقله الصغير؟ وما بالنا بالتوجيهات التي قد يتلقاها أطفالنا من أولئك الإرهابيين عن بعد؟..وماذا فعلنا مع أطفالنا؟..هل جلسنا نتناقش معهم؟، هل تابعناهم عن بعد أو حتي عن قرب؟، هل تحاورنا معهم لنعرف أفكارهم وتوجيههم نحو مماسة ألعاب أفضل تعليميا وذهنيا ودينيا واجتماعيا؟ هل جلسنا معهم نشرح لهم صحيح الدين؟، أو لنعلمهم كيف يقضون أوقاتهم في أشياء مفيدة وأهمها القراءة علي سبيل المثال، أو تعليمهم الرسم ، أو اقناعهم بممارسة الألعاب الرياضية.
الدرس المستفاد من كل ما سبق، هو ضرورة أن نعيش مع أطفالنا، أبناءنا، أسرنا، لنكون جميعا في أمان، فالدرس الأهم هو الحفاظ علي العالم الأسري الذي تربينا عليه ولا نترك المجال لغيرنا ليربي أولادنا. والدرس الثاني هو أن القضية خاصة وعامة ، فهي تتعلق بأسرة ومجتمع قبل أن ترتبط بدولة، وما نريده من رجال الدين أن ينشطوا في مجالهم لتوعية أطفالنا وشبابنا من خطورة الانترنت وهذه الألعاب المدمرة، فالوقاية خيرا من العلاج. وعلي الجهات الثقافية والإعلامية أن تنشط هي الأخري للتعريف بخطورة الأزمة التي قد نعاني منها مستقبلا، ولذا يجب التنبيه لها من الآن قبل غد، حتي لا نفاجأ بفاجعة توجع قلوبنا وأبداننا ونفسيتنا.

كاتب ومحلل سياسي بحريني