قوة اوروبا الناعمة والصلبة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٧/يوليو/٢٠١٦ ٠٠:٠١ ص
قوة اوروبا الناعمة والصلبة

فيديريكا موغيريني

يجري التساؤل حول الغرض من الاتحاد الأوروبي - وحتى حول بقائه على قيد الحياة - كما لم يحدث من قبل. في الواقع، مواطنو أوروبا والعالم في حاجة إلى اتحاد أوروبي قوي الآن أكثر من أي وقت مضى.
لقد أصبحت أوروبا أقل استقرارا وأمانا في السنوات الأخيرة على نطاق أوسع. وعلاوة على ذلك، فإن الأزمات داخل وخارج حدود الاتحاد الأوروبي أثرت بشكل مباشر على حياة جميع المواطنين الأوروبيين.
في أوقات صعبة مثل هذه، لكي يصبح الاتحاد أوروبي قويا ينبغي أن يفكر استراتيجيا، وأن تكون له رؤية مشتركة، وأن تعمل الدول الأعضاء جنبا إلى جنب. في أعقاب تصويت المملكة المتحدة على الخروج من الاتحاد الأوروبي، يجب على الأوروبيين في الواقع إلى إعادة التفكير في كيفية عمل الاتحاد. ولكننا نعلم جيدا ما علينا أن نعمل. ونعرف مبادءنا، ومصالحنا، وأولوياتنا. إن الوقت غير مناسب لحالة عدم اليقين السياسي. الاتحاد بحاجة إلى استراتيجية تمتزج فيها الرؤية المشتركة والعمل المشترك.
أيا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي تعمل وحدها، ليست لديها القوة الكافية لمواجهة التهديدات التي تواجهها أوروبا. ولا يمكن لها اغتنام الفرص التي يتيحها الاقتصاد العالمي اليوم وحده. ولكن كاتحاد لأكثر من نصف مليار من السكان، فإن إمكانات أوروبا لا مثيل لها.
أما شبكتنا الدبلوماسية فهي واسعة وعميقة، حيث تغطي كل ركن من أركان المعمور. اقتصاديا، نحن عضو في مجموعة G3 ، إلى جانب الصين والولايات المتحدة. نحن أكبر شريك تجاري ومستثمر أجنبي في كل بلد تقريبا في العالم. وتستثمر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في مجال التعاون الإنمائي أكثر من بقية دول العالم مجتمعة.
ومن الواضح أيضا أننا في أوروبا لا نستفيد بالكامل من هذه الإمكانات، على الأقل حتى الآن. و تفهم الغالبية العظمى من مواطنينا أننا بحاجة إلى تحمل المسؤولية الجماعية ونقوم بدورنا في العالم. ويأمل شركاؤنا أن يلعب الاتحاد الأوروبي دورا رئيسيا، أيضا، ، بما في ذلك كضامن للأمن العالمي.
ويمكن للاتحاد الأوروبي الوفاء باحتياجات مواطنيه وإنجاح شراكاته فقط إذا كنا نعمل معا متحدين - مؤسسات الاتحاد الأوروبي وحكومات وطنية، على جميع المستويات،. هذا هو بالضبط الهدف من الاستراتيجية العالمية للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية الأوروبية، التي قدمت مؤخرا إلى قادة الدول الأعضاء والمفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي.
وهذه الاستراتيجية الأوروبية ، الأولى من نوعها لأكثر من عشر سنوات، تركز على القدرات الدفاعية ومكافحة الإرهاب، وعلى خلق فرص الشغل، وضمان الاندماج الاجتماعي وحقوق الإنسان. إنها تساهم في إحلال السلام رغم مقاومة بعض الدول والمجتمعات في أوروبا وما حولها.
ويفخر الاتحاد الأوروبي دائما بقوته الناعمة - وسوف يواصل ذلك، لأننا الأفضل في هذا المجال. ولكن فكرة أن أوروبا هي حصرا "السلطة المدنية" لا تنصف واقع التطور. على سبيل المثال، يجري الاتحاد الأوروبي حاليا 17 عملية عسكرية ومدنية في جميع أنحاء العالم. في أماكن بعيدة مثل أفغانستان والكونغو وجورجيا ومنطقة الساحل، ومولدوفا، والصومال، والبحر الأبيض المتوسط،، حيث ينتشر الآلاف من الرجال والنساء تحت العلم الأوروبي. لدى أوروبا اليوم القوة الناعمة والقوة الصلبة اللتان تسيران جنبا إلى جنب.
وتدفع هذه الاستراتيجية طموح الأوروبيين للوصول إلى نوع من الاستقلالية، وهو أمر ضروري لتعزيز المصالح المشتركة لمواطنينا، وكذلك لدينا مبادئ وقيم. ولكننا نعرف أن هذه الأولويات هي أفضل بكثير عندما نحس أننا لسنا لوحدنا، وفي نظام دولي قائم على التعددية والقواعد، وليس على رجال الشرطة العالمية والمحاربين الوحيدين.
ولهذا السبب سيواصل الاتحاد الأوروبي تعميق الروابط بين طرفي الأطلنطي وشراكته مع منظمة حلف شمال الأطلسي، في حين سوف يربط أيضا علاقات مع فاعلين جدد مستكشفا أشكال جديدة لتعزيز استراتيجيته. وسوف يستثمر الاتحاد الأوروبي في المؤسسات الإقليمية والتعاون داخل وبين المناطق. وسيعمل على تعزيز الإصلاحات في مجال الحكم الرشيد على الصعيد العالمي لتلبية تحديات هذا القرن.
وفيما نعمل من أجل تحقيق ذلك، سوف نشارك بطريقة عملية ومبدئية، ونتقاسم المسؤوليات العالمية مع شركائنا، والمساهمة في قوتهم. لقد علمتنا التقلبات العالمية خلال العقدين الفائتين درسا واضحا: أن ضعف جاري وضعف شريكي هو ضعفي أيضا. ولذا أصبحنا على يقين أن السياسة الدولية يمكن أن تكون مربحة للجميع.
وإذا نحن تصرفنا بهذه الطريقة الصارمة، ستصبح كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي - وكل مواطني الاتحاد - أفضل حالا. ولكن لا يمكن لهذه الأهداف أن تتحقق إلا عن طريق أوروبا موحدة وملتزمة. تحالف جميع ثقافاتنا لتحقيق أهدافنا المشتركة يخدم مصالحنا المشتركة ويشكل تحديا يوميا، ولكنه أيضا أكبر قوتنا: التنوع هو ضامن قوتنا.
مصالحنا هي في الواقع مصالح أوروبية مشتركة، والطريقة الوحيدة لخدمتها هي بالوسائل المعقولة. ولهذا على جميع الأوروبيين، وجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، تحمل مسؤوليتهم الجماعية لتعزيز الاتحاد.
وتحتاج شعوب أوروبا إلى وحدة الهدف والعمل بين الدول الأعضاء. ويحتاج العالم الهش إلى اتحاد أوروبي قوي ومسؤول، له سياسة خارجية وأمنية منفتحة على العالم وتتطلع إلى مستقبل أفضل. وتٌحفزنا الاستراتيجية العالمية الجديدة إلى العمل من أجل قيام الاتحاد الذي يلبي حقا احتياجات مواطنيه وآمالهم وطموحاتهم. لقد تم تأسيس هذا الاتحاد بناء على نجاح 70 عاما من السلام؛ وعلى اتحاد قوي بما فيه الكفاية للمساهمة في السلام والأمن في منطقتنا وفي العالم.

الممثلة الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية