أنقرة – إسطنبول – ش – وكالات
"ربَّ ضارةٍ نافعة"، هذا ما يمكن أن يرددهُ الحزب الحاكم في تركيا، بعد فشل انقلاب عسكري أثار حالةً من الفوضى في تركيا، وهو ما قالهُ رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوجان: "هذه الحركة هي لطف من الله لأنها ستساهم بتنظيف القوات المسلحة، التي من المفترض أن تكون خالية ونقية من هذه العناصر. واتخاذ مثل هذه الخطوة قبيل عقد مجلس الشورى العسكري مطلع شهر أغسطس المقبل له دلالته، فالبعض توقعوا ما سيحدث في هذا الاجتماع، فبادروا إلى الإقدام على مثل هذه الخطوة.
قائد الأركان في الجيش التركي بالنيابة الجنرال أوميت دوندار أكد تصريحات أردوجان متوعدا بتطهير الجيش من عناصر الدولة الموازية"، في أشارة إلى أنصار الداعية التركي فتح الله جولن.
ومنذ وصول أردوجان إلى السلطة، جرت عدة حملات تطهير على مستوى قيادة الجيش في هذا البلد الذي يعد 80 مليون نسمة ويعتبر عضوا اساسيا في الحلف الاطلسي.
طي صفحة الانقلابات
رئيس الوزراء التركي السابق داوود أوجلو، ندد أمس السبت، بمحاولة الانقلاب التي وصفها الرئيس التركي رجب طيب أردوجان بالفاشلة. وقال في مؤتمر صحفي، إنه من غير الممكن العودة إلى تركيا القديمة، مشيدا بدور القوات المسلحة التركية في إحباط عملية الإنقلاب. وأثنى أوجلو على وحدة الشعب التركي مع الجيش، وقال إن الشعب التركي أثبت انتصار الديمقراطية.
جاءت تصريحات أوجلو بعد دقائق من إعلان رئيس الأركان التركي بالوكالة أوميت دوندار في مؤتمر صحافي، أمس السبت، بمدينة اسطنبول، فشل محاولة الانقلاب في تركيا، مبينا أن محاولة الانقلاب نفذتها قوات من سلاح الجو وبعض قوات الأمن و"عناصر مدرعة". وقال إن تركيا طوت صفحة الانقلابات في تركيا إلى غير رجعة، مؤكدا أن القيادة العسكرية العليا رفضت محاولة الانقلاب منذ البداية.
اعتقالات في الجيش
رئيس وزراء تركيا بن علي يلدريم أعلن أن 161 شخصا قتلوا في محاولة الانقلاب على حكومته والتي اسفرت عن اعتقال 2839 جنديا بشبهة المشاركة في المحاولة. ووصف يلدريم الذي كان يتحدث أمام مكتبه وبجانبه رئيس أركان الجيش خلوصي آكار الذي احتجزه الانقلابيون أمام قصر جنكايا في انقرة لساعات، محاولة الانقلاب بانها "لطخة سوداء" في صفحة الديموقراطية في تركيا. وأضاف أن 1440 شخصا اصيبوا بجرو
وزير العدل التركي بكر بوزداغ، أكد اعتقال 1563 عسكريا في مختلف أنحاء البلاد، على خلفية محاولة انقلاب فاشلة قام بها عسكريون مساء أمس الأول. وفي آخر التطورات أكدت مصادر تركية أن 200 جندي من المشاركين في الانقلاب، كانوا يسيطرون على مقر رئاسة الأركان التركية، سلموا أنفسهم لقيادة الجيش. وتم عزل 34 من قيادات الجيش التركي، من ضمنهم 5 جنرالات، بتهمة ضلوعهم في محاولة الانقلاب.
ومن جهة أخرى تم تحرير رئيس هيئة أركان الجيش التركي خلوصي آكار، الذي كان قد احتجز سابقا من قبل مجموعة من الانقلابيين. وكان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، قد أعلن في وقت سابق من يوم أمس السبت، عن تعيين قائد الجيش الأول الجنرال أوميت دوندار رئيسا للأركان العامة للجيش التركي بالإنابة، وذلك قبل الإعلان عن تحرير خلوصي آكار.
قائد الاركان بالنيابة الجنرال أوميت دوندار أعلن "احباط محاولة الانقلاب"، مؤكدا مقتل تسعين شخصا هم 41 شرطيا وجنديان و47 مدنيا في اعمال العنف التي جرت بين الانقلابيين والقوات الحكومية، فيما تواجه العسكريون المتمردون ايضا مع الحشود التي نزلت إلى شوارع هذا البلد.
البقاء في الشارع
وبالرغم من هذا الاعلان، دعا أردوجان الاتراك إلى البقاء في الشارع وكتب على تويتر "علينا ان نبقى مسيطرين على الشوارع (...) لانه ما زال من الممكن قيام موجة تصعيد جديدة".
وادت المواجهات التي شاركت فيها طائرات حربية ودبابات وتخللتها مشاهد عنف غير مسبوقة في انقرة واسطنبول منذ عقود. وتسببت باصابة اكثر من 1100 شخصا بجروح فضلا عن القتلى التسعين، وفق اخر حصيلة اوردتها وكالة الاناضول الموالية للحكومة. كما اعلن الجيش مقتل 104 انقلابيين.
وواجه عشرات الاف الاشخاص رافعين اعلاما تركية خلال الليل العسكريين الانقلابيين، فتسلقوا الدبابات المنتشرة في الشوارع واحتشدوا في مطار اسطنبول لاستقبال أردوجان الذي قطع عطلة كان يقضيها في منتجع مرمريس (غرب) للعودة على عجل إلى المدينة التي تعتبر معقله.
وبرر الانقلابيون "سيطرتهم التامة على السلطة" بضرورة "ضمان وترميم النظام الدستوري والديموقراطية وحقوق الانسان والحريات".
غير ان أردوجان الذي تعرض في السنوات الاخيرة للكثير من الانتقادات التي اخذت عليه تسلطه، اتهم الانقلابيين بانهم على ارتباط بعدوه اللدود الداعية فتح الله جولن المقيم منذ سنوات في المنفى في الولايات المتحدة.
ورد جولن مؤكدا "انفي بصورة قاطعة مثل هذه الاتهامات"، في بيان صدر من الولايات المتحدة. وقال "من المسيء كثيرا بالنسبة لي كشخص عانى من انقلابات عسكرية عديدة في العقود الخمسة الماضية، ان اتهم بانني على اي ارتباط كان بمثل هذه المحاولة".
التصدي للمتمردين
وفور وقوع المحاولة الانقلابية، دعا أردوجان السكان للنزول إلى الشارع والتصدي للعسكريين المتمردين، في مقابلة تلفزيونية مباشرة جرت معه بواسطة الهاتف النقال من مرمريس حيث كان يقضي عطلة.
وقال "هناك في تركيا حكومة ورئيس منتخبان من الشعب"، مضيفا "سنتغلب على هذه المحنة ان شاء الله". وعند وصوله إلى مطار اسطنبول، توعد الانقلابيين قائلا امام حشد متراص من الانصار ان "الذين نزلوا بدبابات سيتم القبض عليهم" منددا بالانقلابيين "الخونة".
وهنأ الاتراك على نزولهم "بالملايين" إلى الشارع، لا سيما في ساحة تقسيم في اسطنبول وقد غصت باعداد غفيرة من المتظاهرين المنددين بالانقلابيين.
وتعاقب كبار القادة العسكريين الذين يلزمون عادة التكتم الشديد ونادرا ما يتكلمون إلى الصحافة، على الاتصال طوال الليل بالمحطات التلفزيونية للتنديد بـ"عمل غير شرعي"، داعين الانقلابيين إلى العودة فورا إلى ثكناتهم.
ثلاث انقلابات
ونفذ الجيش التركي ثلاثة انقلابات حتى الان في 1960 و1971 و1980، وفي 1997 ارغم حكومة منبثقة من التيار الاسلامي على التنحي بدون اراقة دماء. وقام عشرات الجنود فجر أمس السبت بتسليم انفسهم إلى قوات الامن في اسطنبول على جسر فوق البوسفور كان الانقلابيون فتحوا النار فيه على مدنيين.
وفيما كانت طلقات نارية متقطعة لا تزال تسمع عند الفجر في عدد من احياء انقرة واسطنبول، عقد البرلمان التركي جلسة استثنائية.
والقت طائرة باكرا صباح السبت قنبلة قرب القصر الرئاسي في العاصمة، فيما قامت طائرات حربية من طراز اف-16 بقصف دبابات للانقلابيين في جواره، بحسب الرئاسة. واعلن أردوجان ان الفندق الذي كان ينزل فيه في مرمريس قصف بعد رحيله منه.
محاولة "غبية"
وتوالت الادانات الدولية لمحاولة الانقلاب التي وصفها يلديريم بانها "غبية" و"محكومة بالفشل". ودعا الرئيس الأمريكي باراك اوباما إلى دعم الحكومة التركية "المنتخبة ديموقراطية" والى "التحلي بضبط النفس وتفادي العنف واراقة الدماء".
كما دعا الاتحاد الاوروبي مساء الجمعة إلى "عودة سريعة للنظام الدستوري" في تركيا، وذلك في بيان مشترك لرئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك ورئيس المفوضية الاوروبية جان-كلود يونكر ووزيرة الخارجية الاوروبية فيديريكا موغيريني.
من جهته دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي جرت مؤخرا مصالحة بين بلاده وتركيا، إلى تفادي "اي مواجهات دامية". واعربت وزارة الخارجية الروسية السبت عن "قلقها" حيال الاحداث في تركيا محذرة بان محاولة الانقلاب "تعزز المخاطر على الاستقرار العالمي والاقليمي".
وراى الامين العام للامم المتحدة بان كي مون "من الاساسي عودة الحكم المدني والنظام الدستوري بصورة سريعة وسلمية". وفي ايران المجاورة، اعرب وزير الخارجية محمد جواد ظريف عن "قلقه الشديد".
*-*
جولن خصم أردوجان اللدود يندد بالانقلاب الفاشل
نيويورك – أ.ف.ب
ندد الداعية فتح الله جولن خصم الرئيس التركي رجب طيب أردوجان، "باشد العبارات" بمحاولة الانقلاب التي نفذها جنود مساء أمس الأول في تركيا، في بيان مقتضب أصدره قبيل منتصف ليل الجمعة من الولايات المتحدة حيث يقيم.
وقال جولن (75 عاما) "من المسيء كثيرا بالنسبة لي كشخص عانى من انقلابات عسكرية عديدة في العقود الخمسة الماضية، أن أتهم بأنني على أي ارتباط كان بمثل هذه المحاولة" مضيفا "أنفي بصورة قاطعة مثل هذه الاتهامات".
وتابع جولن في البيان من فقرتين "أندد بأشد العبارات بمحاولة الانقلاب العسكري في تركيا" مؤكدا "ينبغي الفوز بالحكم من خلال عملية انتخابية حرة وعادلة".
وجاء في البيان "أدعو الله من أجل تركيا، من أجل المواطنين الأتراك، ومن أجل جميع الموجودين حاليا في تركيا، أن تتم تسوية هذا الوضع بصورة سلمية وسريعة".
وكان أردوجان اتهم الداعية المقيم منذ 1999 في منطقة جبلية بولاية بنسلفانيا شمال شرق الولايات المتحدة بالوقوف خلف الانقلاب. وأعلن الرئيس التركي أنه " انقلاب شاركت فيه أيضا الدولة الموازية" في اشارة إلى حركة جولن.
وجولن حليف سابق لأردوجان ويدير من الولايات المتحدة شبكة من المدارس والمنظمات غير الحكومية والشركات تحت اسم "خدمة"، وقد أصبح الخصم الأول للرئيس التركي منذ فضيحة فساد كشفت في أواخر عام 2013. ومذذاك، يتهم أردوجان جولن بانشاء "دولة موازية" للاطاحة به، وهو ما ينفيه انصار الداعية.